القيادية بالمؤتمر الشعبي دكتورة "ثريا يوسف" في حوار مع (المجهر السياسي)
المؤتمر الشعبي اختارني للأمانة العامة والله العظيم ونلت (67) صوتاً!
لم أصوّت لنفسي وأعطيت صوتي لـ”علي الحاج”!
تنازلنا لدكتور “علي الحاج” لأنه أكثر كفاءة منا!
في (الشعبي) ما عندنا مشكلة مع المرأة وسبق أن تقدمت أنا على شيخ “حسن” ونلت أصواتاً أعلى منه!
لو لم يكن دكتور “علي الحاج” مرشحاً لتمكنت من المنافسة نوعاً ما!
كانت لافتة للانتباه، نتيجة الانتخاب التي اختتم بها المؤتمر الشعبي مؤتمره العام، والذي جرى فيه السباق بين ثلاثة مرشحين حاز أولهم وهو دكتور “علي الحاج” (890) صوتاً، فيما حاز أدناهم وهي الدكتورة “ثريا يوسف” صوتاً واحداً من جملة ألف صوت هي مجموع أصوات المؤتمرين.
الصوت الواحد الذي حازته دكتورة “ثريا” ألقى بأحجار من التساؤلات على البركة الساكنة.. وضع المرأة ودورها وكسبها داخل الحركة الإسلامية أو داخل المؤتمر الشعبي، وبدا للكثيرين وكأن الحزب الذي يتبنى زعيمه الدكتور “الترابي” دعوة تحطيم القيود المحيطة بالمرأة وحريتها، تعاني بداخله من التكبيل والتقييد وانعدام ثقة الحزب فيها.
حول وضع المرأة وكسبها داخل حزب المؤتمر الشعبي، وقصة الصوت الواحد الذي نالته الدكتورة “ثريا”.. دار هذا الحوار.. فإلى مضابطه..
{ في سطور.. من هي الدكتورة “ثريا يوسف”؟
_ أنا لي اسمان.. اسمي الرسمي في الشهادات هو “أم كلثوم يوسف إسماعيل”.. ولكن اسم الشهرة كما يقول الخواجات هو “ثريا يوسف إسماعيل”.. درست بجامعة أم درمان الإسلامية، ثم ابتعثت إلى جامعة “أدنبرة” للحصول على درجة الدكتوراه، وزوجي كان قد ابتعث أيضاً إلى جامعة في “ليدز”، فطلبت من المشرف أن يحولني إلى جامعة أقرب لمنطقة “ليدز” فتم تحويلي إلى جامعة “مانشستر”، ودرست بها وحصلت على الدكتوراه ثم عدت إلى أرض الوطن.. عملت في التدريس بجامعة أم درمان الإسلامية لثلاث سنوات ثم عملت بجامعة الملك سعود بالمملكة السعودية ما يقارب الـ(12) عاماً، ثم رجعنا لنساهم في دفع فاتورة الوطن.. اشتغلت في العمل العام في الاتحاد العالمي ثم في المجلس العلمي، مركز أبحاث الإيمان. ثم رجعت للمجال الأكاديمي والتدريس مرة أخرى وعملت بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا وإلى الآن، ورغم أني نزلت للمعاش لكن ما زلت أدرس بها.
{ تجربتك في العمل السياسي وكيف ولجت أبوابه؟
– والله، منذ أيام ثورة أكتوبر نحن بدأنا نشارك في المجال السياسي ونشارك في مناقشات عامة وكانت تلك هي بداية دخول المعترك السياسي.. وكانت هناك مناقشات ومجادلات.. ومن مناقشات تلك الفترة أذكر أن زميلتنا وابنة دفعتنا “آسيا العجب” وهي الأخت الصغرى لـ”آمال العجب” كانت تتناقش معنا وتقول لنا إنتو عايزين تجيبوا لينا عمر بن الخطاب؟ فنقول لها ليت لكم بعمر بن الخطاب.. فتوجهنا منذ تلك الفترة سار على أنه التوجه الإسلامي وسرنا على أساس أن نعيد مرة أخرى عزة الأمة بالدين وبالأخلاق. وفي تلك الفترة كان هناك تفلت فكري، وفكرة الإلحاد بدأت تنتشر وسط الشباب.. نحن انتظمنا انتظاماً عفوياً في العمل على حراسة الدين الإسلامي لأنه دين صحيح وسليم.
{ أين كنت في أيام المفاصلة.. هل كنت موجودة بالبلاد؟
_ نعم، كنت موجودة.. كنت بالسعودية، ورجعت وحضرت بداية المفاصلة.
{ وانحزت لشيخ “حسن”؟
– نحن نفتكر أنه قد حدث انحراف عن الفكرة بصراحة.. وهذا الانحراف آذانا أذى شديداً وتألمنا جداً لما حدث. فالفكرة كانت هي أننا لدينا مبدأ وعندنا فكرة وجئنا ليس لتحقيق منفعة مادية ولكن لخدمة المبدأ.. لذلك انحزنا للجانب الآخر، جانب شيخ “حسن”.
{ أنتم تقولون إن المفاصلة حدثت بسبب انحراف الفكرة لكن من ينظر للتطورات التي حدثت مؤخراً والتقارب الحادث الآن يشكك في هذا القول.. فهل زال انحراف الفكرة الآن أم …؟
– نعم، الشخص يشكك إذا كانت نظرته سطحية لكن إذا تعمق في النظرة فسيجد أن السياسة والعمل الفكري متحركان والمجتمعات أيضاً متحركة وليست ساكنة.. والأحداث نفسها متحركة.. يعني كل الذي حدث منذ المفاصلة وحتى الآن وانفصال الجنوب وغيره جعل السودان يقف في مهب الريح وزادت الأزمات. أضف إلى ذلك أن الإنسان خلال تجاربه يزداد وعياً ويحاول أن يتغافل عن الأشياء الصغيرة التي تفرق الناس، فنحن حدث لنا تطور فكري بصراحة.. بمعنى أن الاختلافات التي كانت بيننا وبين الناس الذين كنا مختلفين معهم أيديولوجياً وجدنا أنها ليست بالاختلافات الكبيرة التي تبعدنا عن بعضنا. فهناك الكثير من المفاهيم الإنسانية تجمعنا مع الكثيرين. هذا بالإضافة إلى أن التطورات الخارجية زادت الوعي، ما يحدث في اليمن وما يحدث في العراق وسوريا ووجدنا أن السودان قد يتفكك، خاصة أن هناك بالسودان مناطق بها مشاكل والمسألة العنصرية بدأت تزيد.. أعتقد أنه قد حدثت مراجعات على أساس أن الأطماع الخارجية في السودان تساعد في التفكيك فمن الأفضل ومن الحكمة أن يجتمع الناس على ما يجمعهم ولو كان الحد الأدنى، فبالإمكان إدارة الخلافات بشكل أفضل بدون احتراب.
{ دكتورة.. من الملاحظ أن دور المرأة وكسبها داخل المؤتمر الشعبي وداخل الحركة الإسلامية عموماً ضعيف وباهت.. ترى ما السبب في ذلك؟
– والله لو تحدثنا بنوع من الدقة والصراحة، العمل السياسي في المجتمع السوداني عموماً بارد (لا تقولي لي رجال لا تقولي لي نساء).. يعني لا توجد محركات سياسية قوية الآن، كل ما هناك (رد فعل)، يحدث شيء فتحدث ردود أفعال والناس يتكلمون.. سواء أكان نتيجة للرهبة أو الخوف والتردد أحياناً لكبت الحريات.
{ أو القيود التي يفرضها الموروث؟
– الموروث أحياناً له أثر في مسألة المرأة، لكن أفتكر أن مجهود شيخ “حسن” دفع الناس دفعة كبيرة جداً (المرأة بين الدين وتقاليد المجتمع) هذا الكتاب ومنذ الستينيات أعطى انطلاقة جيدة جداً.
{ أعطى انطلاقة لكن على المستوى النظري فقط على ما يبدو؟
– نظرياً وعملياً.. المرأة خرجت.. هل تعلمين أن المرأة السودانية أكثر تمثيلاً في البرلمان من كثير من النساء حتى في بعض البرلمانات الأوروبية؟ لكن بالنسبة للفاعلية نعم.. يفترض أن تكون الفاعلية أكبر.. لكن الفاعلية السياسية عامة في المجتمع باردة، وهذا ينعكس على المرأة.. وبالتالي حينما يكون هناك برود في الجو السياسي عامة المرأة تنشغل بشغلها داخل بيتها، لكن المشكلة مشكلة الرجل.. فالرجل ولأن عمله أصلاً خارج البيت يفترض أن تكون فاعليته أقوى.
{ دكتورة.. رغم جهود شيخ “حسن” في كسر القيود المحيطة بالمرأة لكن في داخل حزبه ما زالت القيود تكبلها وما زالت داخل حزب المؤتمر الشعبي تحتل آخر القائمة؟
– قالت بسرعة: (لا والله، كيف الكلام دا الكلام.. دا ما صحيح طبعا!).. عموماً كم هي نسبة النساء المنشغلات بالعمل السياسي إلى الرجال؟؟ نسبة الرجال كبيرة أليس كذلك؟ فبالتالي نسبة ظهور وبروز النساء ستكون أقل، هذا طبيعي.. نسبة الرجال داخل الأحزاب السياسية أكبر وبالتالي بروزهم ودورهم سيكون مناسباً لهذه النسبة. فهذا طبيعي.. أيضاً المرأة هناك حدود تحدها، أنا كمثال هناك ظروف اجتماعية تواجهني، لا يوجد هناك من يسد الثغرة فيها سواي. يعني الرجل حينما يخرج للعمل السياسي أو العمل الاقتصادي أو غيره يستمر، لكن المرأة هناك حدود أخرى تحدها المناسبات الاجتماعية في داخل البيت في داخل الأسرة.. بالرغم من أن الأولاد والحمد لله تزوجوا لكن تأتي التزامات إضافية، يعني أنا في يوم المؤتمر كانت عندي مناسبة تخص ابنة شقيقي وكان لابد أن أكون موجودة فاضطررت أن أتغيب عن المؤتمر لأكون موجودة.. أفتكر أن الجانب الأسري والجانب الاجتماعي هو الذي يحد من حركة المرأة، فهي وكما تعلمين (بتشتغل دبل).. تقوم بدورين دور داخل البيت ودور خارجه.
{ إذن المجتمع هو الذي يقيد حركة المرأة بفرضه التزامات عليها أكثر من الالتزامات التي يفرضها على الرجل؟
– بصراحة.. دعينا نكون متوازنين.. لا يمكن أن نساوي تماماً ما بين الرجل والمرأة في الوظائف.. لابد أن يكون هناك اختلاف بين وظيفة المرأة و وظيفة الرجل.
{ اختلاف من أية ناحية؟
– من ناحية أن للمرأة وظيفة داخل البيت لابد أن تقوم بها.. هذه حقيقة يجب على الناس مراعاتها وإلا فسيحدث نوع من عدم التوازن في المجتمع وتضيع الأسرة. نحن نريد أن نحافظ على هذا التوازن. أنا دائماً أنادي بأن لا تفرط المرأة في مسألة البيت هذه أبداً، لأنها إذا فرطت فستفرط بأجيال قادمة. والغربيون أنفسهم ينادون بهذا الكلام. بالمناسبة.. الاشتطاط في أن المرأة تخرج بأي ثمن هذا أعتقد له مردود سلبي جداً على المجتمعات.. نحن ننادي بالتوازن.
مكانة المرأة في الإسلام متقدمة جداً، وشيخ “حسن” أراد أن يعيد دور المرأة الذي كان في الرعيل الأول. يعني المجتمع ليس رجلاً.. المرأة شاركت في بناء الحياة في الناحية السياسية والاجتماعية من ناحية الإدارة.. لكن نحن نقول إن هناك نساء تكون أمامهن الفرص أكثر من غيرهن.. هذه هي الفكرة، فنحن عندما ننادي بالتوازن.. نقول ذلك.
{ لكن رغم جهود شيخ “حسن” تلك المؤتمر الشعبي امتنع عن اختيار امرأة للأمانة العامة؟
– اختارني أنا، والله العظيم المؤتمر الشعبي رشحني في مجلس الشورى ونلت (67) صوتاً.. وأخونا “إبراهيم عبد الحفيظ” نال بضعة وثمانين صوتاً و”علي الحاج” نال مائة وبضعة أصوات.. فماذا يعني هذا؟؟
{ يعني أن المؤتمر الشعبي رشحك وامتنع عن اختيارك للأمانة العامة؟
– أنا تنازلت.. تنازلت بمعنى أنه… (قالت بسرعة): المسألة كالآتي عشان نكون واضحين: إذا المرأة عندها كفاءة عالية وظروفها تسمح لها، فـ”بلقيس” وردت كنموذج في القرآن.. لكن إذا كانت المرأة ظروفها وأولوياتها تختلف فهذا شيء آخر.. إذا كان هناك من هو أكفأ منها في الرجال فليتقدم.. نحن من باب أن دكتور “علي الحاج” أكثر كفاءة منا، حتى “إبراهيم عبد الحفيظ” كرجل قال أنا أقدمه عليّ.
