عز الكلام
من مصر.. الطب والحفاوة
ام وضاح
في ذات مساء اليوم الذي أعادت فيه السلطات المصرية الزميل “الطاهر ساتي” ومنعته من دخول العاصمة المصرية، كنت أتأهب وزوجي لأستاذ “صلاح دهب” وأبنائي للمغادرة إلى مصر لمقابلة النطاس الدكتور “أحمد طمارة” اختصاصي القلب المعروف الذي استشفى عنده قلب الأستاذ “علي شمو” والفنان الكبير “كمال ترباس”، وعدد من السودانيين نصحونا بمقابلته بعد أن شخصت حالة “صلاح” بأنها ضعف في عضلة القلب على حسب حديث الاختصاصي الكبير في المستشفى الكبير الذي أجرى قسطرة للرجل الكبير أصبحت عنده شهادة أهم من كل شهاداته الأكاديمية.
المهم أنني توقعت أن يتم إبعادي بمجرد وصولي الأراضي المصرية خاصة وآخر زاوية كتبتها كان عنوانها العلاقات المصرية يداً بيد ونداً بند، ولأن لا وضع زوجي الصحي ولا رفقة أبنائي كانت تسمح بأي حركات في المطار، اتصلت على السيد السفير الأستاذ “عبد المحمود عبد الحليم” واستشرته في مسألة حضوري للقاهرة، وأخبرته عن موعد وصولنا في حال حدث أي أمر كنت أتوقعه، وبالفعل وصلت القاهرة صباح (الاثنين) لأجد في انتظارنا مدير المراسم بالسفارة الذي أكمل إجراءاتنا وغادرنا إلى حيث مكان إقامتنا، لم يعترضنا ولم يضايقنا أحد.. هي ذات الوجوه والألسن التي تدعونا (أهلاً بيكم حبايبنا أولاد النيل).. لا أحد يتحدث في سياسة أو حكومات ولا تشعر أن هناك شيئاً غير طبيعي، أو أن أمراً قد تغير في الإلفة التي ظلت طابع العلاقة بين الشعبين الشقيقين.
لكن خلوني أقول إن كل ما حدث من توتر في الشارع السوداني بعد إبعاد زملاء أعزاء عن دخول مصر لم يصبني بالصدمة كصدمتي في المفاجأة التي كانت في انتظارنا في عيادة دكتور “أحمد طمارة” الذي قابلنا بحفاوة بعد أن علم أننا صحفيون وظل يشكر ويمدح ويجزل في الحديث عن الأستاذ القامة “علي شمو” ويصفه بكل ما هو رائع وجميل، وبالعالم المتواضع الشفيف والمفاجأة يا سادة أن دكتور “طمارة” وبمجرد أن وضع جهاز (الإيكو) على قلب أستاذ “صلاح”، ويبدو أنه لاحظ القلق على وجهي، فوجه حديثه لي قائلاً: (يا مدام دي حاجه بسيطة أوي مجرد ارتجاع في الصمام تناول الأقراص في عشرة أيام سيعيده إلى وضعه الطبيعي، وفي ستة شهور ممكن أستاذ صلاح يتجوز تاني)، لأضحك من جواي بعد أيام عشتها كدراً وضيقاً.. تخيلوا الرجل قال حديثه ثم أردفه بأن كل الأدوية التي نستعملها هي (رقم تلاتة في قائمة العلاج) وأنه (مالهاش لازمة) وكتب روشتة جديدة وقال إن “صلاح” سيشعر بالتحسن من أول يوم لتناولها، وسبب صدمتي أن طبيب المستشفى الكبير الفخيم الذي قصدناه في السودان كان أول سؤال وجهه لأستاذ “صلاح” بعد فحصه وفي حضوري وحضور أولاده: (عندكم موت مفاجئ في العائلة؟)، لدرجة أن ابنتي كاد أن يغمى عليها، ثم اتهمه بجلطه في الرئة اتضح أنه اتهام ظالم، ثم اتهمه بشريان مقفول وأجرى له قسطرة، وكما الاتهام الأول اتضح أنه فشنك، ثم إقامة في المستشفى تكاد أن تكون إجبارية والطبيب يقول لي وأولادي: (أبوكم ما كويس ما تطلعو من المستشفى).. تخيلوا هذا طبيب وذاك طبيب.. خلّونا من شطارته أو إجادته لمهنته لكن “الملافظ سعد”.. معقولة يكون ده أسلوب يقتل به أهل المريض قبل أن يصيب المريض نفسه في مقتل.. معقولة طبيب لا يتعدى وجودنا في عيادته نصف ساعة وآخر خمسة أيام بلا نتيجة ولا تحسن.
الدايرة أقوله إن ما حدث لنا ليست المرة الأولى ولا أظنها الأخيرة، ومن قبلها والدتي كادت أن تفقد ركبتها ليكتشف طبيب في القصر العيني أنها محتاجة لحبوب تقوية أعصاب ثمنها (28) جنيهاً وبعد ده نتحدث عن إيماننا بالوطن!! هو الوطن ده بس تراب وشجر وانهار؟! الوطن يا سادة اكتفاء وإيمان بالمقدرات والكفاءات والأشخاص وإلا تبقى مجرد فصاحة ساي طالما أنه ونحن في القرن الواحد وعشرين لازلنا لا نشم العافية إلا شمالاً وفرقنا الرياضية لا تعسكر إلا شمالاً.
خلّونا ننعتق من استعمار الفشل والجهل والإحباط والتخبط والعشوائية، وبعدها الفسالة هينة وخراب الوش أسهل.
{ كلمة عزيزة
كل من قابلتهم من السودانيين في القاهرة اتفقوا على أن السفير “عبد المحمود” ظل دائماً قريباً من قضايا الجالية السودانية، وأنه ظل لصيقاً بهم وبابه دائماً مفتوح كقلبه تماماً.. فشكراً الأخ السفير وأنت قريب من أهلك ومتفاعل معهم، خاصة وأن هذه الفترة واحدة من أحرج وأصعب فترات العلاقات السودانية المصرية.
{ كلمه أعز
سأعود بالتأكيد للحديث عن مأساتنا في الطب وبعض الأطباء.