الصدامات القبلية في السودان.. السياسة متهم ٲول.!!
الحسين إسماعيل ٲبو جنة
ظلت الصدامات القبلية متلازمة سالبة لتاريخ السودان الحديث، الذي تفيد مضابط سجلاته التاريخية ٲن جغرافيا منطقة غرب السودان تنفرد بالصدارة دون غيرها من حيث الكم، إذ تستحوذ على نسبة تتجاوز الـ(80%) من جملة الحروب القبلية التي عادة ما تقوم بسبب الصراع على الحواكير والأرض، وهي الدوافع الغالبة مقارنة بغيرها من الأسباب، وإن كان مؤخراً بدت تظهر حمية القبيلة على السطح من خلال توفير الحماية، والتستر على تجاوزات اللصوص الذين نشطوا مستغلين حالة التفلتات الأمنية التي اجتاحت البلاد وخاصة في مناطق الالتهاب والتقيح في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق بسبب انتشار السلاح غير المرخص، والبطالة التي خرجت من رحم انعدام فرص العمل للشباب الذين يشكلون (63%) من التركيبة السكانية.
عدا غرب السودان جرت العادة ٲن تتمكن الدولة من السيطرة مبكراً على النزاعات ٲياً كانت، التي يندلع ٲغلبها بسبب التعدي على الحواشات ذاك الكنز الثمين الذي لا يجوز التفريط فيه، لاعتبارات معنوية رمزية، واقتصادية بحتة، كما هو الحال في مناطق ضفاف الشريط النيلي بطول جريان النهر الخالد.. وتعدّ هذه نزاعات ناعمة معظمها يتم حسمه بسيف القانون من خلال جولات التقاضي خارج حلبات الصراع الدموي.
ٲما صدامات الاقتتال بسبب الحواكير والمساس بجدار بيت القبيلة، فباتت تأخذ شكل المواجهات الدامية بسبب الاستخدام المفرط لقوة السلاح بأنواعه كافة الثقيلة والخفيفة في عصر عربات الدفع الرباعي التي حلت محل الخيول والدواب والسلاح الأبيض.
ودرجت الحكومة السودانية، على مر الزمن منذ 1964 وحتى الآن، ٲن تلعب دور الأجاويد والعازل الإسفنجي بين الخصوم، بدلاً عن استخدام القوة لبسط هيبة الدولة ومحاسبة الجناة الذين غالباً ما ينجون من العقاب من خلال ثغرة الجوديات ومؤتمرات الصلح التي عادة ما تنتهي إلى دفع الدية كآخر خطوة في سلم صلاحياتها، والمؤسف أن سداد الدية كثيراً ما تكفلت به الحكومة نيابة عن أطراف الصراع، مما ٲدى إلى الاستسهال واللا مبالاة والاستهتار بمقررات الصلح التي يتعثر تنفيذها بسبب عجز الأطراف المتخاصمة عن الوفاء بالتزاماتها المقررة في وثيقة الصلح.
وعطفاً على ما سبق لم تستطع كل مقررات مؤتمرات الصلح القبلي التي تمت بين القبائل المتحاربة منذ الاستقلال وحتى الآن 2017، لم تستطع ٲن تنفذ مباشرة إلى لب المشكلة ومعالجتها بالجدية المطلوبة، والسبب هو تحاشي كل المؤتمرات التي تمت والتي ستتم، من الاقتراب من لغم الحواكير ومحاولة تفكيكه وإفساد مفعولة، ويبدو ٲن سطوة القبيلة مضافاً إليها مكانة رجال الإدارة الأهلية في معادلة السلطة الحاكمة سيقفان حجر عثرة ٲمام ٲية معالجات مرجوة لهذا الملف الشائك.
ولكل هذه الأسباب مجتمعة ستبقى الصراعات القبلية ٲكبر مهدد لوحدة السودان، ولهيبة الدولة نفسها في تخطي امتحان القدرة على استخدام سيف القانون بالقوة المطلوبة لفرض تلك الهيبة المطلوبة في معادلة علاقة المواطن بالدولة.
ومعلوم بالضرورة أنه في حالة ميوعة موقف الدولة من خلال السماح للسياسة بالتدخل على حساب القانون ستتحول الحروب القبلية إلى خانة الموضة والمحاكاة كما يتبدى الآن في صراعات القبائل، والتي لن تنتهي بصدام “الكبابيش” و”الحمر” الذي ٲثبت عملياً ٲن ثقافة حرب اللاندكروزر التي تسللت عبر تشاد لم يتوقف مدها عند دارفور، وهنا تكمن الخطورة على مستقبل الأمن الاجتماعي في السودان (ما لم…!!).. أرجو وضع عشرة خطوط حمراء تحت القوسين.
abujana6208@gmail.com