حوارات

الدكتور "عبدالعزيز نور عشر" أحد مؤسسي حركة العدل والمساواة في حوار لأول مرة عقب خروجه من السجن

– لدينا (96) من المفقودين في أحداث أم درمان و(68) من أسرى قوز دنقو لم يطلق سراحهم
– لسنا الجناح العسكري للمؤتمر الشعبي ومن يروجون يعلمون ذلك
– شكراً للبروف “الساعوري” على رغم انتمائه للمؤتمر الوطني فقد ساعدني على إكمال الدكتوراة
حوار – وليد النور – طلال إسماعيل
الدكتور “عبدالعزيز نور عشر” أحد أبرز المؤسسين لحركة العدل والمساواة، ظل منذ الإفراج عنه في حركة دائبة بجلبابه الأبيض، وهو يستقبل ضيوفه من القيادات السياسية الذين توافدوا إلى منزل شقيقه الدكتور “خليل إبراهيم” في منطقة عد حسين بجنوب الخرطوم، فمن كل حدب وصوب تداعت قيادات الإدارات الأهلية والأحزاب لتقدم التهنئة لـ”عشر” ورفاقه بعد الإفراج عنهم بقرار رئيس الجمهورية “عمر البشير” الذي قضى بإسقاط عقوبة الإعدام عنهم، الدكتور “عبدالعزيز عشر” لا يكاد يفتر من استقبال المهنئين وتحيتهم أو الإجابة على الهاتف، كان يبدو بلياقة سياسية عالية تمكنه من الرد على الأسئلة، عندما توجهنا لإجراء أول حوار معه بعد خروجه من السجن، بعد أن ظللنا في انتظاره لأكثر من (3) ساعات، استقبلتنا أسرة “خليل إبراهيم” بحفاوة بالغة بعد أن نصبت صيوانها للضيوف أمام البيت المشهور، ومن ثم كان لنا معه الحوار التالي:-

} حمد الله على السلامة دكتور “عبدالعزيز نور عشر”، كيف وجدت الخرطوم من حيث المباني والطرق بعد كل هذه السنوات في السجن؟
– لم أرَ كل الخرطوم بعد، ولكن واضحاً أن هنالك بعض التغيير العمراني خاصة في المناطق التي مررنا بها حتى الآن من سجن كوبر إلى منطقة عد حسين في جنوب  الخرطوم.
} خطوة إطلاق سراح المحكومين من حركة العدل والمساواة وأنت على رأسهم، كانت مفاجأة، خصوصاً وأن القرار صادر من رئيس الجمهورية “عمر البشير”، هل هنالك تفكير جدي في عملية السلام؟
– أنا لا أدري الدوافع الحقيقية، لكن قطعاً إطلاق سراح هذا العدد من الأسرى، هو خطوة في الاتجاه الصحيح، ربما تساعد هذه الخطوة  في تحقيق خطوات أخرى باتجاه حل القضية بإذن الله تعالى.
} من تبقى من الذين لم يطلق سراحهم بعد في السجون؟
– هنالك إخوة ما زالوا في سجن كوبر، “إبراهيم الماظ، السر جبريل تية ومحجوب الجزولي عزالعرب وآخرون)، والأخ “التوم توتو” في سجن بورتسودان، وعددهم حوالي (14) شخصاً، هنالك إخوة آخرون تم عزلهم من مجموعتهم من أسرى قوز دنقو، وعلمنا أن هنالك حوالي (54) ضابطاً في سجن سواكن لم يشملهم القرار، ونأمل أن يتم إطلاق سراح هؤلاء جميعاً.
} هل هنالك أي محاولات من الأحزاب السياسية أو الإدارات الأهلية أو آلية تنفيذ مخرجات الحوار الوطني لإطلاق سراح هؤلاء البقية؟
– هنالك عدد من الذين يعملون في الساحة السياسية من الذين جاءوا وباركوا للأسرى بعد إطلاق سراحهم، وأكدوا لنا أنهم سيسعون لإطلاق سراح هؤلاء جميعاً، فنأمل أن يتم إطلاق سراحهم.
} هنالك حديث عن عدم إطلاق سراح “إبراهيم الماظ” مرده إلى  اعتباره مواطناً لدولة جنوب السودان، وسيتم تسليمه لها؟
– نحن نطالب بدءاً بإطلاق سراحه ثم بعد ذلك يتم تسليمه للجنوب أو يطلق هنا، هذا أمر آخر، ولكن المطلوب أن يتم إطلاق سراحه فوراً مع إخوته الآخرين، ونحن لا نمانع أن يتم ترحيله إلى دولة جنوب السودان، مع أن الإخوة الجنوبيين هنا في السودان، ولكن نطالب بإطلاق سراحه.
} معنى ذلك أن القرار الرئاسي لم يشمله؟
–  القرار لم يشمله هو ومجموعته مع ضباط قوز دنقو، الذين تحدثت عنهم ومجموعة أخرى تتكون من سبعة أشخاص أيضاً كانوا في سجن شالا في الفاشر، والآن في سجن الهدى بأم درمان، لم يشملهم القرار أيضاً، كل هذه المجموعات لم يشملها القرار.
} هل تحتفظ حركة العدل والمساواة بأي من أسرى القوات الحكومية؟
–     حسب علمي، لا، وحسب علمي الحركة أطلقت سراح جميع الأسرى الذين يتبعون للقوات المسلحة والأجهزة الحكومية الأخرى.
} هل تبقى من معتقلي أحداث أم درمان بقية لم يذكروا ضمن القرار؟
–  هنالك مفقودون حوالي (96) من المفقودين في أحداث أم درمان، نحن نسميهم مفقودين، ولكن السلطات تعلم أين هم؟ ولم تجب ولم تتحدث عنهم، أيضاً ننتهز هذه الفرصة وندعو إلى إطلاق سراحهم، وأن تسعى السلطات لتوضيح الحقيقة حول هذا الأمر.
} بخلاف الأرقام التي ذكرتها؟
– نعم، بخلاف الأرقام التي ذكرتها، هؤلاء مفقودون منذ أحداث أم درمان، فقد أسروا وكانوا في جهاز الأمن وتم فصلهم وأغلبهم من المتخصصين في المدفعية والأسلحة الثقيلة، تم فصلهم عن البقية، وتم ترحيلهم إلى مكان ما، ولم تتحدث عنهم السلطات حتى الآن.
} هل تملكون كشوفات بأسمائهم؟
– نعم، نملك كشوفات بأسمائهم.
} كم عدد الذين تم أسرهم من حركة العدل والمساواة في معركة أم درمان؟
– حوالي مائتين من الأسرى في أحداث معركة أم درمان.
} نعود بك إلى موضوع نيلك لدرجة الدكتوراة من داخل السجن، البعض يراها تحدياً من قبلك، كيف كان هذا المشروع ومتى بدأت؟
–  مشروع الدكتوراة أصلاً هو قديم بدأته منذ كنت في الخرطوم عام 2000، وكان من المقرر أن أنهي رسالة الدكتوراة وأناقشها في عام 2003، ولكن الظروف السياسية كانت غير مواتية بالنسبة لي، ولذلك جمدت المشروع وخرجت للثورة، وعندما كنت في الخارج كنت اتصل سنوياً لتجميد القيد الدراسي، وحينما عدت جددت الرغبة في إكمال البحث ووافقت إدارة الجامعة، والبروفيسور المشرف على الرسالة.
} من هو البروفيسور المشرف على رسالة الدكتوراة؟
– بروفيسور “حسن الساعوري”.
} كيف تعامل معك على الرغم من أنه ينتمي للمؤتمر الوطني؟
– هو ينتمي للمؤتمر الوطني، ولكن الرجل عالم تعامل من المنطلق الأكاديمي، وكان حريصاً على  تشجيعي لإكمال البحث، وأنا من هنا  أحييه وأدعو كل العلماء والأكاديميين أن يبعدوا الانتماء السياسي عن المعرفة والعلم، هذا الأمر بروفيسور “الساعوري” قدم فيه تجربة جيدة وكسباً من خلال مساعدته لي على  إكمال البحث.
} حول ماذا كان البحث؟
– البحث كان عن تخصصي في العلاقات الدولية، وكتبت عن العلاقات السودانية الصينية وكانت دراسة حالة أو بحثاً متخصصاً عن الصين، في تقديري أترك الفائدة للقراء والباحثين، ولكن كانت هنالك حاجة لبحث عن حقيقة العلاقات السودانية الصينية نظراً لتأثير جمهورية الصين الشعبية على السودان بشكل خاص وعلى العالم بشكل أجمع، والحمد لله تمكنت من تأليف كتاب، ولعلكم أول من يكشف عن هذا السر، والكتاب بعنوان (هل الصين تستعمر العالم؟)، وسأنشره إن شاء الله، متى تمكنت من ذلك.
} هل اكتمل هذا الكتاب؟
– اكتمل، نعم.
}من هو الوسيط الذي كان ينقل الأوراق بينك والبروفيسور “الساعوري”؟ 
-البروفيسور “الساعوري” شخصياً كان يزورني وجاءني أكثر من ثلاث مرات في السجن، وكنا نتناقش حول البحث وتفاصيله، وكان هنالك أخ ينقل الملاحظات مني إلى “الساعوري”.
}وهل سمح لك بإدخال الكتب والأوراق؟
-نعم سمح لي بذلك.
}هل كنت معتقل (سوبرمان)؟
-لا لم أكن معتقل سوبرمان، وكنت في زنزانة وأنتم تعلمون درجة حرارة الصيف في الخرطوم، وكنت أكتب في تلك الظروف الصعبة، ولكنني كنت في حاجة لأكتب لتحقيق إرادتي من داخل الزنزانة، وتعلمون الظروف التي دخلنا بها واعتقالنا إبان أحداث أم درمان، وهنالك كانت حملة منظمة موجهة باسمي ربما من  السلطات، وردت فيها كثير من المعلومات واعترافات نسبت إليّ،  وليست أمامي فرصة لتصحيحها، ولكن كنت أملك الإرادة،  فالإرادة  مهما كان موقع صاحبها، فإنها لا تنكسر أبداً، والبحث كان شكلاً من أشكال التعبير عن الإرادة. 
}هل كنت متفائلاً بالخروج يوماً ما؟ 
-والله لست منشغلاً بهذا الأمر إطلاقاً، ولكنني مقتنع بأن لديّ قضية أقاتل في سبيلها، ولذلك مسألة الخروج وغيرها لم تكن أولوية بالنسبة لي، ولكن الإيمان بالقضية يجعلني صابراً وأؤمن بأن الأمور كلها بيد الله، وليس هنالك إنسان يستطيع أن ينهي حياة إنسان آخر إلا بإذن من الله.
} منذ أن أطلق سراحك وأنت خارج من السجن، يلاحظ أنك لم تذرف دمعة واحدة، رغم هول الأحداث وبكاء الشقيقات، والثانية أنك أطلقت مقولة إنه آن الأوان أن تندمل جراح الوطن، كيف تفسر الموقفين؟ 
-والله أنا بالنسبة لي الدخول والخروج سيان طالما أنت في مسيرة الوطن، ولذلك في قامة الوطن تتقاصر كل الهامات، وأنا على المستوى الشخصي مرت بي أحزان كثيرة صعبة، استشهد عدد من أفراد عائلتي على رأسهم أخي الشهيد دكتور “خليل”، وأخي الأكبر المهندس “أبوبكر” و”محجوب” وعدد كبير، ووالدتي توفيت وأنا في السجن، ولكن رغم ذلك أن الدافع الذي حركنا نحو القضية كنا نعلم أن وراءه كثيراً من الأحزان والدماء والأمور كلها متشابهة، وليس هنالك فرق طالما المسألة ليست شخصية، بل متعلقة بالوطن.
}معركة الذراع الطويل شابتها كثير من الألغاز والغموض، فكل عام يتحدث المحللون السياسيون عن دوافعها، هل كانت انتحاراً؟
-لم يحن الوقت بعد للحديث عن العملية، وأؤيد رأيكم أن هنالك كثيراً من الأشياء والمعلومات ذكرت وهي غير صحيحة، ولكن لم يأتِ الوقت للحديث حولها. 
} كيف ترد على اتهام العدل والمساواة بأنها الذراع العسكري للمؤتمر الشعبي؟ 
-ليست هنالك أي علاقة بين العدل والشعبي، وأول من يعلم ذلك من يطلقون الاتهامات، وذكرت معلومات على لساني منها أن العدل والمساواة كيان ينتمي إليه سياسيون من كل الأحزاب وغير المنتمين أيضاً. ولذلك أعتقد أن هذا الفهم قد تجاوزه الزمن ووضح للقاصي والداني.
} كيف تفسر إذن أن قيادات الشعبي سارعت لاستقبالكم عند الخروج من السجن؟
-أحييهم على ذلك، فهنالك علاقات شخصية تربطني بكثير منهم، وكنت محامياً في الخرطوم أدافع عن الكثيرين من الذين اعتقلوا، وكنت أعمل في مجال الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان قبل أن أنتمي إلى الثورة، وهنالك علاقات شخصية وإنسانية أيضاً، وليس كل شيء سياسي، وأنا انتهز هذه الفرصة لتهنئة القوى السياسية التي وقفت معنا وهيئة المحامين، منهم الأستاذ الكبير “فاروق أبوعيسى” والأستاذ الكبير “كمال الجزولي” و”محمد عبد الله الدومة” وهيئة محامي دارفور و”آدم بكر” و”هالة عبد الحليم” وغيرهم كثر، وأشكر روابط الطلاب، وهذه فرصة أحييهم جميعاً ونأمل أن نلتقي في ساحات العمل الوطني ونساهم جميعاً في استقراره وتنميته.
}زيارات القوى السياسية هل كانت سياسية أم اجتماعية؟
-في السودان يصعب التمييز بين اللقاءات السياسية والاجتماعية، لا سيما أن العلاقات الاجتماعية تلعب دوراً كبيراً ولا تخرج من الهم الوطني، ولكن الجميع كانوا حريصين أن يساعدوا في إطلاق سراح المتبقين من إخوتنا الذين ما زالوا في السجن من الأسرى، وحريصين أن تحل معالجة قضايا الوطن بشكل شامل كامل، ليتجاوز المشكلات إلى رحابة الاستقرار والتنمية والسلام.
} هناك علاقة حميمة بينك وقيادات إدارة السجن، تلاحظ ذلك أثناء  الاحتفال؟
-والله السجن رغم أنه ابتلاء، ولكن به بعض الميزات التي يتعلمها الإنسان، منها الصبر، وكنت أقول ليس المطلوب من الإنسان أن يكون الوضع مريحاً وملائماً حتى يبدي جانبه الاجتماعي، درسنا واقع المجتمع السوداني ومشكلاته الاجتماعية، وكتبت كتاباً حول الدوافع الاقتصادية، كنت أبحث مع النزلاء دوافع ارتكابهم للجرائم، وهل عقوبة السجن تساهم في معالجة المشكلات أم هو واحد منها.
} ماذا تذكر من طرائف السجن التي مررت بها؟
– طبعاً كتبت رواية عن ذلك، وكنت أحرر المرافعات القانونية عن النزلاء والمتهمين معي في السجن بعد أن أستمع إلى قصصهم وجرائمهم التي ارتكبوها، كانوا يتحدثون معي بكل التفاصيل، وكنت كمحامي أحفظ أسرارهم، لأن هذا جزء من أخلاق المهنة، وترافعت عنهم من داخل السجن، من دون أن أكتب اسمي وساهمت في إطلاق سراح بعضهم، لأنني درست القانون وأعرف قواعده.
} الرواية عن وقائع حقيقية أم خيالية؟
– الرواية تجمع بين الاثنين، ومن ضمن ما استهواني أنني أستمعت إلى قصص من المساطيل والذين يتعاطون البنقو ويتاجرون في المخدرات، حكى لي واحد منهم يبيع البنقو أنه في سجن من السجون، وكان وضع السجن يشكل بيئة مناسبة للتوزيع، لأن في السجون الكبيرة  يكون التوزيع كبيراً جداً ، وفي مرة من المرات كان هنالك ضابط برتبة كبيرة شدد الإجراءات الأمنية على تجار البنقو، وعندما وصلوا إلى طريق مسدود، ابتكروا حيلة للتوزيع من خلال قطع اللحم التي توزعها إدارة السجن، اتفق بائعو البنقو على أن يطعموا (الكدايس) اللحم في كل عنبر من العنابر، بحيث تتحرك القطط بحثاً عن قطع اللحم في العنابر، وفي الخطة المتفق حولها كان كل عنبر من العنابر يشمم القطط البنقو، فصارت تأكل قطع اللحم في عنبر ثم تشم البنقو في العنبر الآخر، وهكذا، وعندما تعودت يومياً على ذلك، أصبح تجار البنقو يربطون أكياس البنقو على ظهر القطط ويطعمونها بقطع اللحم ثم تذهب إلى العنبر الآخر لتشم البنقو، وصارت إحدى وسائل النقل من عنبر إلى آخر، قبل أن يكتشف ضابط كبير هذا الأمر ويأمر جنوده بمنع القطط من دخول العنابر، بعد أن رأى المنظر،  وحاول أن يلقي القبض عليها.
وقبل أن نختم الحوار مع الدكتور “عبدالعزيز عشر” استوقفنا بالقول: “لديّ رسالة عتاب إلى نقابة المحامين التي تخلت عن أحد منسوبيها بالدفاع عنه في تهم تصل عقوبتها إلى الإعدام، بل سعت إلى إسقاط عضويتي كمحامي من السجل، استغرب جداً لهذا الموقف”.
* كلمة أخيرة؟ 
-أشكركم وأحيي الصحافة ووسائل الاتصال والصحفيين، لما يبذلونه في هذه المهنة الشاقة فرسالة الصحافة وطنية، ومن المهم جداً تطبيق معايير البحث عن الحقيقة بحصافة وصدق. وهنالك صحفيون دفعوا أرواحهم  ثمناً للحقيقة، لأنها مهنة مقدسة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية