القيادي بالمؤتمر الشعبي أمين أمانة الاقتصاد دكتور "بشير آدم رحمة" لـ(المجهر) (1-2)
حملة المنابر مدفوعة وراؤها جهات ترفض الحريات
ناقشنا مخاوف المؤتمر الوطني عبر لجان ثنائية وتوصلنا لاتفاق
“الترابي” توقع حدوث تراجع فيما يخص الحريات ووضع لنا خططاً بديلة
مشكلتنا مع فقهاء “البرادو” و”الهمر” وللأسف كل من صعد المنبر يعدّ نفسه عالماً
مقدمة
قبل أن يتم تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي يبدو أنها وصلت مرحلة المشاورات مع الأحزاب والحركات المسلحة المشاركة في الحوار الوطني، نشب خلاف فقهي بين المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني من جهة وبين المؤتمر الشعبي وهيئة علماء السودان ومجمع الفقه الإسلامي من جهة أخرى عقب الاجتماع الذي تم بين اللجنة الطارئة للتعديلات الدستورية برئاسة “بدرية سليمان” واللجنة التنسيقية العليا لمتابعة تنفيذ مخرجات الحوار لمناقشة الملحق الخاص بالحريات. وفي الوقت الذي أكد فيه الحزب الحاكم على لسان أعلى سلطة في الدولة عدم موافقته على بعض التعديلات في إشارة إلى زواج التراضي وحرية الاعتقاد، تمسك المؤتمر الشعبي بما قدم باعتباره مخرجاً مجازاً من قبل الأطراف كافة بمن فيهم رئيس الجمهورية، وربط مشاركته في السلطة الذي أجازته الأمانة العامة للحزب بتنفيذ المخرجات كاملة غير منقوصة.. فيبقى السؤال: هل سينفض المؤتمر الشعبي يده من مخرجات الحوار ويبتعد عن الحكومة القادمة بحجة أنه دخل الحوار من أجل الحريات أو كما قال لنا؟ أم سيُقدم المؤتمر الوطني على حل وسط يرضي الطرفين؟؟ (المجهر) التقت القيادي بحزب المؤتمر الشعبي أمين أمانة الاقتصاد دكتور “بشير آدم رحمة” وطرحت عليه هذا السؤال بجانب أسئلة أخرى تناولت قضايا الحزب.. فماذا قال؟؟
حوار- فاطمة مبارك
{ كيف نظرتم إلى النقاشات التي أفرزتها بعض التعديلات في الساحة المرتبطة بالزواج المباشر أو بالوكالة؟
_ هذه التعديلات مرت بكل المراحل حتى وضعت على منضدة البرلمان، بدأت من لجان الحوار، ثم نوقشت في اللجنة العليا ثم نوقشت نقاشاً ثنائياً بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي وجاءت في وثيقة مخرجات الحوار الوطني في العاشر من أكتوبر 2016 وبعد ذلك صيغت بصورة قانونية.
{ من شارك في الصياغة؟
_ صيغت بواسطة مستشاري السيد رئيس الجمهورية، والذي أودعها منضدة البرلمان هو رئيس الجمهورية فإذا مرت بكل هذه المراحل هل يمكن أن يُطعن فيها ويقولوا إنها مخالفة للشريعة؟ هل كل هؤلاء لا يفهمون الشريعة؟ هل مستشارو الرئيس لا يفهمون الشريعة والإسلام؟!
{ في أي سياق فهم حزبكم ما دار في المنابر؟
_ ما قيل في المنابر هو افتراءات وتجنٍ وحملة مدفوعة، وإذا كان هناك لوم يفترض أن يلام من قدمها في صيغتها النهائية للمجلس الوطني، وأنا أقول لمن يريدون الانتقاد من على المنابر اتقوا الله وباب الحوار والإصلاح مفتوح، ودونكم اللجنة الطارئة للتعديلات الدستورية في المجلس الوطني لو عندكم أي كلام يمكن أن يقدم إليها حتى نخرج بدستور يتيح الحريات، ويجعل الشعب السوداني يعيش حياته بالتراضي ودون إجبار.
{ لكن حتى قيادة الحزب الحاكم ممثلة في السيد الرئيس عبرت عن عدم موافقتها؟
_ التعديلات الدستورية التي ألحقت للبرلمان قبل نهاية دورته متفق عليها بالإجماع، وجاءت في مخرجات الحوار.
{ لكن يبدو أن هناك تحفظات على مسائل فقهية من قبل المؤتمر الوطني؟
_ يمكن أن تكون للأحزاب آراء مختلفة قبل أن تصبح مخرجاً متفقاً عليه.. نحن مثلاً في المؤتمر الشعبي لم نكن موافقين بنسبة (100%) على كل المخرجات، لكن بعد أن أصبحت مخرجاً وأجمع عليها كل الناس التزمنا بإجماع الناس.
{ هل كان للمؤتمر الوطني رأي في بعض التعديلات قبل أن تصبح مخرجات؟
_ صحيح كان للمؤتمر الوطني رأي فيما يتعلق بالأمن والحريات قبل أن تصبح مخرجات، وكانوا يقولون إن السودان في حالة حرب داخلية وهناك معارضات تحمل السلاح، وإذا فتحنا الحريات سيكون هناك مهدد أمني وهذا كان طرحهم لأنهم في السلطة، أما طرح الآخرين فقد كان مع انفتاح الحريات لأنها تعدّ أساس الوصول لسلام.
{ إذن الاختلاف موجود؟
_ كانت هناك اختلافات في وجهات النظر لكن حسمت أخيراً بالاتفاق الموجود والوثيقة التي تضمنت الاتفاق التي أصبحت ملزمة لكل من شارك في الحوار، فأنا أفهم أي كلام يقال من المؤتمر الوطني في أي مستوى من المستويات أنهم كان لهم رأي في بعض المخرجات فهذا صحيح قبل 10 أكتوبر2016 لكن بعد 10 أكتوبر أصبح هناك اتفاق كامل.. كذلك بعد 10 أكتوبر كانت هناك جلسات ثنائية بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي عبر لجان كونت من أعلى المستويات وناقشت مخاوف المؤتمر الوطني ووصلت إلى اتفاق مكتوب وموقع عليه.
{ ما دواعي هذه الجلسات الثنائية؟
_ حتى نطمئنهم، ووصلنا معهم لاتفاق مكتوب يؤدي إلى إجازة ما تم الاتفاق عليه ويحفظ كيان الدولة.
{ هل كان هناك اختلاف بينكم حول ما أثير في الساحة الآن وتعلق بزواج التراضي؟
_ أبداً، لكن أنا أقول لك صراحة الحملة الدائرة هذه الأيام كلمة حق أريد بها باطل أو بالمثل الآخر “إياك أعني واسمعي يا جارة”.
{ من تعني بهذا الحديث؟
_ الحملة التي انطلقت كانت من جهات ترفض الحريات والهدف كان قتل الحريات أو بمعنى آخر قتل وثيقة الحقوق الأساسية، لكن دولة الحريات دائماً تتمتع بدستور محترم وحريات محترمة لأن عبادة الله والعقيدة والتوحيد لا تتم إلا بالحرية (لا إكراه في الدين، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، فالحرية عند المسلمين دين لذلك أي كلام ينتقص من الحرية هو انتقاص من الدين.. أما مسألة التزاوج فهي علاقات اجتماعية بالنسبة لمبدأ التوحيد والاعتقاد وهي فرعيات، في تقديري الذين يريدون قتل الحريات ووثيقة الحقوق صوبوا على الفرعيات لكن المقصود هو الحريات.
{ ما المخرج على ضوء أنكم كنتم تراهنون على السيد الرئيس؟
_ نحن لم نراهن على الرئيس فقط، صحيح هو رئيس الدولة وعندما يقول كلمة لا بد أن تُنقذ ولو قال التزمت معناه التزم، لكن نحن مراهنون على الشعب السوداني الذي يريد السلام وعلى المؤتمر الوطني الذي يضم عقلاء ومفكرين يريدون الحريات، ومراهنون على قطاعات أخرى.. الجيش والأمن اللذين يريدان السلام من خلال إنهاء الحروب، والطريق للسلام هو هذا الانفتاح، فنحن مراهنون على كل الشعب السوداني.
{ لكن الأمور تحسم عند الرئيس؟
_ طبعاً مربط الفرس هو الرئيس لكن الرئيس ليس وحده الذي لديه مؤسسات أخرى فإذا عمل الناس لمدة ثلاث سنوات للحوار وانضم إليه بعض الحركات المحاربة وجاءت الأحزاب الأخرى بفروعها مثل الاتحادي الديمقراطي، ولم يغب إلا حزب الأمة وبعض الأحزاب اليسارية، فهذا أعدّه يمثل إجماع أهل السودان، والرئيس هو رئيس السودان ولابد أن يعمل وفق منهج الشورى، وهذه هي الشورى، فإذا عزمت فتوكل على الله، والعزم هو عزم المشاورة وحتى الرسول “صلى الله عليه وسلم” في غزوة (أُحد) لم يكن يريد الخروج، لكن لما شاور المسلمين رأوا الخروج، فخرج على غير رغبته وتوكل على الله بعد أن حسم أمره بالشورى.
{ ما تفسيركم لحديث الرئيس عن التعديلات محل الخلاف في هذا التوقيت؟
_ دائماً الكلام يؤخذ بزمانه ومكانه.
{ لماذا يقف المؤتمر الشعبي في مسائل خلافية تحتمل التفسيرات؟
_ الكلمات العربية لها معانٍ محددة فإذا قلنا التزاوج، فهو لا يتم إلا بين ذكر وأنثى، أما لو قلنا الزواج فيمكن أن يتم بين ذكر وذكر فكلمة التزاوج تعني بين ذكر وأنثى، والدستور يشير إلى معانٍ محددة، وهذا كله جاء في بند الحريات، الأسرة قال هي الوحدة الطبيعية ولما يصلوا سن الرشد يتم التزاوج، طبعاً في السابق وفق عادات السودانيين البنت الصغيرة يتم تزويجها والمجنونة أيضاً، زمان الفقهاء قالوا يمكن أن تجبر الصغيرة والمجنونة.
{ ماذا يضير لو استمر الناس على ما كانوا عليه؟
_ هذا كان فقه زمانهم، لكن نحن الآن نعيش في دولة قالت الزواج يكون بعد بلوغ الفتاة سن الرشد المحددة بـ(18) سنة، هذا وفق القانون الذي يمنع زواج الصغيرات، وإذا جاء أحدهم وقال مجبرتي فسنقول له مجنونة (طوالي) حتى كلمة (مجبرتي) التي كانوا يقولونها غير صحيحة.
{ لماذا تصرون على كلمة التراضي التي أفرزت الخلاف؟
_ الهدف كان إعطاء المرأة الحرية، لأن هذا تعاقد لابد أن يكون بالتراضي ليس بالإجبار، والذين يقولون لا نريد كلمة التراضي معناها يريدون الإجبار والإجبار ليس من الدين، والتراضي هو أن تأتي الفتاة أمام الناس وتُسأل هل أنت موافقة على هذا الزوج؟ وتقول موافقة أو تُوكل، مباشرة أو بالوكالة، لأن هناك حوادث في القضاء لزيجات تمت دون رغبة الفتاة وقبل فترة قريبة كانت هناك حادثة انتحار لفتاة في الأبيض زوجها أبوها دون رضاها (عضلها بمعنى غصبها)، وهناك قضايا في المحاكم للطلاق بسبب زواج الغصب، وسداً لذلك أُعطيت هذا الحق، فيمكن أن لا تحضر، لكن كما قلت لك السبب الأساسي في إثارة هذا الموضوع أن هناك جهة تريد قتل الحريات.
{ خلال نقاشكم مع المؤتمر الوطني ما هي الأشياء التي كانت محل خلاف فيما يخص صلاحيات جهاز الأمن؟
_ بالنسبة للصلاحيات كانت هناك (حاجة واحدة) اتفقنا عليها، لكن لم تظهر وهي أن لا يعمل جهاز الأمن في التجارة.. لكن الأشياء الأخرى كلها متفق عليها.
{ مثل ماذا؟
_ مثل أن مهمة جهاز الأمن هي جمع المعلومات وتحليلها ويقدمها لمتخذ القرار وهو رئيس الجمهورية أو من يفوضه، ويتبع الجهاز لرئيس الجمهورية ولا يكون لديه جيش، لأن الجيش لابد أن يكون قومياً، وأية قوات مقاتلة لابد أن تكون تحت إمرة القوات المسلحة، وهذه من النقاط التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر الحوار.
{ ماذا عن الاعتقال؟
_ الاعتقال حدد، فإذا كان الشخص متهوماً، أول ما يتم القبض عليه يخبرونه بالتهمة وبعد الثلاثة أيام يفتح ضده بلاغ، إذا وجدوا أشياء تستدعي التجديد يذهبون للقاضي ليتم التجديد، وأقصى مدة حددت بشهر.. بعد شهر إذا لم يقدم للمحاكمة يطلق سراحه، ولو استجدت معلومات يمكن أن تتم إعادته مرة أخرى.. نحن لا نريد حياة فيها تسلط أو جبر، لا في الاعتقاد ولا في السياسة ولا في التجارة.
{ قد لا يكون هناك جبر وتسلط كما تعتقد؟
_ عموماً نحن دولة شريعة كما يقولون، مشكلتنا أن نقع تحت إمرة من يسمى بفقهاء “البرادو” و”الهمر” والذين لا يخالفون من أعطى وأمر، لذلك نريد أن يكون فقهاؤنا مثل “بن تيمية” و”بن قيم الجوزية” يقولون للمخطئ أخطأت حتى لو كان رئيس الدولة، ويكون اهتمامهم مثل ناس الشيخ “الطيب الجد ود بدر” عالم في الدين وفقيه لكنه لابس ثوبه وجلس في الخلوة يربي النشء، ليس مثل الناس الذين يظهرون في الإعلام لإرضاء من دفع وأمر.
{ ما هي خياراتكم حال إصرار المؤتمر الوطني على عدم إجازة التعديلات المختلف عليها معكم؟
_ نحن حتى الآن مع إنفاذ مخرجات الحوار الوطني، ومنفتحون للحوار، وكنت أتمنى أن يذهب من أراد الإصلاح لـ”بدرية” ويقول لها ما قمتم بتقديمه فيه خطأ ونرى أن يصلح بكذا، لا أن تقوم حملة من على المنابر يصفون فيها غيرهم بالدجالين.
{ من قال الدجالون؟
_ أحدهم قال الدجالون، وفيهم من مضى إلى ربه وكان قصده معروفاً وفيهم من قال كلمة بذيئة: هذه التعديلات تبيح الزنا من على المنبر، ونحن مشكلتنا أحياناً تكون مع ناس ليس لهم علم باللغة وأنا أسميهم (فاقد تربوي)، لأن كل من صعد إلى المنابر يعدّ نفسه عالماً للأسف الشديد، العالم يضبط كلامه ويتحرى، لا يتحدث عن شيء لا يعرفه، أقول هذه حملة مقصود بها قتل الحريات، ورسالتي تبدأ بالشعب السوداني بأن يكون حراً ويأتي بدساتير محترمة تحفظ حقوق الإنسان.
{ رسالتكم ينبغي أن توجه للأحزاب المشاركة في الحوار.. أليس كذلك؟
_ رسالتي للأحزاب التي دخلت الحوار والتي لم تدخل، أن هذه مخرجات تصلح حال البلد.. وللمؤتمر الوطني أقول إنفاذ الحريات يعلي من شأن حزبكم ويجعله محترماً وهذا يساعدكم في الانفتاح على أمريكا والغرب، والذين يرفضون المعاهدات الدولية ضد المرأة هذه تسد لهم مشكلة (سيداو)، لأن الزواج سيكون بالتراضي، وهذا فيه مصلحة لكل البلد وفيه مصلحة لك أخي رئيس الجمهورية بإخراجك البلد من حفرة خلاف إلى براح تراضٍ عام.
{ إلى أي مدى المؤتمر الشعبي مستعد للتنازل عن ما استجد من اختلافات حول بعض التعديلات التي أصبحت مخرجات؟
_ المخرجات يجب أن تنفذ، إذا كانت هناك علة يمكن أن تصلح نحن منفتحون للحوار، وأصلاً دخلناه باعتباره الوسيلة الوحيدة لإصلاح شأن الدولة والسياسة والحكم في السودان وغيره.
{ كيف يمكن تحديد العلة؟
_ إذا وجدوا خيراً من الصياغة المقدمة لكن تعطي نفس المعنى فنحن معها.. لكن معاني الحرية لن نتنازل عنها والصياغة المحكمة التي تؤدي الغرض ستكون مقبولة من أية جهة أتت.
{ الآن هل يوجد نقاش حول هذه المسائل؟
_ نحن لا نغلق باب الاتصال والحوار والنقاش، نذهب إلى لجنة المجلس الوطني نتحاور معهم من خلال الحوارات الشخصية أو توضيح لشيء قاله من يفتكر نفسه عالماً وله رأي.. هذا نتحاور معه.
{ وصلتم كل الأطراف؟
_ فيهم من وصلناه، وفيهم من نريد وصوله، ولن نقفل الباب لأن هدفنا الإصلاح الذي يأتي بالحوار وتقديم وجهات النظر.
{ هل توقع “الترابي” حدوث نكوص في بعض التعديلات ووضع لكم خططاً بديلة؟
_ نعم.. هناك خطط وضعها قبل وفاته.. حال حصول كذا يحصل كذا.. لكن لن نقولها إلا في وقتها.
{ أفهم من ذلك أنكم ستطبقون خطته؟
_ الأشياء التي تركها ليست قرآناً لكن تمت بمشاورتنا كلنا وقررناها، وأنا جئته بعد عودته من قطر عشان أقول له اترك المؤتمر الشعبي وطُف ولايات السودان، وكأنه عرف ماذا سأقول فقال لي إنه في أبريل 2016 سيخرج من المؤتمر الشعبي، وبدأ يفصل لي في الخطة، أنه سيخرج وبعد ذلك سيحصل كذا، وسيأتي شخص خلفاً له وفي شهر يناير 2017 ستكون الحكومة شُكلت، لكن ربنا لديه تدابير منها أنه اختاره حتى نُختبر هل سنمضي وفق ما خططنا أم أننا سننجرف!! وأقول لك نحن الآن ما توافقنا عليه في حياته ورأينا أنه أصلح للسودان ولحركة الإسلام ماضون فيه.