الراهن السياسي وآفاق المستقبل في ضوء مخرجات الحوار الوطني عنوان لندوة ساخنة بالجزيرة !!
ممثل (الشعبي) يجدد التمسك بالحريات و(الوطني) يرفض تعديلات جهاز الأمن
التكينة ـ مهند بكري
آراء وإفادات متباينة أدلى بها عدد من المتحدثين في ندوة (الراهن السياسي وآفاق المستقبل في ضوء مخرجات الحوار الوطني)، نظمها اتحاد شباب التكينة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، انفضت في وقت متأخر مساء (الجمعة) بمنطقة التكينة جنوبي الخرطوم.
تناولت الندوة ملامح من الاختلافات حول بعض مواد الدستور، بجانب ترتيبات ما بعد إجازة توصيات الحوار، وجمعت ممثلين عن أحزاب المؤتمر الوطني والشعبي والاتحادي (الأصل).
عضو المكتب القيادي بالشعبي “أبو بكر عبد الرازق” قال في مداخلته إن حزبه لن يشارك في حكومة الوفاق الوطني القادمة، إلا في حال تمرير ملحق التعديلات الدستورية والتي كتبها د.”حسن الترابي” قبيل رحيله والمودعة منضدة البرلمان. وتابع: (ما لم تجز الحريات، فإن مخرجات الحوار ورقة ما عندها قيمة)، مضيفاً (هذا شرط مشاركتنا، لو شاركنا وما أجيزت الحريات سننسحب). وفي الصدد استشهد بمقولة للراحل د. “حسن الترابي” إلى خليفته “السنوسي”. وجاء فيها (لو بتتنازل عن القرآن اتنازل عن الحرية، والحرية قرآن، ولا تنازل عنها).
ونبه إلى أنهم قد اجتمعوا بحزب المؤتمر الوطني لقيامه بإدخال وإجازة تعديلات لم تعرض على الأحزاب المشاركة. واستطرد بالقول: إن الخلافات كانت في لجنتي الحكم والحريات وأرجع الأسباب إلى أن القابض بالسلطة لا يمكن أن يقبل بتقديم تنازلاًت للآخرين. وطالب “عبد الرازق” بصيغة نظام فيدرالي يختار فيها الشعب ممثله في الحكم، وأن مبتغى حزبه هو حكم البلاد عن طريق “التكنوقراط” ليتمكن رئيسها من أن يكون على مسافة حياد من كافة القوى السياسية. وأضاف بأنهم حتى الآن قناعتهم بالمشاركة لا تزال في حيزها الذي انطلقت منه، وأن الاجتماع الذي جمعهم برئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” مؤخراً، أكد لهم حرص الرئاسة بتمرير ملحق تعديلاتهم. ونبه “أبو بكر” إلى أن المجلس الوطني، ملزم قانونياً وأخلاقياً ودستورياً بالبصم على الملحق الذي تم إيداعه بواسطة رئيس الجمهورية وخاتمه.
وشدد “عبد الرازق” على تمسك حزبه بتعديل مهام جهاز الأمن والمخابرات الوطني وصلاحياته الحالية، وأن تقتصر على جمع وتحليل المعلومات وتقديمها للجهات المختصة، كما ورد في الوثيقة الوطنية، كاشفاً عن بعض التعديلات من قبل ممثلي الوطني على بعض البنود الخاصة بقانون الأمن. وقال إن لجنة المؤتمر الوطني رفضت مقترح الشعبي بمحاسبة الجهاز من قبل البرلمان، فتم تعديل البند بخضوعه للمحاسبة من قبل لجنة برلمانية مغلقة لجهة حفظ أسرار الدولة. وقال إن “محمد بشارة دوسة” وزير العدل السابق أجرى تعديلاً في كلمة (يمنع) الواردة في فقرة يمنع على جهاز الأمن العمل في مجالات التجارة والاستثمار وغيره بكلمة (يحظر) ويجب عليهم الالتزام بذلك.
واعتبر “أبو بكر” أن وجود لجنة تنسيق عليا بين الأجهزة المختصة (الرئاسة، الجيش، الأمن، الشرطة، الاستخبارات، المباحث) كافٍ للتعامل مع المهددات الأمنية المختلفة، معرباً عن اعتراضهم التام على اعتقال السياسيين، وقال إن على الأمن تقديم المخالفين إلى النيابة. وتابع بأن الجهاز في الفترة (فبراير 2014 – أكتوبر 2016)، لم يقم باعتقال سياسي، وإنما قدم بعض السياسيين إلى المحاكمة كرئيس حزب الأمة القومي، الإمام “الصادق المهدي”، والقيادي بالمجلس المركزي لحزب المؤتمر السوداني “إبراهيم الشيخ”.
وشدد “أبو بكر” على أن دخول حزبه في عملية الحوار الوطني التي دعا إليها الرئيس “البشير”، كان لأجل إرساء قيمة الحرية وبناء “السودان الجديد”. وقال: (دخلنا الحوار لاستشراف معنى من معاني التوحيد، لأجل وحدة الوجود الاجتماعي وتماسكه، ومنع البلاد من التمزق، ولبناء السودان الجديد)، وأن تكون التجربة الجديدة عبر إجماع شامل لا يستثني أحداً ولا جهة ولا قضية.
وسخر “عبد الرازق” من الهجمة التي تعرض لها حزبه خلال المرحلة السابقة فيما يلي مقترح (زواج التراضي)، موضحاً أن النص الجديد لم يتحدث عن ولاية وإنما أتى تأكيداً للأعراف المتبعة. ووصف الإصرار على تزويج النساء دون موافقة أوليائهن، بالزور والبهتان. وقال بأن التعديلات الدستورية قامت فقط بضبط المادة (15) في الدستور الانتقالي لسنة 2005م دينياً، وقال: لم نتحدث عن ولاية وإنما تعزيز الرضا باعتباره مطلوباً بين الرجل والمرأة وإمكانية حضورهما القران كأصيلين فيه، في وجود كل الأسرة. وأوضح “أبو بكر” أن “الشعبي” سمح لأمينه العام، الراحل، د. “حسن الترابي”، بمقابلة اللجنة العليا لوضع الدستور والمكونة من المشير “سوار الذهب” و”عثمان عبد الله” و”الجزولي دفع الله”، وقال إنه بعد التفاكر اقترح “الترابي” إنجاز إجماع وطني يكون مقدمة سوية وراشدة ويجعل من الوثيقة المقبلة امتداداً لذات الناس ووجدانهم، مشيراً إلى أن الحوار مستمد من الأمر التأسيسي في القرآن الكريم، والمستوحى من حوار الله تعالى مع الملائكة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} .
من جانبه أبدى ممثل حزب المؤتمر الوطني بالندوة، القيادي بأمانة الشباب الاتحادية د.”الهادي محمد المهدي أبو زايدة”، أبدى اعتراض حزبه على مقترح تقليص صلاحيات جهاز الأمن والمخابرات، وقال إنه لابد أن تكون للجهاز أنياب ومخالب في مجابهة التحديات داخلياً وخارجياً. واعتبر أن ما تم خلال المرحلة السابقة من اختراق في العلاقات الخارجية ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، لعب جهاز الأمن فيها دوراً فعالاً أثمر بإنجاح العملية وإحداث اختراق في العلاقات الدولية، وأنه عليه مواصلة الجهود لضمان استقرار المنطقة ومجابهة خطر الإرهاب والاتجار بالبشر والمخدرات، لاعتبار أن السودان من الدول الهامة في استتباب الأمن بالقارة.
ودافع “الهادي” عن أيلولة منصب رئاسة الوزراء لحزبه لاعتباره حزب الأغلبية في انتخابات (2015)، كما امتدح الأحزاب التي شاركت في عملية الحوار وتغليبها لما وصفه بالمصلحة الوطنية على المصالح الضيقة، وأن حزبه قابل ذلك بالتنازل عن (50%) من حصته في الحكومة المقبلة.