{ لكن يا دكتورة أنت تنازلت أم قاموا بإعطائك صوتاً واحداً؟؟
– بعدما تنازلت أعطوني صوتاً واحداً لأنه في المؤتمر العام من المفترض أن يصوت كل شخص مرة واحدة فإذا نلت أنا أصوات وأنا تنازلت وأخونا “عبد الحفيظ” تنازل فإذا أخذنا أصواتاً ستنسحب على أصوات دكتور “علي الحاج” ونحن أساساً قدمناه.
{ طيب لماذا جرى التصويت طالما أنك تنازلت؟
– جرى التصويت لأن هناك لائحة مجازة من مجلس الشورى وأجازها المؤتمر العام، تقول إنه لا يحق لأي مرشح تم ترشيحه في مجلس الشورى أن يتنازل.. فعلى هذا الأساس لا يحق لهؤلاء المرشحين أن يتنازلوا وعليهم أن يستمروا ( إن شاء الله ياخدوا صوت واحد أو نصف صوت أو ما ياخدوا أي صوت، ما مهم)، المهم أن ندع اللائحة تمضي وتمر لأن إيقاف اللائحة وعدم الالتزام بها يعني تكسير اللائحة.. نحن قصدنا أن نترك اللائحة فاعلة بالرغم من أننا وجدنا من هو أكفأ منا، نفعل اللائحة، وفي نفس الوقت نأتي بمن هو أكفأ منا حتى لا تضيع الأصوات، فيكون هناك نوع من الإجماع ونوع من الراحة النفسية للناس.
{ دكتورة “ثريا” لمن أعطت صوتها؟ لنفسها أم لـ”علي الحاج”؟
– لـ”علي الحاج”.. أنا لم أصوّت لنفسي.
{ معنى هذا أن هذا الصوت الذي حصلت عليه هو ليس صوتك؟
– هذا ليس صوتي طبعاً.. (ضاحكة).. (دا ما صوتي.. صوت واحد كدا اتبرع قال معليش نديها صوت واحد).
{ هل تعرفين من ه ؟
– (ضاحكة).. (لا، ما عارفاهو والله).
{ من الذي رشحك للأمانة العامة داخل الحزب؟
_ تم ترشيحي في مجلس الشورى.. رشحوني ولم أرشح نفسي.. وأنا كنت غير موجودة كان لديّ التزام مهم في الأسرة كما قلت لك مناسبة تخص ابنة شقيقي، فلم أكن موجودة في الاجتماع وبالرغم من غيابي تم ترشيحي ونلت (67) صوتا (كويسة برضو.. مجلس الشورى هو الناس العقلاء بصراحة.. والمؤتمر العام ما بنقول فيهو طبعاً هو السلطة الأكبر والأقوى ويجمع كل الأطياف).
{ لو لم يكن “علي الحاج” مرشحاً؟
– كان احتمال أنافس نوعاً ما.
{ وكان من الممكن أن تفوزي في تقديرك؟
– والله شوفي أقول لك: كانت هناك تجربة سابقة.. أنا كنت رئيس الجلسة في المكتب القيادي قبل هذا المكتب الأخير.. (عشان أوريك إنو مسألة المرأة نحن ما عندنا فيها مشكلة)- أنا نلت أصواتاً وكان معنا شيخ “حسن” وأنا كنت أعلى منه بصوت أو صوتين.. فالناس في المؤتمر الشعبي ينظرون للأفكار إذا كانت لديك أفكار ناضجة نظرة كاملة ونوع من العدالة في توزيع الفرص- هذه تم قياسها في إدارة جلسة- وكنت حكيماً في إدارة الجلسة وتقديراتك سليمة- لذلك السياسي الناجح هو الذي يتحسس احتياجات الجمهور وينزل هذه الاحتياجات، فالناس لا يعبدون الأفراد وإذا المرأة كانت صادقة وظروفها مناسبة فمن الممكن أن تتقدم في مجالات كثيرة.