العميد "يوسف عبد الفتاح" (رامبو) يطلق النيران في كل الاتجاهات (1-2)
لو كان الراحل “الزبير محمد صالح” موجوداً لما كنت الآن خارج الحكومة
هناك أعضاء في مجلس قيادة ثورة الإنقاذ سمعوا بها بعد نحاجها
حوار- محمد إبراهيم الحاج
بُعد العميد “يوسف عبد الفتاح” (رامبو) أحد أبرز وأنشط قادة الإنقاذ في أيامها الأولى، عن الحياة العسكرية لم يسلبه صفاته التي اشتهر بها، فقد بدأ يتحدث بصوته القوي الجهور والكلمات تتقاذف من لسانه كأنها طلقات ذخيرة حية تدرب عليها سنوات طوال.. (رامبو) الذي شغل الناس كثيراً بحدته وشدته وشهرته التي طبقت آفاق العاصمة بدأ يغادر المشهد الإنقاذي رويداً رويداً، ما جعل كثيرين يتساءلون عن أسباب تخلي الحكومة عن رجل بكل هذه الطاقة والمقدرة على العمل.
بدا العميد “يوسف عبد الفتاح” ناقماً على كثير من الممارسات التي يتابع تفاصيلها الآن، إلى الحد الذي سخر فيه صراحة من مقولة (هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه) وقال إنها تحولت كلياً لتصبح بكلياتها للسلطة.
(المجهر) جلست إليه وحاولت استنطاقه حول كل الملفات، فلم يبخل علينا بقدر غير متناهٍ من الصراحة والجرأة، فاتحاً نيرانه في كل الاتجاهات، ومقدماً النصح لإخوانه.. الحديث عن ما قال الرجل قد يفسد بعض التفاصيل..
{ ما هو دورك في ثورة أبريل؟
_ الكلام ده يشهد عليه التاريخ.. الظروف التي كانت تمر بها البلاد كانت ظروفاً صعبة للغاية والدعم قل للقوات المسلحة وكانت فيه أزمات متعددة منها أزمات الخبز والكهرباء والمياه وصفوف البنزين ومشاكل الغاز، ولم يكن هناك أمل والناس ما كانت حاسة إنه في تغيير، وقامت نقابة الأطباء ببعض المطالب الإصلاحية، وفي النهاية قرر الشعب ضرورة تغيير نظام مايو، وخرجوا في مشاهدات شهد لها كل العالم وعصيان مدني وإضرابات سياسية وتوقف دولاب الحياة تماماً، ووقتها كان الرئيس “نميري” خارج البلاد وصدر أمر باعتقال الأطباء والزج بهم بالسجون، وكان على رأسهم د. “الجزولي دفع الله”، وكنا في القوات المسلحة نراقب الموقف، وفكرنا إذا رجع “نميري” أول حاجة ح يقتل هؤلاء المعتقلين لأن “نميري” كان رجل صعب لأن عنده تاريخ في الجزيرة أبا وفي ثورة الشيوعيين وخفنا أن تحدث إراقة دماء وقلنا لابد أن نستبق الموقف.
{ وماذا فعلتم؟
_ كان في اجتماع مشهود في وادي سيدنا الحربية، وكانت تضم الكلية الحربية ومعهد المشاة ومعهد المدرعات وقاعدة وادي سيدنا الجوية والمطبعة العسكرية والمظلات، وكان قائدها الأخ اللواء الركن “عثمان الأمين” وعقد اجتماعاً وبدأ تنويراً، قال يا أخوانا أنا الآن آتٍ من الأخ اللواء الركن “عمر محمد الطيب” وهو نائب رئيس الجمهورية ورئيس جهاز الأمن ونورنا بأن تنتظر الناس عودة “النميري” من أمريكا لأن “النميري” تم انتخابه من الشعب وهو رئيس دستورياً وأي ضابط يخالف هذه التعليمات يتم اعتقاله والتعامل معه بصورة جادة وأنا بكلمكم بضرورة أن تلتزم الناس حتى عودة “نميري” ومافي أي كلام إلا باستمرار هذه السلطة حتى أن القائد لم يدع فرصة لأي سؤال كما هو معمول به، ولكن قبل أن ينفض الاجتماع رفعت يدي وقال لي: في شنو يا “يوسف”.. قلت له: أنت عارفني أنا ضابط معاك في الكلية الحربية وتعلم انضباطي لكن اليوم أنا لا أوافق على كلامك ونحن لسنا مع “نميري” وإنما مع إرادة الشعب وإذا الشعب خرج فلن نحمي أنظمة الشعب لا يريدها، قال لي يا ضابط إنت عارف الكلام البتقول فيه ده معناهو شنو.. قلت ليه نعم.. وبجوارك مسجل ومستعد أسجل أي كلمة قلتها.
{ ألم يساندك أحد من الضباط وقتها؟
_ في هذه اللحظة خرج وجدد وضوءه وقال للناس: رأيكم شنو في كلام الرائد “يوسف”؟ وأول المتحدثين كان سعادة اللواء الركن “صلاح حسين” قائد معهد المشاة وقال ليه كلام الرجل ده عين العقل وإذا الشعب لا يريد هذا الرجل فلن نحميه، وقال اللواء الركن عثمان: هل فيه رأي تاني؟
ووقتها تحدث العميد ركن طيار “ركابي،” قال نحن ممكن نتعامل مع طيارة الرئيس وكطيار وقائد لقاعدة وادي سيدنا الجوية ثم تحدث كل الاجتماع بعد ذلك عن أن مايو انتهت، وأن الجيش مع إرادة الشعب وقد كثرت الأزمات ويجب أن يتدخل الجيش، ثم قال: (نحن بعد ده نبقى قدر التحدي وقدر الموضوع ده) وأنا قلت له: يا سعادة القائد كل الضباط جاهزين زينا، واقترحت عليه أن نعمل عملاً مشتركاً واتصل بالمايكروفون باللواء الركن “إبراهيم الجعلي” قائد المظلات وقائد منطقة الخرطوم وقال ليه (المنقة كيف).. الضباط هائجين والضباط في الزلط والجعلي وافق، ثم اتصل بعده باللواء “عبد العزيز” قائد منطقة أم درمان وأجرى عدداً من الاتصالات، وكانت أكبر مشكلة هي الاتصال بسلاح المدرعات لأننا كنا نريد أن نضمن سلاح المدرعات كقوة ضاربة، وكان في اجتماع مع الفريق أول “تاج الدين فضل” نائب القائد العام مع ضباط المدرعات وكان معهم الأخ “حمادة عبد العظيم حمادة” قائد سلاح المدرعات واتصل به في مكتبه وقال ليه: أخدنا موافقة المظلات وجاهزين، و”حمادة” قال: نحن معاكم، ووافقت كل القيادات، واقترح تكوين قوة مضادة واقترح قوات المدرعات في فتاشة وقال يا أخوانا منو اللي بجهزها، وأبلغته بجاهزيتي لتجهيز تلك القوات، وقال لي: يا “يوسف” خلاص تمشي تبلغ قائد المدرعات في فتاشة وتقول ليه تكون القوات جاهزة حسب المهام.
{ متى كان هذا الحديث؟
_ كان قبل الانتفاضة بيوم ليلاً.. وكان “نميري” راجع تاني يوم واستبقنا الأمر قبل عودة “نميري” لأنه لو عاد كان الأمر سيختلف تماماً وكانت ستسيل دماء.. كان عندي (150) جنيهاً، ركبت السيارة ومعي السائق فقط وطلعت إلى منطقة فتاشة ووجدت مقدماً يدعى “عزت” وه متزوج ابنة خالتي وأصيب بالهلع عندما رآني وأعتقد أن شيئاً ما حدث في الأسرة، لكنني قلت له إنني أريد خيمة القائد وأشر لي على الخيمة والتقيت بالعميد ركن “أحمد زين العابدين” وقلت له إنني الرائد “يوسف عبد الفتاح” وقادم إليك من منطقة وادي سيدنا العسكرية ومكلف بتجهيز المدرعات، وقال لي: (ده كلام شنو) وقلت له إن كل القيادات وافقت على ضرورة ذهاب نظام “نميري” وتتسلم القوات المسلحة السلطة وقال لي: هل اللواء “حمادة” يعرف هذا الكلام؟ أجبته: نعم. وابلغني بحاجته إلى (إبر ضرب نار) و(ذخيرة) وذهبت إلى مدرعات الشجرة وجهزت الذخيرة وإبر ضرب النار وعلمت وقتها أن القادة قابلوا الفريق “سوار الدهب”، وكان رافضاً في البداية لأنه رجل ورع وقال إنا أديت القسم لـ”نميري” في حماية البلاد ويعدّ الأمر خيانة، ولكن عندما شرح له الموقف قال أنا قلت في القسم على أن أعمل لرفاهية الشعب السوداني، لكن الشعب السوداني الآن ليس لديه رفاهية ويعاني من صفوف البنزين وصفوف الخبز، ووافق بعد ذلك على الانتفاضة، وتم إعلان انحياز الجيش للشعب وهناك بيان من رئيس المجلس الانتقالي وهو “سوار الدهب”، والموضوع نجح وبعد يوم واحد الأخ “سوار الدهب” قال أول لقاء أجريته معكم، لأن الشرارة انطلقت من هنا.
