هل يكشف المؤتمر الشعبي عن خياراته أم يتعلق بقشة الغريق؟
بعد إجازة تعديلات ملحق الحريات
فاطمة مبارك
عندما أثيرت بعض القضايا الفقهية والدستورية في ملحق التعديلات الخاصة بالحريات الذي ألحقه رئيس الجمهورية البرلمان بعد احتجاجات المؤتمر الشعبي، ظنت قيادات حزب المؤتمر الشعبي أنها ستكسب المعركة التي كانت تبدو واضحة المعالم من البداية، وكانوا كثيراً ما يقولون نحن نراهن في هذا الموضوع على الرئيس “البشير” بوصفه الضامن الوحيد لمخرجات الحوار، لكن الرئيس “البشير” جاء رده على هذا الخلاف في وقت وجيز من إثارة معركة الخلاف حول بعض التعديلات الخاصة بالحريات، حينما قال في حوار أجراه معه رؤساء التحرير الذين رافقوه في رحلته للإمارات وهو في طريق العودة في 22/نوفمبر 2017م، في سياق رده عن إمكانية قبولهم بالتعديلات التي أثارت جدلاً قال: ليس منطقياً أن يأتي (المؤتمر الشعبي) بتعديلات ويقول: (Take it or Leave it)! وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذاً طرحنا حواراً؟ ونحن كنا الأقدر على أن نفرض وجهة نظرنا (يا كدا يا أشربوا من البحر).. بالتالي ليس هناك منطق أن تأتي جهة وتفرض رأيها.. طلبنا أن يأتوا بمقترحاتهم ونتناقش حولها والمتفق حوله سنأخذه. هناك أشياء نحن نعارضها بنسبة (100%) في التعديلات المقدمة، ولا توجد طريقة للموافقة عليها، بل نحن نفترضها خطأ من ناحية فقهية ولا يمكن قبولها، هذا الرد كان كافياً ليفهم المؤتمر الشعبي أن لجنة “بدرية” الطارئة تعمل وفق توجهات الرئاسة وربما بضوء أخضر من الرئيس، وما يؤكد ذلك حديث “بدرية سليمان” في المؤتمر الصحفي عقب إجازة التعديلات في مرحلة العرض الأخير رداً على اتهامات المؤتمر الشعبي لها بأنها قامت بتزوير التعديلات حتى أصبحت صادمة ومشوِّشة، عندما قالت إن التعديلات أتت لها من رئاسة الجمهورية وليس من المؤتمر الشعبي، ورغم هذه الإشارات التي تدل على التنسيق والاتفاق كامل بين رئاسة الجمهورية ولجنة “بدرية” الطارئة لا زال المؤتمر الشعبي يتعلق بقشة الغريق ويجدد مراهنته بعد إجازة التعديلات في أنه سينتظر موافقة الرئيس عليها، حيث طالب “كمال عمر” بعد إجازة ملحق تعديلات الرئيس بعدم التوقيع عليها، وقال: لازلنا نعوِّل على الرئيس أن يسقطها باعتباره المبتدر لهذه التعديلات.
ويعتبر موضوع ملحق التعديلات الحريات من الموضوعات التي شهدت تعقيدات بالغة نتيجة لتمسك المؤتمر الشعبي بما ورد في ملحق تعديلات الحريات دون حذف شولة، فيما يبدو أن البرلمان ممثلاً في الحزب الحاكم استدرك بعض الفقرات التي رأى أنها تحتاج إلى إضافات مثل صلاحيات جهاز الأمن والمخابرات الوطني، الشيء الثاني أن بعض الفقهاء الممثلين لهيئة علماء السودان الذين استعانت بهم اللجنة الطارئة للتعديلات برئاسة نائب رئيس المجلس الوطني “بدرية سليمان” أصلاً لديهم خلافات فقهية مع بعض فقهاء المؤتمر الشعبي، خاصة الراحل دكتور “الترابي” الذي عكف على صياغة ملحق تعديلات الحريات قبل وفاته، وهناك بون شاسع بينه وبين الآخرين على صعيد الآراء الفقهية والمصطلحات التي يستخدمها على المستوى القانوني والسياسي، فلا زال يذكر الناس كلمة “التوالي السياسي” التي أفرزت جدلاً في الساحة آنذاك في دستور 1998م، بالعودة للقضايا محل الخلاف بين المؤتمر الشعبي واللجنة الطارئة، بعضها لا يحتاج إلى كل هذا الغبار الكثيف، فمثلاً حول موضوع زواج التراضي، كان المؤتمر الشعبي يصر على أن المبدأ الدستوري هو حق الزوجة في الرضا والزواج بالتراضي يكون مباشرة أو بالوكالة، فيما اعترضت اللجنة الطارئة على المباشرة وأصرت على الولي، في حين أن ما ورد بملحق التعديلات لم يلغ دور الوالي أصلاً.
من جانبه اعتبر المؤتمر الشعبي ممثلاً في الأمين السياسي “كمال عمر” بعد إجازة التعديلات في مرحلة العرض الأخير أول أمس، بعد أن خضعت لتعديلات مرة أخرى أن الذين أفتوا في هذا الموضوع أفتوا من باب زاوية ضيِّقة ليس من باب دستوري أو حق قرءاني، وقال هؤلاء خبراء في مسائل شخصية ومرجعيتهم في الأحوال الشخصية، كذلك لم يبتعد عن هذا الفهم النائب البرلماني القيادي بالمؤتمر الوطني دكتور “أمين حسن عمر”، الذي استنكر قبل إجازتها الاعتراضات التي كان قد أبداها بعض نواب الهيئة التشريعية القومية على اللغة المستخدمة في مقترح التعديلات الدستورية ملحق “الحريات العامة” والتي خطها رئيس حزب المؤتمر الشعبي الراحل “حسن الترابي”، ووصف الاعتراض بعدم دستوريتها، بغير الصحيح، وقال مستغرباً: إن “الترابي” خبير في الدساتير ومتخصص فيها، مشيراً إلى أن دستور 2005 م، القائم نقلت نصوصه من دستور 1998م، الذي صيغ بنفس قلم الشخص الذي يقال الآن: إن لغته تنافر لغة الدساتير، واعتبر أن اللجنة ركزت على الصياغات والخلافات الفقهية، بينما كان عليها التركيز على توسيع الحريات، الذي قام الحوار الوطني على أساسها، وأوضح أن التضييق يأتي غالباً بسبب الأوضاع الاستثنائية، وأضاف أنه بسبب سماع اللجنة لجهات كثيرة ذات دوافع سياسية وأحياناً أيديولوجية، انعكس ذلك على تقريرها، و”أمين” هنا تبرأ مما قامت به اللجنة الطارئة ولبس عباءة المفكرين والمتفقهين مبتعداً عن الانحيازات السياسية. ومن ناحيته اعتقد “كمال عمر” أن التعديلات التي أجريت على معظم النصوص المقدمة للبرلمان كانت جوهرية وقال حماية الحريات بالقانون أضعف من حمايتها بالدستور.
تمت إجازة ملحق تعديلات الحريات في مرحلة العرض الأخير التي أوكلت للأستاذة “بدرية سليمان” ولجنتها الطارئة وعادة ما تقوم “بدرية” بإجراء التعديلات التي ترد للبرلمان ويدور حولها جدل على خلفية خبرتها القانونية وتجربتها الكبيرة في هذا الجانب، لكن يبقى الخلاف دائماً حول أن كان ما قامت به عملاً دستورياً وقانونياً خالصاً، أم أنه يتم وفقاً لفهم سياسي محدد، وأياً كان الإجابة
فقد أجيز ملحق التعديلات الخاصة بالحريات، لكن لم تنته معركة الخلاف حولها بين “بدرية” والمؤتمر الشعبي، فمن المخطئ “بدرية” أم المؤتمر الشعبي؟.