بعد ومسافة
السودان ومصر.. علاقة على فوهة بركان
مصطفى أبو العزائم
تمزق العراق، وتم إضعاف جيشه القوي، وأصبحت “طهران” هي مركز اتخاذ القرار في الشأن العراقي بعد أن أطيح بالرئيس “صدام حسين” الذي كان يقف صخرة صامدة وصادمة لأي تطلعات إيرانية في المنطقة العربية.. وطورد النظام السوري من قبل جيوش التطرف والتمرد حتى يتم دك حصونه مثلما حدث في العراق، وأفل نجم الدولة تماماً في ليبيا لتصبح ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، وتتحول إلى ميدان مواجهات عريض وواسع بين عدة جيوش ومليشيات.
جرت محاولة لإدخال مصر في دوامة الفوضى في فترة ما يسمى بالربيع العربي، واضطر الرئيس السابق “مبارك” لتعيين نائب له، كان هو مدير المخابرات المصرية العامة الراحل اللواء “عمر سليمان” بكل ثقله الأمني والعسكري والدبلوماسي والسياسي، لكن ذلك لم يكن هو المطلوب، اضطر الرئيس “مبارك” للاستقالة، وتدخل الجيش وتولى أمر السلطة، وجرت الانتخابات التي كانت نتائجها تقود إلى فوضى مرسومة ومخطط لها مهما كانت، فكان ما كان بعد إعلان فوز الرئيس المصري الأسبق “محمد مرسي” إلى أن تدخل الجيش مرة أخرى، واشتعلت النيران تضرب من سيناء إلى القاهرة والإسكندرية، وألقى الإرهاب بظلاله الثقيلة على المشهد كله، وبدأت حرب الاقتصاد المخطط لها أن تفضي إلى انهيار الدولة.. لكن مصر تبذل جهدها للخروج من النفق المظلم.
بلادنا لم تكن بعيدة عن مرامي الإضعاف والتقسيم والحرب الاقتصادية والحصار السياسي والمقاطعة الأمريكية، لكن السودان تجاوز كل تلك الشراكة والفخاخ التي نصبت في طريق مسيرته، وكاد أن يتعافى بعد أن أعاد محاربوه اكتشاف دوره وأهميته في المنطقة وأثره على ما حوله في الإقليم وامتداداته.
هناك قضايا حساسة يحاول البعض استغلالها لضرب العلاقة بين بلدين ربط الله سبحانه وتعالى بينهما من خلال الجوار والنيل الذي يعدّ شريان الحياة الأوحد لمصر، ومن خلال تاريخ ممتد وقديم، ولم يقدر لأي من شطري وادي النيل أن يعادي الشطر الآخر إلا في حدود المماحكات السياسية، واختلاف الرأي حول كثير من القضايا المرتبطة بأنظمة الحكم، وإدارة الشأن السياسي المرتبط بمشروع فكري محدد، مثلما حدث إبان مصر الناصرية، ومثلما يحدث الآن في ظل نظامين متآلفين ظاهرياً، متناقضين فكرياً، مع تضارب في المصالح العليا لكليهما، خاصة فيما يتعلق بحصة كل بلد في مياه النيل.
تفكير السودان في استغلال كامل حصته من مياه النيل، بإنشاء السدود وتعلية الخزانات، أزعج بعض الجهات التي تتولى حراسة المصالح الإستراتيجية في مصر، رغم أن ذلك من حق السودان، ثم جاءت قاصمة الظهر التي أوشكت أن تعصف بالعلاقة بين البلدين لولا حكمة القيادة فيهما، ونقصد تنفيذ إثيوبيا لأحد أكبر مشروعاتها المائية (سد النهضة) لكن اجتماع رؤساء الدول الثلاث في الخرطوم، وتوقيعهم على اتفاق خاص بشأن الرقابة والمتابعة وتنفيذ المشروع، نزع فتيل الأزمة.
المشكلة لم تنته، فقد كانت هناك أيادٍ خفية تعمل على إشعال الفتنة من جديد، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك لجرجرة البلدين (الجارين) إلى معارك لن يكسب منها سوى أعدائهما، وانتشرت الفتنة من خلال أجهزة الإعلام، والصحف والأسافير، وتحركت مصر في إطار خططها الإستراتيجية للحفاظ على حقوقها في مياه النيل لتساند حكومة “سلفا كير” رغم علمها بمواقف (جوبا) تجاه الخرطوم، ودعمها للجيش الشعبي وقطاع الشمال وعدد من الحركات المسلحة، بينما تتهم معارضة الرئيس “سلفا كير” مصر بالتدخل العسكري المباشر إلى جانب حكومة دولة جنوب السودان في حربها ضد القوات المتمردة عليها، لزعزعة الأوضاع في كل من السودان وإثيوبيا كما تقول المعارضة الجنوب سودانية، وقدمت ذات المعارضة للإعلام ما قالت إنه دعم مصري لحكومة جنوب السودان من سلاح وعتاد وعون فني، هذا غير اتهام المعارضة الجنوب سودانية للطيران الحربي المصري بالمشاركة في المعارك.
الأمر خطير، وهناك أصابع خفية تعمل على جرجرة البلدين (الجارين) إلى مواجهات خطيرة بدعاوى الحفاظ على المصالح العليا ونحن نعرف بل نكاد نرى العواقب الوخيمة لهذا الأمر إن حدث، ولا نريد أن نؤتى من قبل مصر.. ولا نريد لمصر أن تؤتى من قبلنا، لذلك لا بد من تحركات دبلوماسية رفيعة المستوى، بل ورئاسية إن دعا الأمر لإيقاف هذه المهازل التي ستهدم كل شيء.. في لحظة غضب.