ووجه “الهادي” اتهاماً لجهات لم يسمها بالسعي إلى تحقيق مكاسب وأجندة داخلية لها وأن الحال وصل بهم إلى تقديم بلدانهم قرباناً لدول معادية. واستطرد بالقول (البعض يريد للسودان أن يكون رجل أفريقيا المريض، ولكن نحن لن ننكسر) وأن بعض الدول تعمل على وضع ضغوط تحاول من خلالها تفكيك البلاد والاستفادة من الموارد الطبيعية واستغلال الصحراء الجنوبية والمعبر البحري للسودان. وأضاف أن حكومته حريصة على مصالحها الإستراتيجية وأمن المنطقة وأن ذلك دفعهم إلى المشاركة في عاصفة الحزم، وبين أن العلاقة التي تجمع المملكة العربية السعودية بالسودان إستراتيجية وراسخة، بيد أنه أوضح أن الفترة التي مرت إبان حرب الخليج واجتياح العراق وأن تلك المسببات زالت مؤخراً بعد إقرار المجتمع الدولي بالخطأ في مواقفه، وأفضى ذلك إلى وضوح صواب موقف السودان.
وأوضح سعادة حزبه بمخرجات الحوار الوطني وما وصفه بالخروج بسلاسة من الصراعات الدولية في لعبة الأمم، والذود عن حمى الوطن ومراعاة المصالح الوطنية للشعوب. وأعتقد أن القوى السياسية الأخرى تشاركهم ذات الهم، بيد أنه قال إن هناك قوى كانت شاذة ونتمنى أن نصل معها إلى اتفاقيات وأنتم تدرون الآن ما يدور بأديس أبابا، وتوقع وصول المبعوث الأفريقي المشترك “ثابو أمبيكي” للبلاد للبدء في الحوار، ولكن هناك بعض القوى لها أجندتها الخاصة والآن تدفع فاتورة ما قامت به في العقود الماضية ويصعب عليها التحرر من تحالفاتها القديمة، واعتبر أنها لا تملك قواعد كافية للمشاركة في العملية الديمقراطية عبر الانتخابات المقبلة. وعن استحداث منصب رئيس الوزراء قال “الهادي” إنه وفق العرف المتبع دولياً يكون المنصب من نصيب حزب الأغلبية، وأنه لا جدل في أن يظفر حزبه بالمنصب، قاطعاً الطريق على من وصفهم بالأصوات النشاز لشرعية حكومته والاعتراف الدولي بها نتاجاً عن الانتخابات السابقة، وإرسال مناديب دوليين لمراقبتها. وتابع: أي حديث عن عدم شرعيتها مثل “كلام الطير في الباقير”.
واعتبر المرحلة القادمة بأنها مواتية للصلح والوفاق الوطني، مشيراً إلى التنازلات التي قدمها حزبه للأحزاب المشاركة بتقليص حصته إلى (50%) في الحكومة المقبلة والتي ستعلن مقبل الأيام.
من جهته قلل عضو المكتب السياسي بالحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) “عمر خلف الله يوسف”، من أثر الإرهاب الموجود بالصحراء الغربية وشرق أفريقيا، بيد أنه عاد وقال إن انهيار النظام في الخرطوم في ظل التحديات الداخلية والخارجية سيؤدي إلى انهيار الدولة والوقوع في براثن الإرهاب، وتفشي الحركات المتعصبة، وقال إنه يجب التفريق بين (الوطن) والوطني.
وشدد “عمر” على حرص حزبه في المساهمة لتحقيق وحدة واستقرار البلاد، وأن ذلك هو أهم الأسباب التي قادتهم إلى الدخول في عملية الحوار الوطني. وذّكر “عمر” أن حزبه أطلق مبادرة “الوفاق الوطني” عبر رئيس الحزب الاتحادي مولانا “محمد عثمان الميرغني” في 2006م، ثم جرى تجديدها في العام 2013م، معتبراً أن ذلك كان الشرارة الأولى لعملية الحوار من قبلهم وقال: (حيانا “البشير” على هذه المبادرة والدخول في مشروع الحوار الوطني، وعلينا أن نوصله إلى غاياته).