{ هل كنت منضماً للجبهة الإسلامية وقتها؟
_ نعم، كنت لكن تحركي كان شخصياً.. لأنه لم يأتنا أي توجيه لوجود تحرك، ووقتها تم اعتقال قادة التنظيم ومنهم شيخ “حسن الترابي”.
{ هل تقلدت أي منصب بعد الانتفاضة؟
_ لا.. لأن الجيش مثل بأقدميته، ودي كانت حاجة كويسة.. وقيادات المنطقة هم الذين تسلموا الانتفاضة.
{ لكن في الإنقاذ لم تكن ضابطاً عادياً.. ورغم دورك الكبير فيها لم تكن من أعضاء مجلس قيادة الثورة؟
_ هناك أعضاء في مجلس قيادة الثورة لم يشاركوا في ثورة الإنقاذ، وحتى الأعضاء الذين تم اختيارهم لقيادة الثورة فيهم أشخاص لم يسمعوا بالثورة أصلاً.. سمعوا بها بعدما نجحت.. والتركيز لم يكن على الذين نفذوا الثورة فعلياً.. مثلاً “يونس محمود” و”الطيب سيخة” و”عبد الرحيم” كانوا أساسيين في ثورة الإنقاذ، لكنهم لم يكونوا أعضاء بمجلس ثورة الإنقاذ.
{ لماذا؟
_ أتينا بأعضاء مجلس الثورة ليمثلوا القوات المسلحة في كل أسلحتها.. طيران.. بحرية.. مشاة وأعضاء الثورة ليس معنى ذلك أنهم نفذوا لأن هناك البعض لم ينفذوا أساساً.
{ يعني كنت من الذين نفذوا ثورة الإنقاذ ولم تكن عضواً في مجلس قيادة الثورة؟
_ كان مفروض أكون والي الخرطوم.. وتم اختياري لأكون والياً للخرطوم ومفروض يجي “يونس محمود” نائباً لي.. لكن “الزبير محمد صالح” رفض الأمر وقال الناس جايين من ديمقراطية وتأتوا بـ”يوسف” و”محمود” ديل ناس صعبين.. ما بينفع.. بدل مولانا “محمد عثمان محمد سعيد” يكون عضو مجلس ثورة يأتي ليكون والياً للخرطوم ويكون “يوسف عبد الفتاح” نائباً له… و”يونس” يمشي للإذاعة وذهبت لـ”يونس” في الإذاعة وأخبرته بذلك وقلت له يجب أن نتعاون مع بعض.
{ علاقتك كانت طيبة مع الراحل “الزبير محمد صالح”؟
_ نعم.. لو كان “الزبير” موجوداً لم أكن الآن خارج الحكومة.. لأن الشعب السوداني كله يعرف أدائي في تثبيت ثورة الإنقاذ الوطني، وكل المواقف التي قمت بها ربنا يعلمها و”الزبير” كان أكثر الناس تشجيعاً لي.
{ هل أنت راضٍ عن مسيرة الإنقاذ وما حققته خلال أزيد من ربع قرن؟
– أنا راضٍ عن أشياء تحققت، رغم أن هناك أشياء أخرى لم تتحقق.. وسعيد بما تحقق في ثورة التعليم والثورة في البنية التحتية، و(زعلان) أنه حتى الآن المواطن يعاني في (قفة الملاح)، فالمواطن تعبان شديد و(ما لاقي يأكل).