بعد ومسافة
مصطفى أبوالعزائم
السودان والموساد.. فتح الملفات القديمة
لا نجد تفسيراً موضوعياً للدوافع الحقيقية التي جعلت إسرائيل، وممثلها الرسمي في ميادين الفتن وإشعال الحرائق على مستوى الإقليم والعالم، جهاز “الموساد” ، والذي يقوم بكل تلك الأدوار القذرة لأجل حماية الدولة الصهيونية وتقويتها عن طريق إضعاف الآخرين والسيطرة عليهم .. حقيقة لا تجد تفسيراً موضوعياً للطرق مجدداً على قضية قديمة مثل قضية ترحيل اليهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل عن طريق السودان، إلا لسببين، الأول هو أن إسرائيل تعد لعملية أخرى جديدة في المنطقة، وأنها تريد تذكير أصحاب الذاكرة الخربة بأنها قادرة ومتمكنة من اختراق كل الحصون والدفاعات الأمنية والاستخباراتية في كل دول العالم لتحقيق أهدافها، وأنها بصدد إثارة فتنة جديدة في المنطقة بين السودان وجارته الشرقية إثيوبيا بتحريض من تبقى من الأقلية اليهودية في إثيوبيا (الفلاشا) للمطالبة باللحاق بمن سبقوهم إلى إسرائيل عن طريق السودان، فيما يمكن أن نطلق عليه (ثورة الفلاشا) القادمة لإنهاك إثيوبيا بعدد من الانتفاضات القومية ضد الدولة، وإضعاف موقف الحزب الحاكم وإثارة بقية القوميات للإطاحة بالنظام القائم هناك.
وثورة الفلاشا – المحتملة- ستطالب بأن يكون السودان معبراً للمهاجرين مثلما كان معبراً لمن سبقوهم خلال فترة الحكم المايوي، وهو ما يضعف موقف السودان ووضعه الصاعد بين منظومة أشقائه في الدول العربية، بعد التقارب الكبير الذي تم بين الخرطوم وعدد من العواصم العربية خاصة في دول الخليج العربي.
السبب الثاني في تقديرنا لفتح هذا الملف القديم هو محاولة جديدة للتقارب بين “تل أبيب” و”الخرطوم” المتعنتة والرافضة لأي تقارب أو اعتراف بالدولة اليهودية، قبل أن تطبق مقترح الحل العربي المجمع عليه بقيام الدولة الفلسطينية والاعتراف بها .. وفي فتح الملف القديم إشارات مهمة إلى أن اختراق الأنظمة العربية والأفريقية أمر سهل مع الإيحاء بأن إسرائيل موجودة داخل السودان من خلال عملاء موثوق بهم نفذوا أخطر وأكبر العمليات في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، وهو ما عرف بعملية “موسى” والتي وثق لها ضابط المخابرات الإسرائيلية في أحد أخطر الكتب حمل اسم (عن طريق الخداع.. الموساد من الداخل) وهو الضابط “فيكتور أوستروفسكي”. وقد صدر الكتاب في بداية العقد الأخير من القرن الماضي، نقل فيه تفاصيل عملية “موسى” مع ذكر الأماكن والوسائل والالتزام بتنفيذ الخطط، مع التحفظ على أسماء المعاونين والمشاركين في تلك العملية من السودانيين، سواء كانوا عاملين في القطاع الخاص أو موظفين حكوميين. حقيقة لا نتوقع خيراً من إسرائيل رغم دعوات البعض في السر والعلن للتطبيع معها، بل ومحاولة تضمين ذلك في مخرجات الحوار الوطني خلال فترة انعقاد مؤتمر الحوار الذي استمر لثلاث سنوات وهو ما يؤشر إلى أن إسرائيل لن تتركنا في حالنا، وأنها سوف تسعى قدر المستطاع إلى استغلال موقع السودان في وسط القارة الأفريقية، كما أنها ستعمل على استغلال موارده الهائلة، وثرواته الطبيعية غير المحدودة بأي شكل من الأشكال، حتى ولو أدى ذلك إلى تقسيم السودان وإثارة النعرات، واستغلال أصحاب الطموح السياسي من أجل تحقيق الهدف الأسمى لدولة إسرائيل التي يريدون لها أن تمتد من النيل.. إلى الفرات.
ونقول لراسمي الخطط، ولمنفذيها معاً: خسئتم .. لعنة الله عليكم.