تقارير

وزير النفط "عبد الرحمن عثمان" .. شخصية تخفي سيرتها وتعمل في صمت

لبى نداء الإنقاذ في سنواتها الأولى واختفى عن المشهد السياسي 
الخرطوم – محمد جمال قندول
حينما كشف النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء القومي الفريق أول ركن “بكري حسن صالح” قائمة حكومته قبيل (10) أعوام، في أمسية مزجت ما بين حرارة الطقس والأحوال السياسية، كان من الملفت أن يتوقف الناس في اسم وزير النفط والغاز “عبد الرحمن عثمان”، خاصة وأن اسمه غير مألوف للمراقبين في الساحة السياسية والاقتصادية.
وانحصرت ترشيحات هذه الحقيبة الوزارية المهمة في شخصية واحدة وهو وزير النقل الحالي “مكاوي محمد عوض”، الذي احتفظ بموقعه منذ أن بدأ غبار التسريبات عن حكومة الوفاق قبل أشهر.
ومنذ صباح (الجمعة) الماضية، لا شيء يشغل الصحافيين إلا البحث والتقصي عن سيرة الرجل الذي لم يجد له العم (قوقل) ملاذاً آمناً عن حياته بين بياناته ليطول البحث وتصعب المهمة على كل الذين فكروا في تحرير بروفايل عن الرجل الذي يتقلد هذه الوزارة في ظل ظروف استثنائية وبالغة التعقيد وينتظر منه أن يقود دفة أحد أهم مؤسسات البلاد الاقتصادية وصولاً لـ 2020م، حين ينقشع ثوب القومية ويلتف كل حزب على نفسه ليصول ويجول ويعرف حجمه ووزنه السياسي عبر الانتخابات التي بدأ الاستعداد لها باكراً.
تفاصيل عن حياته
اتصلنا على عدد من القيادات السياسية والاقتصادية المحسوبة على الحزب الحاكم والأحزاب الأخرى للتقصي حول سيرة الرجل، ولكن كل المحاولات باءت بالفشل قبل أن نجد طريقاً لمعرفة خبايا الرجل الذي قال لي أحد الذين اتصلت عليهم هاتفياً لمعرفة أي شيء عن وزير النفط الجديد، وقال بلهجة لا تخلو من الحيرة: (دا بالذات الرجل الغامض بسلامتو).
وبحسب سيرته الذاتية فإن وزير النفط الجديد “عبد الرحمن عثمان” من أبناء الحركة الإسلامية، وتنحدر أصوله من منطقة الوسط وتحديداً رفاعة بولاية الجزيرة، وتقول سيرته إنه درس المرحلة الوسطى بمدينة سنجة ثم الثانوي بحنتوب ومن ثم دراسته لجامعة الخرطوم الهندسة الميكانيكية ليغادر عقب تخرجه بالعام 1965م، إلى بريطانيا الذي حضَّر خلالها الدكتوراة ليعود بعدها محاضراً.
غادر الرجل بعد ذلك إلى الخارج وعمل بدولة الإمارات وتحديداً منطقة “الرويس” براتب كبير ومجزٍ وامتيازات كبيرة وعمل لفترة طويلة قبل أن تستدعيه الإنقاذ في العام 1992م، ليرأس حينها المؤسسة العامة للنفط بمرتب أقل من الذي كان يتقاضاه وتنازل عن العديد من الامتيازات لدرجة أنه استأجر شقة عقب عودته للخرطوم للمشاركة مع حكومة الإنقاذ، كان يدفعها بعض أبناء الحركة الإسلامية المغتربين بدول الخليج، وكانت حينها مؤسسة النفط بمثابة وزارة النفط ويعود لها فضل اكتشاف النفط في بداياته.
غادر “عبد الرحمن” بعد سنوات قليلة من النجاح موقعه بتوصية من الراحل “حسن الترابي” الذي علل الأمر بأنه رجل غير سياسي في حين أن قرار إزاحة الرجل من المشهد حينها آثار جدلاً واسعاً، ويثار بأن “عبد الرحمن عثمان” رفض تقديم تسهيلات لشركة كندية تستثمر بالنفط الأمر الذي عرضه للإقصاء ليغادر الساحة حينها بشكل كامل وينشئ معهداً للتدريب. ويقطن “عبد الرحمن” بمدينة بحري ومتزوج وأب لخمس بنات والآن في بداية السبعينات من العمر.
أبرز التحديات
العديد من التحديات تنتظر الرجل ولكن بالمقابل تلوح في عهده بشريات لرفع العقوبات الأمريكية بصورة نهائية خلال الشهر المقبل.
الخبير الاقتصادي “عز الدين إبراهيم” قال لــ(المجهر)، إن المشاكل المحيطة بالوزير الجديد كثيرة، ومنها توقف الشركات الصينية عن العمل بسبب ديون بجانب أن قطاع النفط بأكمله يحتاج إلى تكنولوجيا عالية وتحديث. ويواصل “عز الدين” حديثه ويرى بأن فرص الاستثمار فيه قلت مقارنة بالماضي نظراً لتدني أسعاره.
ويواصل “عز الدين” حديثه ويرى سياسات الوجوه الجديدة بوزارات القطاع الاقتصادي لم تعلن بعد، الأمر الذي يجعل من الحكم والتوقعات صعب للغاية، مشيراً إلى أن مخرجات الحوار، فيما يخص السياسات الاقتصادية كانت عبارة عن أحاديث فضفاضة أوجزت بمعاش الناس دون إبراز تفصيل لها،  منوِّهاً إلى أنه من الضروري على وزير النفط الجديد بأن يعلن سياساته حتى نعرف.. هل يختلف عن السياسات الموضوعة الحالية من برنامج الخطة الخمسية؟.
واعتبر “إبراهيم” بأن تدني أسعار النفط على مستوى العالم جعل الشركات الراغبة في التنقيب عن النفط قليلة ومستقبله غير معلوم، بجانب أن ديون دولة الصين تحديداً تحتاج إلى معالجات ولو عبر جدولة الديون، خاصة مع الإيمان بأن دفعها غير وراد بصورة مباشرة وهي جملة من التحديات في نظري ستجعل الوزير الجديد تحت الضغط والتحدي .
من جانبه تحدث أحد الإسلاميين القدامى وصديق دراسة للوزير الجديد وهو “قاسم المبارك” لـ(المجهر) وقال: إن الرجل من كوادر الإسلاميين البارزين بمجال النفط وله إسهامات كبيرة وعرف عنه الحسم وعفة اللسان والنزاهة والشرف، وزاد : (زول عارف هو بعمل في شنو وناشف وجاد).
ووصف “قاسم” الرجل بأنه اقتصادي ناجح وسيدير الوزارة بنجاح تام نظراً لحكمته وخبرته الطويلة، مستشهداً بأن “عوض الجاز” استعان به بوفد التفاوض بنيفاشا ضمن التيم الخاص بالتفاوض حول النفط، الأمر الذي يعكس مدى قيمة الرجل .
إرهاصات اللحظات الأخيرة
الخبير السياسي البروفيسور “حسن الساعوري” قال لــ(المجهر)، ليس من الضروري أن يكون متخصص في مجال الوزارة، ولكن بحاجة إلى وكيل ومديرين متخصصين وعمل مؤسسي واضح حتى ينجح، واعتبر “الساعوري” أن الاتفاقيات السابقة مع بعض الشركات التي لم تستطع إكمال عملها من أبرز التحديات الوزير الجديد، وسخر من الأقاويل التي تشير إلى أن النفط تراجع، وقال متى تراجع الأمريكان عنها يتراجع النفط، وزاد: هو شغل سوق ومستهلكين ونظام احتكار.
غير أن الخبير السياسي د.”صلاح الدومة” قال: إن أبرز المشاكل التي تواجه وزارة النفط هي قرارات سياسية تحد من الشفافية، وزاد بالقول: أغلب الوزراء الذين فرضوا على هذه الوزارة خضعوا للموازنات السياسية وليس الخبرة.
وأشار “الدومة” إلى أن نجاح الوزير الجديد متوقف على الحكومة نفسها والنظام بأكمله إذا أراد له النجاح سوف ينجح واسترسل، قائلاً : ما معنى أن نكتفي بالإنتاجية ونصدِّر أرقام مضاعفة ولا ينعكس ذلك على الواقع الاقتصادي على جميع المستويات الخدمية، بل على العكس، الظروف تزيد سوءاً وانفتاح أبواب فساد جديدة.
وطالب “الدومة” من الوزير “عبد الرحمن” الشفافية ونبش الماضي والحاضر واستصحابها بالوضوح مستقبلاً، ونفى “الدومة” بأن تشكِّل تراجع أسعار النفط عقبة في طريق القادم الجديد للوزارة، مشيراً إلى أنه مهما تدنت أسعار استخراج البترول مربح إلى حد كبير للدول نظراً للاستهلاك العالي.
وبحسب مصدر عليم تحدث لــ(المجهر) بأن مغادرة وزير النفط السابق “عوض زايد” لم يكن مفاجئاً للكثيرين، وأنه يحسب على الرجل التخطبات التي مر بها قطاع النفط بجانب أنه فشل في إيجاد صيغة معالجة لديون الصين.
وأشار المصدر إلى أن أبرز المرشحين لحقبة وزارة النفط حتى قبيل ساعات قليلة من التشكيل كان وزير النقل الحالي الذي جددت فيه الثقة بموقعه “مكاوي محمد عوض” غير أن للرئيس “البشير” رأى آخر حينما دفع باسم الرجل الذي أجيز اسمه على الفور.
الناظر لعموم العملية الاقتصادية بالبلاد والتي يعد النفط واحد من أهم أركانها سيرى بأن الطريق غير مفروش بالورود لـ”عبد الرحمن عثمان” وأن بانتظاره الكثير من العقبات لاجتيازها وليعيد للذهب الأسود سيرته الأولى بعد أن تخبطت في السنوات الأخيرة وتحديداً منذ انفصال الجنوب لتتقدم وزارة المعادن وتكون أولى المؤسسات الاقتصادية التي تعوِّل عليها الدولة مع جزمنا بأن مقبل الأيام والشهور لن يكون الحكم الفيصل وإنما بعد انتهاء الفترة الانتقالية بسفينة حكومة الوفاق الوطني حتى 2020م.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية