بعد ومسافة
“تومبور”..؟ خسئ الجاهلون!
مصطفى أبوالعزائم
قبل يومين كنت أتابع برنامجاً حوارياً فنياً، من خلال مذياع السيارة في إحدى محطات إذاعات (الإف أم) التابعة لإحدى الجامعات، وقد شدني للمتابعة أن ضيف البرنامج هو مطرب أحب غناءه لأنه متميز في غناء الطنبور، له قدرات عالية وملكات متميزة، هو الفنان “عبد الرحيم البركل” وقد استضافت الإذاعة تلك مع “البركل” السيدة حرمه وهي طبيبة مجيدة للحديث والتعليق والإجابات مثل زوجها الفنان الكبير لولا (إدعاءات) مقدمة البرنامج و(فلسفتها) الفارغة، وتسرعها و(خفتها) الزائدة التي تنفر المستمع من المتابعة والاستماع.
لا أريد ذكر اسم المحطة الإذاعية، ولا اسم البرنامج ولا اسم المذيعة، حتى لا أحدث لهم شرخاً في العلاقة مع المستمعين، الذين قد يذهب بعضهم للبحث عن الموجة التي تبث عليها هذه المحطة الإذاعية، ويبدأ الاستماع برأي مسبق وهو قد يكون رأياً سالباً حول الإذاعة والمذيعة والبرنامج.
التسرع و(الفلسفة) والقفز فوق الموضوعات ليست هي المشكلة وحدها، لكن أحد أركان مشكلة تلك المحطة الإذاعية ومذيعتها العجلى، هو حرف الراء الذي تنطقه تلك المذيعة الألمعية، تارة مفخماً وتارة مخففاً، وتارة يخرج بين كلماتها دون أن تشعر بنطق طبيعي.. وهذه واحدة من كبائر مشكلات بعض أبنائنا وبناتنا المذيعين والمذيعات، إذ يعتبرون (ترقيق) الصوت و(التلاعب) بنطق بعض الحروف هو إحدى أدوات جذب أذن المستمع، ويعيشون في وهم عبيط بأن المستمعين والمستمعات يغرمون بهم وبطريقتهم المائعة في الحديث والتقديم، مثل مذيعتنا الألمعية تلك التي تحاول ربط المستمع بموضوع الحلقة أكثر من مرة بالترحيب بضيف البرنامج الفنان الكبير، فنان (التومبور) الأستاذ “عبد الرحيم البركل”.. أي والله تنطقها مثلما كتبتها لكم، وهو أمر مقزز، وقد لا تقبله الأذن، فنحن نعرف الطنبور، ولا نعرف (التمبور) الذي جادت به مذيعتنا تلك، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ضحالة المعرفة، ويدل على ضعف المتابعة داخل هذه المحطة الإذاعية، خاصة وأن الحوار الإذاعي بمختلف تخصصاته له أسسه وطرقه المعروفة، فالمستمع ما كان يجد فرصة لمتابعة حديث أي من الضيفين الكريمين حتى لكأن وحدة الموضوع غابت عن الحلقة.
والله آلمني الذي سمعته لكنني لم أندم على متابعته لأن المتابعة جعلتنا ندق ناقوس الخطر لما يحدث من (تفاهات) باسم الفن، وما يحدث من ترويج للجهل عبر بعض البرامج الإذاعية باسم الحوار الإذاعي الفني، وما يحدث من ضحكات و(قرقرات) فارغة في موضوعات لا تستحق، و(خفة) لا تليق.. بإذاعي محترف أو إذاعية محترفة، كأنما هو أو هي لا يصدق ولا تصدق ما أتاحته هذه المحطات الإذاعية من فرص لمواجهة الجمهور.
هناك ضوابط مشددة عندما تمنح الدولة ممثلة في المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية، التراخيص للشركات الخاصة بإصدار الصحف، وهناك رصد ومتابعة للأداء لن يفلت عنها خارج عن قواعد المهنة، وهذا لا يتوفر – للأسف الشديد – بالنسبة للإذاعات الخاصة، رغم أن أكثرها جيد ويقوده خبراء وإذاعيون أكفاء، لكن ماذا نفعل أمام مثل هذه المصائب التي تداهمنا بين حين وآخر.
الصحفي لا يمارس المهنة بدون الحصول على سجل صحفي يخضع لامتحان خاص حتى يحصل عليه حتى ولو كان دارساً متخصصاً للصحافة، متخرجاً في إحدى كليات الإعلام الكثيرة ويخضع قبل الجلوس للامتحان وبعده إلى فترة تدريبية يتعلم فيها أصول المهنة وطريقة التعامل مع المعلومة والاستيثاق منها وكيفية عرضها وفي أي قالب يجب أن تكون.. ثم يتدرج في هذا الطريق حتى يصبح صحفياً متمكناً يوثق به، ويكتسب ثقة قرائه وثقة مصادره، والثقة في نفسه.. ولكن يبدو أن الأمر يختلف في بعض الوسائط الإعلامية الأخرى الخاصة مثل (بعض) إذاعات (الأف أم) الخاصة أو التي تتبع لمؤسسات تعليمية لا تتوقف كثيراً أمام مطلوبات الدخول إلى الأستوديو، وهنا لا بد من أن ننبه وزيري الإعلام.. والدولة بالإعلام إلى هذه الفوضى، إذ يبدو لنا جلياً أن بعض المذيعين والمذيعات لا يمرون بأية مرحلة من مراحل التدريب.. وإنما يدخلون إلى الاستوديوهات (توووش) ويجلسون أمام (المايك) لينثروا وينشروا هذا الغثاء.
قال “تومبور” قال.. خسئ الجاهلون أينما كانوا.