عابر سبيل
دارفور السبعينيات: هل من عودة؟
ابراهيم دقش
وديان دارفور، وما أكثر خيرها واخضرارها، غاباتها وحدائقها جبالها ورمالها.. إنها إيقاع متميز.. ما أشسع سهولها وأوسع دروبها.. عرفت ذلك وتعلمته عبر أسابيع ثلاثة هناك عشتها مع أهلها وعايشتهم في دار سلا ودار قلا، وقارسيلا في وداي ساق النعام ووداي مجامج.. في أرارا وفي الملاحة واللعيت حيث قبائل الميدوب.. في كل طرف من تلك الربوع العظيمة.. وقفزت لذهني عبارة أطلقها خواجة كتب عن دارفور ووصفها بأنها كفيلة بالصمود في وجه أي جوع يتهدد العالم! فالكثير هناك عرفت.. وما كان أجهلني فقد كنت تحت سيادة الاعتقاد بأن دارفور كلها عبارة عن بساط من الرمال.. في “سوني” كدت أظن أني في “ديربي شير” ببريطانيا.. وفي نيرتتي نسيت أين أكون.. مشكلتنا مواصلات وطرق، وأحلم بل أراها في ضمير المستقبل الطرق تتلوى في أحشاء تلك السهول والوهاد والجبال.. عند “كرينك” و”أم تجوك”..
ولعل العطش هو الشبح المخيف الذي ظل يتهدد دارفور وأهل دارفور..ولكني رأيت كيف ضاق عليه الخناق… فكل دارفور منذ أن عرفت “الدوانكي” كان فيها مائة وسبعة عشر “دونكياً”… الآن فيها سبعمائة وخمسون، ولاحظت مكرراً أن الذين عندهم بئر جوفية… فقط ما تحملت عند الحفائر أن يكون الورود ديمقراطياً أكثر مما ينبغي، إذ يتساوى فيه الإنسان والحيوان…
هناك لفتت مني النظر أشياء صغيرة… عقيد الخيل، هو قائد الفرسان، لو رأيتم كيف كانت “تزغرد” له النساء في “قارسيلا” لتمنيتم أن تكونوا عقداء خيل… وفي “امستري” وبيضا العمدة يطلقون عليه الفُرشة (بضم الفاء)… ولا أدري لماذا… ومن المناظر التي لا أنساها في “كنقو حرازة” مكتب ملاحظ الصحة، فهو أكثر مكتب واقعي أراه لأنه عبارة عن ظل شجرة عرديب وريفة وعند جذع الشجرة موضوعة اللافتة والتربيزة والكرسي!
الكلام أعلاه كتبته في 1970 عندما كانت دارفور واعدة وقبل أن يضربها التغيير المناخي في الألفية الثالثة وبعض أبنائها أيضاً..
أتمنى أن تعود دارفور آمنة ومطمئن أهلها!