بعد ومسافة
عودة إلى العفو عن محكومي الحركات
مصطفى أبو العزائم
رغم أن (مارس) هو إله الحرب في روما القديمة، وقد كان هو الشهر الأول في التقويم الروماني، إذ لم تكن شهور الشتاء مضمنة في ذلك التقويم وهي “يناير” و”فبراير” لكن عام (45) قبل الميلاد اعتمد يوليوس قيصر” تقويمه (اليوليوسي) واعتمد فيه الأول من يناير بداية للعام.. نقول إنه رغم أن شهر مارس ارتبط بالحروب لأن الجيوش تتحرك خلال الربيع ولا تخوض معاركها في الشتاء، خاصة ذلك الشتاء الأوروبي القارس؟؟ إلا أنه في كثير من بلاد الدنيا، ارتبط بالربيع، مثلما ارتبط في بلادنا وبلاد أخرى بالسلام أو المناسبات السعيدة، في السودان ارتبط بتوقيع أول اتفاقية سلام بين الشمال والجنوب إبان حكم الرئيس الراحل “نميري” وغنى الفنان الكبير الأستاذ “صلاح مصطفى” أغنيته المعروفة (ثلاثة مارس عيد.. يوم وحدة السودان) ونحتفل مع العالم بيوم المرأة العالمي، وبعيد الأم، وبأعياد النيروز، وغيرها، وقد جاء مارس هذا العام بلون جديد وشكل آخر، وطعم ليس فيه مرارات الحرب، ولا ملوحة الدموع، ولم يحمل معه رائحة الدم ولا شبح الموت، وذلك عندما أصدر السيد المشير “عمر حسن أحمد البشير” في الثامن من مارس الحالي قراراً جمهورياً، أسقط بموجبه عقوبة الإعدام عن النزلاء المحكوم عليهم بالإعدام، والمتهمين بالمشاركة في القتال بعدد من المعارك ضد الدولة، وضد المواطنين الآمنين، وقد كان عددهم (259) محكوماً ومتهماً، وذلك وفقاً لأحكام المادتين (208/1) و(211) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م.
قرار السيد الرئيس نص على إسقاط عقوبة الإعدام عن النزلاء المحكومين بالإعدام في أحداث أم درمان، وعددهم (44) ومعركة دونكي البعاشيم وعددهم (18) ومعركة كُلْبُس وعددهم (4) بالإضافة إلى العفو العام عن المتهمين بالمشاركة في معركة (فنقا) وعددهم (12) متهماً، كما شمل العفو المتهمين في أحداث قوز دنقو وعددهم (181).
الحركة الشعبية (قطاع الشمال) اعتبرت ما حدث هو رد على قرارها الخاص بإطلاق سراح الأسرى الـ(125) في حين أن الأمر يختلف كثيراً بين الحدثين، ولا نريد أن نقلل من إطلاق سراح الأسرى لدى الحركة الشعبية شمال، ونقول بأنها عجزت عن الاحتفاظ بهم نتيجة الهزائم المتكررة، والمجاعات المهلكة التي اضطرت عدداً من ضباطها إلى السطو ونهب المواشي من أطراف المدن، وقتل الرعاة لتوفير الغذاء للجيش الشعبي الذي يشهد كل يوم فرار العشرات، إما بالعودة إلى قراهم ومناطقهم – خاصة في جبال النوبة – أو بتسليم أنفسهم وأسلحتهم للجيش والقوات الحكومية.. لكننا نريد أن نقول للحركة التي تعاني الآن أنها أحسنت التصرف بإطلاق سراح هؤلاء الأسرى، وإن كانت الأسباب والدوافع لا تخفى على أحد من المراقبين لشأن الأزمات والتوترات في السودان، في ظل مجاعات مهلكة وحروب أهلية ساحقة تضرب دولة جنوب السودان الداعم الأول والرئيس للحركة الشعبية شمال التي أضحت مسخاً مشوهاً لا يعبر عن دولة الجنوب، ولا ينتمي لشعاراتها التي رفعتها لمناصرة قضايا المنطقتين، ويكفي تدليلاً على ذلك ما تشهده الحركة الشعبية من انشقاقات كان آخرها خروج “عبد العزيز الحلو” عن غرفة قيادتها وخروج كامل لمجلس تحرير جبال النوبة ومجنديه من الجيش الشعبي.
لا نريد الوقوف كثيراً عن تلك (المحطة) قبل الأخيرة للحركة الشعبية، لكننا نريد أن نقف عند قرارات العفو الرئاسي عن المحكومين التي جاءت ملبية لتطلعات أهالي المحكومين، ومحققة لآمالهم في أن يروا أبناءهم طلقاء يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ويتمتعون بقيمة الحرية،ونود أن نشير إلى أن هذا العفو لم يكن الأول، فقد سبقه عفو عام عن أفراد الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية سلام دارفور بـ(أبوجا) وتلاه عفو عام آخر عام 2009م، عن الأطفال والصبية الذين شاركوا في أحداث أم درمان وكان عددهم (7) أطفال، هذا غير عفو عام عن الأطفال الذين شاركوا في معارك قوز دنقو وكان عددهم (21).
إذاً هناك فرق بين الحدثين، بين إطلاق سراح الأسرى لدى الحركة الشعبية وبين العفو عن المحكومين، فرق كبير يؤكد على أن العفو الرئاسي وما سبقه من قبل إنما يعمل دائماً على تعزيز روح السلام ويهيء المناخ العام لتحقيق سلام دائم في البلاد، وأنه كان تمهيداً حقيقياً لمرحلة سياسية جديدة تعيشها بلادنا بعد مؤتمر الحوار الوطني، وصدور الوثيقة الوطنية.
نتمنى أن تكون الحركة الشعبية على قدر المسؤولية، وإلا فإن معركتها القادمة هي الأخيرة.. وستكون خاسرة.