بعد ومسافة
“سعد الدين إبراهيم” نجم متألق
مصطفى أبوالعزائم
“سعد الدين إبراهيم” نجم متألق من نجوم ذلكم الزمن الأصيل، ربطتني به صلة قوية بدأت في مقتبل سبعينيات القرن الماضي.. وكان أول لقاء لي معه عندما حضر ذات يومٍ شتائي قارس البرد إلى الإذاعة السودانية يبحث عني!! كان الوقت ساعتئذٍ يشير إلى التاسعة صباحاً بتوقيت السودان.. وكنت يومها قد فرغت لتوي من عملي الإذاعي الذي يبدأ في الخامسة صباحاً وينتهي في التاسعة صباحاً.. ويتلخص عملي في تنفيذ أخبار الساعة السادسة والنصف صباحاً التي كانت من النشرات الإخبارية المهمة والشهيرة التي يتابعها مستمعو الإذاعة السودانية آنذاك.
الراحل سأل عني الزميل الفني بأستوديو البث.. هل يمكنه أن يُخبر “عمر الجزلي” داخل الأستوديو بأن الشاعر “سعد الدين إبراهيم” يود مقابلته.. وبلغني الزميل الفني “وصفي جبرة”- رحمه الله- برغبة الأستاذ “سعد الدين” في مقابلتي.. لحظتها تذكرت الأغنية التي أحبها والتي أُردد اسم شاعرها.. عند تقديمها في أحايين كثيرة وهي أغنية (العزيزة) لـ”سعد الدين إبراهيم” التي لم تأخذ شهرتها الحالية في ذلكم الوقت، بل أستطيع أن أقول إنها كانت من الأغاني غير المعروفة لفنان صاعد اسمه “فتحي حسين” تقُدم في ظهيرة برامج الإذاعة وفي أوقاتٍ متباعدة.. وكنت أنا أعدّها من روائع الفن السوداني ولكن الإعلام لم يُعطها الاهتمام الكافي!! لذلك كنت أُقدمها من خلال برامجي وسهراتي المختلفة بالإذاعة كبرنامج (قصاصات وأغنيات) و(مشوار السهرة) وغيرهما من البرامج!! حتى أن الإخوة بقسم التنسيق بالإذاعة لاحظوا ذلك الاهتمام مني بالأغنية ومطربها، الذي سعيت وبحثت عنه وقيل لي هاجر إلى السعودية!! فصوته جميل وجاذب.
المهم التقيت بالعزيز الراحل الأستاذ “سعد الدين إبراهيم” في ذلكم اليوم وبعد السلام والتحايا والتعارف.. أبدى إعجابه بي وباهتمامي بأغنية (العزيزة) التي يعدّها هو من أحب أغانيه إليه لكنها لم تأخذ شهرتها اللازمة.. شكرني على اهتمامي بها، وأبديت له رغبتي عند عودة الفنان “فتحي حسين” بإجراء لقاءٍ مطولٍ معه.. وحقيقة ما زالت رغبتي في لقائه حتى اليوم.
وبعد سنوات التفت الناس إلى الأغنية التي كنت معجبها الأول!! وعندما علق الراحل “وردي” عليها قبل وفاته.. أخذت شهرةً أكثر وكنت أقول للحبيب “سعد الدين” كلما التقيته: (شايف يا “سعد الدين” كيف صدق حدسي بأن “العزيزة” أصبحت أغنية كل المواسم؟!) ويرد عليّ: (فعلاً والله فعلاً!!)، وقد كتب هذه القصة في واحدةٍ من مقالاته.. رحمه الله.
واستمرت علاقتي بالراحل العزيز قويةً وودودة حتى رحيله المفاجئ.. وأذكر أنني كنت أزوره بمنزله مع الراحل العزيز زميلي الحبيب “عبد الرحمن أحمد” الذي كان صديقاً مقرباً له.. رحم الله شاعرنا الفذ “سعد الدين إبراهيم” فقد كان من شعراء زمنٍ أصيل مع رفقاء دربه الرائعين “عبد الوهاب هلاوي”، “عزمي خليل”، “تجاني حاج موسى”، “إسحق الحلنقي” وبقية العقد النضيد الذين أعطوا ولم يستبقوا شيئاً.. باركهم المولى وأمد في أعمارهم وإبداعهم.
اللهم الهمنا عبرة الموت الذي لا يخطئ أحداً أبداً أبداً.. وكلنا راحلون عن هذي الفانية ذات يوم يعلمه هو القوي القادر الوهاب ولا نعلمه نحن الفقراء إليه وإلى رحمته.