الآثار السودانية: "البعد الحضاري والتناول الإعلامي"
في منتدى كلية الآداب.. الحضارة تبدأ من هنا
الخرطوم ــ مهند بكري
هل الحضارة السودانية تسبق الحضارة المصرية القديمة؟.. جدلية حاول المتداولون في منتدى جامعة الخرطوم الدوري أمس (الثلاثاء) برواق قاعة الشارقة، التنقيب عن أبعادها وتحديد اتجاهات الحضارة السودانية القديمة، وتوضيح الرؤى العلمية للبعد الحضاري لممالك حكمت حقباَ من تاريخ تكوين السودان، للمواطنين وأهل الشأن وإضفاء البعد الإعلامي لقيمة موضوع المنتدى الخاص بالهوية والذي حمل عنوان “الآثار السودانية: البعد الحضاري والتناول الإعلامي”.
سند علمي .. وعادة الجرتق
أستاذة الآثار بجامعة الخرطوم البروف “انتصار صغيرون” أعلنت خلال كلمتها بالمنتدى الذي أدار منصته الهرم الإعلامي البروفسير “علي شمو”، أعلنت عن تحضير لمؤتمر علمي حول مشروع الآثار السودانية، وقالت إن السند العلمي يرجح أن الحضارة السودانية والمصرية بدأتا في نفس الوقت، وأشارت “انتصار” إلى أن عادة الجرتق والمسجلة ضمن إحدى أوجه الثقافات والتقاليد السودانية يمكن أن تعود إلى ما قبل الحقبة (المروية)، مطالبة بضرورة ربط التعليم بالبلاد بمعلومات تاريخية أثرية عن حياة وممالك السودان القديمة وعاداتها والتقاليد المتعارف عليها.
ووصفت زيارة الشيخة “موزا” الأخيرة للمعالم التاريخية بالبلاد بأنها أمر طبيعي في ظل دعم الحكومة للتراث والشراكة القطرية ودعمها للملف والمشروعات الحضارية القديمة وإبلائها اهتماماً بالإرث القومي، والحضارات التي مرت على البلاد، والتي قالت إنها تشكلت من مجموعة رحلات وتمازج جراء التداخل الإرثي بين مكونات السودان منذ عصور قديمة شكل (سوداناويتها).
الدين والحضارة .. فواصل (كرماوية)
من جهته قال البروف “علي عثمان محمد صالح” أستاذ الآثار بالكلية، إن البعد الحضاري ومنذ فترة طويلة حمل في طياته جدلاً في أن الحضارة السودانية تأثرت بالمصرية، مؤكداَ على أن الحضارة السودانية بدأت من مملكة (كرمة) في العام (1500) قبل الميلاد واستمرت لألف عام، وأن الاحتلال لم يدخل البلاد إلا بعد عصور من النشأة الأولى لملامح الحضارة أي عقب سقوط مملكة (كرمة)، وأشار “علي عثمان” إلى ثلاث نقاط اختلاف بين الحضارتين عدهما في إن الحضارة السودانية انفردت بأسلوب خاص في الحكم والحق (الإلهي) وبسط سلطة الملوك وفصلها عن سلطة (الكهنة) التي كانت تسيطر على مفاصل الحكم المصري على مر العصور، بجانب أن ملوك البلاد لم يتوجوا في المعابد باستثناء ملوك (نبتة) والتي أوضحت سوء التجربة الدخيلة في الحكم، وأن الملوك على مر العصور في الممالك بمناطق (المحس) كان تنصيبهم يتم على قمة جبل وكنت تحمل اسم (دُكي) بيد أن المصريين كانوا ينصبون ملوكهم في المعابد، إضافة إلى أن الحضارة السودانية ارتبطت بشعوبها على عكس حضارات العالم التي لم تكن تعترف بشعوبها، بذلك نجد نقاطاً تنفي الجدل الذي يدور حول ارتباط الحضارة السودانية بالمصرية ويؤكد استقلالية الأولى.
جزيرة (صاي).. أقدم موقع للاستيطان البشري
من جهة أخرى قال مدير الهيئة العامة للآثار والمتاحف “عبد الرحمن علي”، إن أول من إكتشاف في الصناعات الفخارية يعود إلى (10) آلاف عام بمنطقة ـ الخرطوم القديمةـ بجانب اكتشاف أقدم موقع للاستيطان البشري في أفريقيا بجزيرة (صاي) وبقايا من إنسان العصر (الأول)، واكتشاف أقدم حجر يعود إلى ألف ومائتي عام قبل الميلاد، وقال “علي” إن دولة (كرمة) هي أولى الدول السودانية وأن الهجرات الأفريقية من الأخدود الأفريقي إلى البحر الأحمر وما حملته معها من تداخلات، يدل على الدور الإقليمي الذي لعبه الإنسان الأول ونشر الحضارة على مستوى العالم.
وأكد “علي” تقدمهم بخطوات تجاه استرداد آثار تخص البلاد وفصل قطع أثرية موزعة في المتاحف العالمية عن (المصرية)، مشيراَ إلى خروج آثار عن طريق قوانين وضعية إبان الحقبة الاستعمارية، مشيراَ إلى الدور الإعلامي في المساهمة والتعريف بالحضارات وتقديمها للعالم، بيد أنه عاد وقال إن هناك بعض المفاهيم المغلوطة التي خرجت على الملأ عن طريق النقل الخاطئ وعدم التحري من دقة وصحة المعلومة.
الحضارات القديمة .. بوح الأسرار والزخم المصري
من جانبه قطع وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة “أحمد بلال” بأن الحضارة السودانية هي الأعرق والأقدم بين الحضارات العالمية، مشيراَ إلى تجاهل الحكومة خلال الحقب السابقة للإرث السوداني وحضارات البلاد كأقدم إرث سكاني حددته حفريات وبحوث علمية، بأنها تعود إلى (3000) سنة قبل الميلاد.
وقال “بلال” إن الزخم الإعلامي المصري في تناول زيارة الشيخة موزا للأهرامات ومساسها بحضارة البلاد صاحبته حالة من الصحوة السودانية تجاه التراث والحضارة السوداناوية، وطالب “بلال” بتكثيف الجهود البحثية والتنقيبية في تاريخ الحكم والعمران السوداني. وطالب “بلال” بضرورة الاعتزاز بالسوداناوية، داعياَ إلى التنقيب في قصة سيدنا “موسى” وغرق “فرعون” في (اليم) والتي هي في الأصل كلمة بيجاوية لتحديد ملامح الحضارة والتاريخ السوداني.