شهادتي لله

امتحانات الشهادة.. نصائح للدولة وأولياء الأمور

{ يجلس نحو (500) ألف طالب وطالبة من ولايات السودان كافة لامتحانات الشهادة الثانوية هذه الأيام، كما يجلس لها ممتحنون من مراكز خارج البلاد. ويشقى أولياء أمور هؤلاء الطلاب وعائلاتهم وهم بالملايين في هذه الفترة شقاء كثيراً، جهداً ومتابعة لأبنائهم وبناتهم، سعياً لإحراز نتائج متقدمة ودخول الجامعات، خاصة كليات الطب، الصيدلة، الهندسة وطب الأسنان (الموضة الأخيرة).
{ غير أنه أعجبتني وأدهشتني قبل سنوات قلائل، أولى الشهادة السودانية التي قالت للصحف إنها تفضل الدراسة بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، ورغبتها- خلافاً لكل الأوائل وآبائهم وأمهاتهم- ليست دراسة الطب أو الهندسة!!
{ خرقت هذه (الأولى) المميزة كل العادات والتقاليد والأعراف الراسخة عند أوائل السودان وقالت إنها تريد أن تدرس ما تحبه هي، لا ما يحبه أبوها وأمها أو ما يحبه لها المجتمع (دكتورة.. وباشمهندسة)، ولا شك أن أهلها يستحقون التحية والإجلال قبلها، لأنهم لم يغصبوها على دراسة تخصص لا تجد نفسها وقدراتها ومزاجها فيه.
{ ولأننا تعودنا أن نجبر أولادنا على دراسة الطب والهندسة (عشان المستقبل والقروش وكلام الناس)، يتخرج عندنا في الجامعات كل عام المئات من الدكاترة والدكتورات المقهورين- نفسياً- منذ سنة أولى جامعة على ممارسة الطب، وهم لا يطيقونه، وكذا عشرات المهندسين والمهندسات، والنتيجة أن البلد تخسر الكفاءة والإبداع والقدرة على تقديم الأفضل.
{ لا تلهثوا كثيراً وراء أبنائكم وبناتكم حتى تشعرونهم أنهم مقبلون على (معركة حياة أو موت)، وليس امتحانات عادية ينجح فيها من ينجح، ويرسب فيها من يرسب أو لا يحقق ما يرجوه ويتمناه.
{ والملاحظ أنه مع العشرات من كليات الطب في السودان التي تخرج كل سنة آلاف الأطباء، فإن بلادنا ليست متقدمة في مجال الخدمات الصحية، بل متأخرة، ويتعالج مئات الآلاف من السودانيين سنوياً في مصر، الأردن، الهند، بريطانيا وألمانيا.
{ ما الذي جعل الأردن وهي دولة ليست ثرية ولا بترولية، وليس فيها (ربع) عدد كليات الطب في السودان، ما الذي جعلها دولة سياحة علاجية وقبلة للمرضى من بلادنا ومن غيرها، ولم يجعل “الخرطوم” وجهة مرضى الدول المجاورة؟!
{ ببساطة.. لأننا دولة بلا استراتيجيات.. دولة (بوبارة) مثل مواطنيها، تركز على (الكم) لا على (الكيف).. دولة تنشئ العشرات من كليات الطب الحكومية والخاصة، لترسل آلاف الأطباء للعمل في “السعودية”، بينما النساء في مستشفى الولادة بأم درمان لا يجدن اختصاصيي نساء وتوليد كفاية لتغطية النقص، فيجري العمليات نواب اختصاصيين وأطباء عموميون!!
{ هناك نقص في الاختصاصيين في أي مستشفى في أية مدينة بالسودان بما في ذلك “الخرطوم”، ودولتنا تخرج الأطباء ليهاجروا إلى الخليج.. هذه هي إستراتيجيتها العبقرية!!
{ أولى الشهادة السودانية التي درست آداب- إنجليزي، ربما تلتحق بوزارة الخارجية وتصبح بعد سنوات (سفيرة) للسودان في الولايات المتحدة أو في بريطانيا أو الصين، وتكون أفيد لوطنها، من أية طبيبة أو مهندسة معمارية أو كهربائية.
{ يفترض أن تكون للدولة إستراتيجية حول التخصصات التي تحتاجها في البناء والتنمية والتعمير، ولا يترك الأمر مزاجاً أو رؤية علمية أو ربحية خاصة بالجامعات والكليات الخاصة التجارية التي قد تستهدف المال قبل توفير حاجة الدولة ومتطلبات سوق العمل.
{ وقبل هذا وذاك.. يا سيداتي الأمهات.. ويا سادتي الآباء.. ابحثوا عن قدرات ومواهب أولادكم وبناتكم مبكراً.. وساعدوهم على دراسة كليات تناسب ملكاتهم وإبداعاتهم ولا تفرضوا عليهم أمنياتكم الخاصة، والمال ليس بالضرورة أن يأتي عبر عيادات طب الأسنان في السعودية، فيمكن أن يثرى أحدهم عبر بوابة اللغة الإنجليزية، أو إجادة اللغة الروسية.. الأرزاق بيد الله!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية