مسالة مستعجلة
عندما تصبح “المحاية والبخرات” معروضات جريمة!!
نجل الدين ادم
كما توقعت، فقد شطبت محكمة النظام العام بأم درمان الاتهام الموجه لشيخ “الريح” تلميذ الشيخ “دفع الله الصائم ديمة” لعدم وجود بيّنة تؤكد أن الموقوف ومن معه كانوا يمارسون الدجل والشعوذة، بعد أن ضبطت بحوزتهم “محاية وبخرات وطلاسم”!
الكل كان ينظر لنهاية هذه الواقعة بعد أن أحالت النيابة هذا الشيخ إلى المحاكمة تحت طائلة استخدام “المحاية والبخرات”.
تعجبت عندما أحالت شرطة النظام العام هذه الواقعة إلى المحكمة بزعم أن ما قام به الشيخ هو دجل وشعوذة، وعجبت أكثر أن النيابة لم تأخذ في قرارها تحويل البلاغ للقاضي، لم تأخذ القضية من منظور الاعتقاد السائد في بلدنا لمئات السنين، فمن منا لم يشرب (المحاية) ويكتب له شيخ الخلوة بخرة.. هذا اعتقاد الإسلام الوسطي المتمثل في أهل الصوفية، وهو متجذر في كل منزل وأسرة لدرجة الوله بالشيوخ، (يا شيخ الحسن أبو جلابية، وحياة المهدي وخليفته، يا الشيخ برير، يا المكاشفي) وغيرها من الاعتقادات في الشيوخ، هل يصنف كل أهل السودان جميعاً بأنهم دجالون ومشعوذون لأنهم ينادون بأسماء هؤلاء الشيوخ؟ وهل من السهولة أن نطلق على عقيدتهم أنها عقيدة فاسدة؟!
فلنقل إن هذه الممارسات فيها شيء يسير من فساد العقيدة والجهل، هل يكون علاج ذلك استخدام سلطة القانون، والأحكام القضائية؟!
أسئلة كثيرة نطرحها ونحن بين يدي هذه الحادثة، فهي حادثة وليست جريمة كما صنفتها النيابة، أنا لست خبيراً في القانون ولا شيخاً متفقهاً حتى أنافح العلماء، ولكن أليس من الغريب أن نضع ذلك الشيخ المهندم والمرفه الذي يعالج بالسفلي واستخدام الجن وبرسوم فلكية وعملات أجنبية كما يحدث عند البعض، وادعاء الغيب و… و.. في مقام واحد مع ذلك الشيخ البسيط الذي يجلس على “عنقريب هباب” ويكتب للبسطاء “البخرة والمحاية”، ويرفع لهم الفاتحة مقابل رسم اسمه بياض، ويأكل من “التكية” وليس من “أمواج”؟؟
معتقدات الإسلام الوسطي في السودان لن تمحوها القوانين، وإن كان فيها شيء من الخطأ غير المقصود، بل تمحوها الموعظة بالتي هي أحسن وتصحيح المفاهيم المغلوطة.. وبالفعل هذا ما يحدث اليوم، حيث إن البعض من الأبناء والأجيال اللاحقة باتوا على وعي ولا يتجاوبون مع بعض الطقوس، ما يعني أن الناس تمضي في محو ما هو خطأ والاحتفاظ بما هو غير مضر.
كان على مسؤولي النظام، وقد أشدنا بهم في مواقع كثيرة عبر هذه الزاوية، كان عليهم أن يفرقوا ما بين الدجل والعلاج بـ”المحاية والبخرات”، لأن مواد القانون ليست بصالحة في كل حالة، فقد تطغى عليها المعتقدات والموروثات.. أما الخطأ الأكبر فقد كان في تقييم البلاغ الذي وضع “البخرات والمحاية” كمعروضات دجل وشعوذة!