بعد ومسافة
يا أولاد الأفاعي.. ما جئت لأحمل سلاماً!
مصطفى أبو العزائم
لا بد أن يقر العالم ويعترف بأنه ليس للإرهاب دين أو وطن، هناك نفوس مريضة تمارس الإرهاب باسم الثورة تارة، وباسم تحقيق العدالة تارة أخرى، مثلما تمارسه باسم المساواة، لذلك يصبح من الظلم ربط الإرهاب بالإسلام، لأنه حتى في حياة المسيح عليه السلام والتي تعد مثالاً للرحمة والوداعة، نجد أن حياته تحفل بوقائع مناقضة لآيات المحبة مثل “من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر”، أو “ما لله لله وما لقيصر لقيصر”، أو مثل ما أصبح متداولاً حتى رسخ في أذهان المسيحيين وغير المسيحيين، مثل “المجد لله في الأعالي وبالناس المحبة وعلى الأرض السلام”.
نعم.. هناك آيات مناقضة بالكلية لما سبق أن أشرنا إليه وجاء في الأناجيل الأربعة المعروفة (متى، مرقس، لوقا، يوحنا)، منها أن السيد المسيح “عيسى بن مريم” عليه السلام، لعن شجرة تين مورقة، مثلما جاء في الإنجيل بعد أن قصدها راجياً أن يجد عليها بعض الثمر، فلما وصل إليها ما وجد عليها غير الورق، لأن وقت التين ما حان بعد.. فقال لها.. لن تثمري إلى الأبد فيبست التينة التي لعنها، متى (18-21) ومرقس (11-21) وهناك ثورة مدوّنة في الإنجيل عندما صرخ السيد المسيح عليه السلام في وجوه علماء اليهود ومعلمي الشريعة، واصفاً إياهم بـ(أولاد الأفاعي) ثم ما تضمنه إنجيل متى وإنجيل لوقا من قول منسوب للسيد المسيح هو “لا تظنوا أني جئت لأحمل السلام إلى العالم، ما جئت لأحمل سلاماً، بل سيفاً، جئت لأفرق بين الابن وأبيه والبنت وأمها، والكنّة وحماتها، ويكون أعداء الإنسان أهل بيته”.
وهناك آيات كثيرة في الأناجيل (العهد الجديد)، وقبلها في التوراة (العهد القديم) تحث على المضي قدماً في نشر الدعوى والتبشير بها مهما كانت المشقات، وهو ما جعل العالم يكاد يحترق بسبب ما أشعلته الحروب الدينية والصليبية بدعوى نشر المسيحية – وقبل ذلك ما عرف لدى اليهود بـ(حروب الرب) التي قادها وفق رواياتهم “يوشع بن نون” وأباد خلالها ثلاثين مملكة بفلسطين باسم الرب الذي أعطى الوعد (العهد) القديم لسيدنا “إبراهيم” عليه السلام.
الغرب المسيحي في داخله تطرف غير معلن بدعاوي نشر الدين، لذلك سيفعل الأفاعيل من أجل التبشير المسيحي ومحاربة كل دين آخر، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف سيدعم طائفة ضد طائفة – لتخسر الطائفتان، ويذكي نيران الحرب بين دولة مسلمة وأخرى مسلمة حتى يقضي على مقدرات الدولتين، وينهك مواردهما، ويصبح في عين العامة والبسطاء هو المنقذ، مثلما يمكنه أن يدعم جماعة متمردة أو حركة مسلحة في مواجهة حكوماتها الشرعية مثلما هو حادث الآن بدعم من كانوا شركاء في الحكم والسلطة بالسودان، فتغيرت مواقفهم بتغيير الظرف السياسي مثل الحركة الشعبية قطاع الشمال بعد انفصال الجنوب.
والغرب يدعم أحلام الطامحين في الانفراد بالسلطة بعد الإجهاز على السلطة القائمة إذا ما كان ذلك سيؤدي إلى إضعاف أو فناء الدولة التي ترفع شعارات الدين وتطبيق الشريعة الإسلامية مثل حكومة الخرطوم، لذلك تجد الحركات المسلحة ألف قناة وقناة تنفتح بينها وبين حكومة العالم الخفي، فتمدها بالسلاح والعتاد والمال.. والاعتراف الدولي.
المصالح هي التي تحكم التعاملات في أسواق السياسة مع العمل قدر الإمكان على الحفاظ بالقيم الدينية والفكرية والسياسية التي تؤمن بها الأنظمة، لذلك تعجب من عدم تطور الفكر السياسي لدى قادة الحركة الشعبية (شمال) الذين يدفعون بعضويتهم إلى أتون النار بغباء ملحوظ عندما يدعو – مثلاً – قائد تاريخي لقطاع الشمال مثل “ياسر عرمان” الإدارة الأمريكية الجديدة إلى ربط رفع العقوبات عن السودان بصورة كاملة بإجراء تسوية سلمية شاملة وترتيبات انتقالية تفضي إلى انتخابات حرة ونزيهة تحت رقابة دولية.. وهو أمر عده عامة الناس وخاصتهم دعوةً لتحريض “واشنطن”، واستقواءً بالخارج على حساب الوطن والمواطن.
يبدو أن “ياسر عرمان” يقرأ جيداً (محرِّضات) الغرب لمعاداة الشعوب أو الحكومات، ويعمل على تهييجها، لكنه – مع ذلك – لم (يفك الخط) بعد في دنيا التعامل وفق المصالح الثنائية والإقليمية والدولية، إذ أن كل خبرته لم تتجاوز مساحات الأدغال التي يدفع بجنده إليها، أو غرف وقاعات الفنادق المريحة التي اعتاد ومن معه من قيادات الحركة، على العيش فيها.
انتهت اللعبة، ولم تعد مسألة الدين وتطبيق الشريعة بالأمر المخيف الذي يخشاه الغربيون، ويكفي ما قاله الأستاذ “كمال عمر عبد السلام” القيادي بحزب المؤتمر الشعبي حول موقف “عرمان”، إذ شبهه بالحالة السياسية العراقية التي أوصلت بعض المعارضين إلى مرحلة العمالة.
الآن قلب الغرب الصفحة، وأخذ يعمل بالنصوص الإنجيلية الداعية للتواضع والمحبة والسلام والرحمة.. ونقول لصديقنا “ياسر عرمان” ألا يقدح شرارة النار في هذا التوقيت لأنها ستحرقه ومن معه فلا يجد آسٍ ولا نصيراً.. لأن أهل المنطقتين، وكل أهل السودان، بل العالم بأجمعه لن يرى في قطاع الشمال بعد اليوم إلا منظمة إرهابية تدفع بالمدنيين الآمنين إلى التهلكة.