الرئيس يسقط عقوبة (259) من حركات دارفور وجبريل يعتبرها عربون جدية
الحكومة خطوات في طريق الوفاق
تقرير- فاطمة مبارك
يبدو أن جو الوفاق الوطني في السودان يسير هذه الأيام بخطى متسارعة، فبعد أن نجحت مجهودات الحكومة السودانية في إطلاق سراح الأسرى الذين كانوا بطرف الحركة الشعبية قطاع الشمال وعددهم (125) أسيراً، من خلال مجهودات الوساطة اليوغندية ممثلة في الرئيس اليوغندي “يوري موسفيني” ومجموعة سائحون.
وأصدر الرئيس “البشير” أمس، قراراً جمهورياً رقم (165) لسنة 2017م، وفق أحكام المادتين (208) (1)، (211) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م، قضى القرار بإسقاط عقوبة الإعدام من النزلاء المحكومين بالإعدام والمتهمين في عدد من المعارك وعددهم (259) محكوماً ومتهماً، وتضمن ذلك إسقاط العقوبة من النزلاء المحكومين بالإعدام والمتهمين في كل من أحداث “أم درمان” وعددهم (44)، ومعركة “دونكي البعاشيم” وعددهم (18)، ومعركة “كلبس” وعددهم (4)، وشمل العفو العام المتهمين في معركة “فنقا” وعددهم (12)، والمتهمين في البلاغ رقم (15 /2015) “قوز دنقو”.
المراقبون للشأن العام فهموا خطوة الرئيس “البشير” في سياق إبداء حسن النية وتهيئة جو العام للوفاق الوطني على ضوء اقتراب تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي عقد أمس، رئيس الوزراء النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول ركن “بكري حسن صالح” اجتماعاً مع القوى السياسية بشأن التفاكر حول تشكيلها القادم، وفقاً لتصريحات مسؤوليها. ومن المتوقع أن يُمثل فيها كل ألوان الطيف السياسي. وبدوره أشار “بكري” خلال اجتماعه أمس، إلى أن هناك أربع حركات مسلحة قطعت المشاورات معها شوطاً كبيراً واقتربت من التوقيع على مخرجات الحوار الوطني، رافضاً تسميتها، لكن ما حدث أمس، يؤكد أن حركة العدل والمساواة من ضمن هذه الحركات الأربع، وبالتالي هذا الحدث قد لا يكون بعيداً عن إطلاق سراح المحكومين بالإعدام والمتهمين من منسوبي الحركات المسلحة الدارفورية، إذ يأتي كذلك في سياق تحضير الملعب السياسي للوفاق القادم. يذكر أن مطلب إطلاق سراح المحكومين بالإعدام والمتهمين كان من ضمن مطالب القوى السياسية المعارضة والحركات المسلحة باعتبار أن مشاركة هذه الحركات تقتضي تهيئة الجو بإطلاق سراح المحكومين والمتهمين حتى تستطيع حركاتهم المشاركة في أية مشاورات تدعم الوفاق الوطني، وهذه الخطوة التي أقدم عليها الرئيس “البشير” أمس، كانت متوقعة من قبل الحكومة منذ البدء في عملية الحوار على خلفية الاتصالات التي قام بها حزب المؤتمر الشعبي مع هذه الحركات، لاعباً دور الوسيط بين الحكومة والحركات، وكان دائماً يتحدث قادته، أي (الشعبي) عن ضرورة إطلاق سراح منسوبي الحركات المسلحة حتى يستطيعوا إقناع قادة الحركات بالحوار ومرحلة الوفاق الوطني، ويبدو أن جهودهم قد أثمرت خاصة مع حركة العدل والمساواة، حيث شمل القرار منسوبيها الذين اعتقلوا في أحداث “أم درمان”، وكان أبرزهم “عبد العزيز عشر” وهو الأخ غير الشقيق لدكتور “جبريل”. وكان “عشر” من الكروت القوية بالنسبة للحكومة باعتباره من القيادات، وأخ غير الشقيق لرئيس الحركة، من جانبها ثمَّنت الحركة خطوة الحكومة واعتبرتها مهمة لإكمال عملية السلام في السودان.
وبالعودة لرد التحية قد يقرأ توقيت القرار الذي أصدره الرئيس “البشير” أمس، في إطار رد التحية التي قالت الحكومة على لسان وزير الإعلام دكتور “أحمد بلال” أنهم سيردون التحية بأفضل منها عند استقبالها للأسرى بمطار الخرطوم الذين قدموا من يوغندا خلال هذا الأسبوع، وقد أطلقت سراحهم الحركة الشعبية قطاع الشمال، وجاء اليوم هذا الرد بإطلاق سراح هؤلاء المحكومين بالإعدام والمتهمين الذين فاق عددهم أسرى الحكومة، كذلك كان لابد أن تبادر الحكومة بخطوة إنسانية بعد خطوة الحركة الشعبية قطاع الشمال حتى تؤكد للمؤسسات الدولية والإقليمية المشرفة على عملية السلام في السودان أنها حريصة على تحقيق السلام، وليس من المستبعد أن تكون يوغندا تدخلت أيضاً وسيطاً في قضية الحركات المسلحة الدارفورية، خاصة أنها تربطها علاقة كبيرة بالحركات المسلحة الدارفورية وقادتها، وسبق أن أعلن عن مؤتمر يجمع الحركات المسلحة بالحكومة.
وهناك ثمة إشارة مهمة تؤكد أن هذه لم تكن المرة الأولى التي يصدر فيها الرئيس “البشير” قرارا بالعفو العام من أجل تحقيق السلام والوفاق، ففي العام 2006م، سبق أن أصدر الرئيس “البشير” عفواً عاماً، عن أفراد الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية سلام دارفور بـ”أبوجا” ثم كان بعد ذلك العفو العام الذي صدر في 2009م، بخصوص الأطفال الذين شاركوا في غزوة “أم درمان” وعددهم (7). وفي سياق ذي صلة اعتبر المحامي “بارود صندل” أن قرار الرئيس “البشير” الذي أسقط بموجبه أمس عقوبة الإعدام عن النزلاء المحكومين بالإعدام والمتهمين بمثابة رد تحية. وقال لـ(المجهر): إن المحكومين في أحداث “أم درمان” سبق أن أصدر بشأنهم قرارا أُسقط بموجبه عقوبة الإعدام، ونتيجة لذلك تم إطلاق سراح نصفهم، وأن أبرز من تم إطلاق سراحهم آنذاك هما: “محمد بحر علي حمدين”، وكان يشغل منصب نائب رئيس الحركة في كردفان، وسلطان “إبراهيم أبكر” وظل الباقون، وكان من المفترض أن يصدر قرار بشأنهم، لكن المفاوضات تعثَرت بين الأطراف آنذاك، فأصبح وجودهم في السجن بمثابة أسرى، واستبعد أن يكون إطلاق سراحهم له علاقة بانضمامهم لمسيرة التحوُّل السياسي الرامي لتحقيق الوفاق الوطني، بيد أنه قال: هذه الخطوة يمكن أن تُسِّهل عملية التفاوض مستقبلاً، ومن ناحيته أكد ممثل دفاع المتهمين في أحداث “أم درمان” “آدم بكر حسيب” أن قرار الرئيس “البشير” الذي قضى بإسقاط عقوبة الإعدام من النزلاء المحكومين بالإعدام والمتهمين في أحداث “أم درمان” ومعركة “كلبس” و”دونكي” و”فنقا” يأتي في سياق تنفيذ اتفاقية الدوحة، والدوحة هي البداية والنهاية في هذا الشأن، والذين تم إطلاق سراحهم قبل ذلك كدفعة أولى تم بموجب هذه الاتفاقية، لكن ربطت الحكومة وقتها إطلاق سراح الباقين بعملية الأخذ والعطاء بينهم وبين حركة العدل والمساواة وتجاوب الحركة معهم.
وعلى ذات الصعيد يمكن أن تكون زيارة نائب رئيس الوزراء القطري “عبد الله آل محمود” خاصة أنه التقى الرئيس “البشير” ونائب الرئيس “حسبو محمد عبد الرحمن” قد دفع بهذه الخطوة وعجَّل بها تعضيداً للجهود الإقليمية والدولية التي أصبح واضحاً أنها تسعى لإحداث تسوية في السودان من خلال حكومة يشارك فيها جميع الأطراف، والحكومة أصبحت مهيأة لهذا الحدث، وربما تفصح الأيام القادمة عن هذه التسوية بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني.