رأي

مجرد سؤال

يا (غرق) يا (جيت حازما)!!
رقية أبو شوك

تمر علينا هذه الأيام الذكرى الخامسة لرحيل العملاق الفنان “محمد وردي”… الإمبراطور الذي عشق فنه الصغار والكبار، لأنه بات ينتقي الكَلِم الرصين الذي يشد المتلقي لفنه.
(مجرد سؤال) نعيد نشر المقال الذي كتبناه بمناسبة الذكرى الثالثة لرحيله:
لابد أن نترحم أولاً على الفنان العملاق “محمد وردي” وقد انقضت ثلاثة أعوام على رحيله، فالأيام والسنون تمر دون أن ندري.. نسأل الله حسن الخاتمة.
ولأنه ترك أعمالاً غنائية خالدة، فالجميع ما زال يتذكره.. فالأعمال الخالدة في مختلف ضروب الحياة تجبر الناس على الوقوف عندها كثيراً.. فالفن رسالة خالدة يتم عبرها معالجة إشكالات كثيرة في المجتمع سواءً أكان شعراً أو غناءً أو دراما، فتتكامل الأدوار ليخرج لنا عمل متكامل يعالج قضية ما.
الفنان “محمد وردي” استطاع أن يدخل القلوب بأدائه الرائع في مختلف الأغاني التي تغنى بها، بالإضافة إلى التنسيق الرائع ما بين الكلمة واللحن والأداء.
فالإنسان بحاجة إلى الترويح عن النفس، لأن النفوس إذا كلت ملت، وإذا اخترنا الترويح عن طريق الغناء، فليكن بالأداء الراقي المتميز، حتى تكون الاستفادة مضاعفة.. استفادة الترويح ثم الكَلِم ثم اللحن ثم الأداء.
أنا من العاشقين جداً لفن الموسيقار “محمد وردي”، فنان أفريقيا الأول.. وقد أعجبت بطريقة أدائه في إحدى الحفلات، وأنا ما زلت في بداية طريق تحديد من هو الفنان الذي سأختاره فناناً أولاً!! والفنانون كثر.. كان يجلس في الصف الأمامي مع الحضور الرسمي والجمهور.. كانت فرقته الموسيقية في المسرح تبعث موسيقى متناسقة.. كان هو يتابعها، وكنت أنا أتابعه.. بعد ذلك صعد المسرح بكل ثقة ليبدأ بنشيد وطني وعلى ما أذكر كانت المناسبة وطنية:
وطن حدادي مدادي
ما بنبنيهو فرادي
ولا بالضجة في الرادي
ولا الخطب الجماعية
حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي
ولأن السودان هو وطننا الحبيب.. أعجبت جداً بـ”وردي”، وقلت: صحيح بلد المليون ميل مربع ما بنقدر نبنيهو ونعمِّره فرادي، فالأمر بحاجة إلى خطط وبرامج وميزانية تنمية.
ألم أقل لكم إن الكلمات المنتقاة والأداء الرائع لهما أثر كبير لكسب عشاق الفن؟.
أيضاً أعجبتني جداً ثقته بنفسه.. فالثقة في النفس تجعل الآخرين يحترمونك.. ومن وقتها قلت (ليه ما يكون وردي فناني الأول؟ خاصة وأنا ما زلت أحب الأشخاص الذين يثقون جداً بأنفسهم).. وقد كان، صار فناني الأول وما زال.. ولو تغنى وردي بـ(القمر بوبا) وحدها لكفته.. وقد أبدع “إسماعيل حسن” في الكلمات..
القمر بوبا عليك تقيل
الصغيرة شجيرة الأراك
يا قمر عشرة الفي سماك
شاغلة روحي وقلبي المعاك
وين لقيتك لا من آباك
الجِزيِّري أم بحراً حمى
فيك روحي وحبي النما
ما بسيبا إن بقى في السماء
وما بخلي الناس تظلما
روحك في دربك سايما
يا غرق يا جيت حازما
إلى أن يقول:
المبارك شيخ الظهر
العليك ساسكت وفتر
و”ود المبارك” هذا يعرفونه أهل الشمال جيداً وهو شيخ زار معروف
وتستهويني في هذه الأغنية أيضاً (يا غرق يا جيت حازما)، لأنها تؤكد الإصرار والعزيمة.
(والقمر بوبا) لا أظن الأجيال الحالية تعرفها.. أنها نوع من (السفنجات) كانت (ثقيلة) بعض الشيء والذي يلبسها لا يستطيع المشي بها مسافات طويلة، لأنها بالجد (ثقيلة).. لذا فالشاعر قال مخاطباً المحبوبة (القمر بوبا عليك تقيل).
ونقول كذلك:
لو بالصد أبيتيني
أو بالنار صليتيني
أنا لا ما بنساك
شوفوا بالله التمسك بالمحبوبة كيف كان حتى (ولو صلته بالنار وأبته صدَّاً)، ورغم ذلك يقول لها:
(أنا ما بنساك).. وأداري دموعي من الناس وأقول يا ريتني يا ريتني.. هنا تتجسد معاني الإخلاص.
الرحمة والمغفرة للفنان الموسيقار “وردي”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية