رأي

بعد ومسافة

العقوبات وتقرير “ليمان” عن السودان..
مصطفى أبو العزائم

انتشر على وسائل التواصل الحديثة تقرير السفير الأمريكي المتقاعد “برنستن.ن.ليمان” المبعوث الأمريكي الأسبق لسلام السودان، وكبير المستشارين بمعهد السلام الأمريكي حالياً.. والذي قدمه أمام اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية عن أفريقيا والصحة العالمية وحقوق الإنسان الدولية والمنظمات الدولية في (26) أبريل الجاري تحت عنوان (المسألة الشائكة لتخفيف العقوبات عن السودان) ويعترف السفير “ليمان” بدور السودان الإقليمي والقاري، ويشير إلى أن هذا الدور يمتد حتى منطقة القرن الأفريقي، وإلى شمال أفريقيا والساحل، إضافة إلى أنه مساهم رئيس في الأزمة بدولة جنوب السودان.. ويتهم “ليمان” الحكومة السودانية بذات الاتهامات القديمة مثل الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، وتقييد حرية التعبير والتجمع، والوقوف في وجه أية إصلاحات ديمقراطية يمكن أن تحقق السلام والرخاء في البلاد.
ومع تلك الاتهامات فإن الاعترافات تتواصل بأن سعي واشنطن الحثيث لإسقاط الحكومة في الخرطوم لم يثمر ولم يأت بنتيجة على الرغم من استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية، وعلى الرغم من (جهود المقاتلين) للإطاحة بها، بل أن مستقبل السودان لم يزل متعلقاً بهذه الحكومة وإن سقوط الحكومة أو إسقاطها بالقوة لن يحقق الأهداف الرئيسة للولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه لن يحقق السلام والديمقراطية والرخاء الذي يستحقه الشعب السوداني.
السفير “ليمان” يتساءل في تقريره الخطير عن كيف يمكن الجمع بين عوامل الاعتراض على الحكومة من مناحٍ شتى والتعامل معها في ذات الوقت كلاعب يتمتع بأهمية كبرى بالنسبة لواشنطن. ويجيب “ليمان” على تساؤلاته بنفسه ويقول إن المشكلة الكبرى في السودان هي أن من يمتلكون زمام القوة، خاصة أولئك الذين يهتمون بأمن النظام، هم جزء أصيل من التحكم الفعال والتقليدي مما يجعل مخاطر التغيير تبدو ضخمة للغاية بالنسبة لهم، لذلك فإن التحدي الحالي الماثل أمام الحكومة السودانية هو أهمية وجود عدة مسارات نحو السلام والتشارك والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، مع أهمية الإشارة لأن تتفهم الحكومة السودانية أن حكومات أوتوقراطية أخرى سلكت تلك المسارات وتمكنت من تحقيق التحولات بنجاح مثل ما حدث في كوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا وأسبانيا وأندونيسيا، وتلك هي الطريقة الوحيدة لخروج السودان من حالته الحالية التي تسقط عليها الظلال الثقيلة للحروب الأهلية والتنمية المحدودة.
من أهم ما جاء في تقرير “ليمان” هو دعوته لواشنطن بضرورة التركيز على إيجاد وسائل ضغط تدفع بالحكومة ومناصريها إضافة للمعارضة والحركات المسلحة إلى الالتزام بأحداث التغيير المطلوب، وهذا يتطلب الحوار العميق بين كل الأطراف.. ويمكن اعتبار مبدأ تطبيق العقوبات أحد الأساليب المساعدة على الضغط بخصوص ذلك الحوار، مع ضرورة الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لم تخض في حوار بناء مع حكومة السودان منذ العام 2013م، عندما شاركت في المراحل النهائية من الحوار لإنهاء بعض القضايا الشائكة والعالقة بين دولتي السودان وجنوب السودان.
أما أخطر ما جاء في تقرير “ليمان” فهو مطالبته باستمرار العقوبات كأسلوب مساعد للضغط على الحكومة بخصوص الحوار، وهنا تتكشف بوضوح اتجاهات بعض مجموعات الضغط الأمريكية للإبقاء على العقوبات، ومن بينها (معهد السلام الأمريكي ومستشاريه، لكن فات على هؤلاء وأولئك أن رفعاً جزئياً فعلياً قد تم للعقوبات، إضافة إلى الدور المحوري الذي اعترف به السفير “ليمان” للحكومة السودانية القائمة الآن في التأثير على استقرار المنطقة والإقليم واستقرار دولة جنوب السودان التي تشهد انهياراً متدرجاً قد لا يبقيها قائمة حتى نهاية العام الحالي، إلى جانب التفاهمات الاستخباراتية بين البلدين، وحالة الضعف والضعضعة والضياع التي تتعرض لها المعارضة المسلحة في الوقت الحالي غير الخلافات القائمة بين مكوناتها وهو ما يهدد استقرار المنطقتين وبعض البؤر الملتهبة في دارفور.. مع عدم استعداد الحركة الشعبية شمال – كما جاء في تقرير “ليمان” – للمشاركة في الحوارات والعمليات السياسية المفضية للسلام، بشهادة الوسطاء وفي مقدمتهم الاتحاد الأفريقي.
ومع ذلك نرجح بنسبة تفوق السبعين في المائة بأن واشنطن ستنهي العقوبات على السودان في يوليو المقبل ليس حرصاً على السودان أو حكومته،  أو حرصاً على أمن واستقرار المنطقة والإقليم.. وإنما حرص على مصالحها وأمن وسلام العالم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية