تقارير

(زواج التراضي) .. ما بين جدل الدستور ومطبات الشرع

(الشعبي) يدفع بالمبررات وعلماء الدين يقفون ضد التعديل
محامٍ : قانوناً يجوز التزاوج بين الذكر والأنثى بالتراضي !
تقرير ـ هبة محمود
جدل وغبار كثيفان أثارهما ملحق التعديلات الدستورية الذي تقدم به حزب المؤتمر الشعبي حول (جواز التراضي) بين الشاب والشابة عقب بلوغهما سن الزواج. وقد عد مجمع الفقه الإسلامي إباحة الزواج بهذه الصيغة خلافاً للشريعة الإسلامية ومهدداً للسلم المجتمعي في استبعاد موافقة ولي الأمر، فيما وصفه بعض العلماء والأئمة والدعاة على أنه ترويج للكفر وتمزيق للمجتمع السوداني.
وفي الوقت الذي تمسك فيه “الشعبي” بمقترح تعديلاته معتبراً الأمر هجمة سياسية منظمة للحيلولة دون مشاركته في الحوار الوطني، سيما أن مقترحه فيما يتعلق بهذه المادة لم يلغ وجود ولي الأمر، تباينت الآراء اللافتة لنص المادة (40) (3) الزواج عبر (القاضي) المتضمنة وفق قانون الأحوال الشخصية لعام (1991 م) ، وبين العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية، مع الإشارة إلى أن اللجنة البرلمانية الطارئة المكلفة طالبت في مفتتح مناقشتها للتعديلات أخذ فتوى من رجال الدين بشأن هذه النقطة الخلافية ليبقى السؤال عن مسار هذه الجدلية.
أصل التعديل المثير للجدل
وبحسب وثيقة التعديلات على الدستور التي تلقت (المجهر) نسخة منها، فإن المادة التي أثارت هذا الجدل هي المتعلقة بحق التزاوج ورعاية الأسرة، وقد نصت فقرتها الأولى على الآتي : الأسرة تعد الوحدة الطبيعية والأساسية للمجتمع، ولها الحق في حماية القانون، وعند بلوغ سن الرشد المقرر قانوناً يجوز التزاوج بين الذكر والأنثى بالتراضي وبالتعاقد مباشرة أو وكالة، وتسير الأسرة وفق دين الأطراف أو عرفها، ويرعى المتاع والوصايا والمواريث بعد الموت، وفق ما يلي المعنيين من دين أو عرف أو قانون، فيما تضمن الفقرة الثانية : تضطلع الدولة بحماية الأمومة ووقاية المرأة من الظلم وتعزيز المساواة بين الجنسين، وتأكيد دور المرأة في الأسرة وتمكينها في الحياة العامة.
منابر (الجمعة) ترفض
لم تخل غالبية خطب (الجمعة) الماضية سيما في المساجد الكبيرة والعتيقة في  الولاية من التنديد بالتعديلات الدستورية الخاصة بزواج التراضي، وهي المادة التي أثارت حفيظة مجمع الفقه الإسلامي وهيئة علماء السودان، لتكتسي المنابر بهذا الرفض بعد أن برأ رئيس مجمع الفقه الإسلامي “د.عصام  أحمد البشير” ذمته من منبر (مسجد النور) بالتأكيد على أن مادة التزويج بين الذكر والأنثى من غير ولي مناقضة لشرع الله، لافتاً إلى أن التعديل محله القانون وليس الدستور، مستدلاً بالحديث الشريف (أي امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل)، فيما تبادلت هيئة علماء السودان والشعبي الاتهامات حول نص هذه المادة التي لفت القيادي بحزب المؤتمر الشعبي “أبو بكر عبد الرازق” في حديث  لـ (المجهر) إلى أنها ـ أي المادة ـ تم الاتفاق عليها مع رئيس الجمهورية مباشرة، وهو الذي دفع بها للجنة الدستور بحد تعبيره، مؤكداً على أن هذه التعديلات مقدمة منذ ثلاث سنوات، لمؤتمر الحوار الوطني، وتم التوقيع عليها من قبل مسؤول لجنة العدالة وزير العدل السابق “محمد بشارة دوسة”، ومن جانب المؤتمر الشعبي “محمد العالم آدم أبو زيد” وقال: رئيس الجمهورية استدعى الهيئة التشريعية لإيداع هذه التعديلات، وبذلك لم تعد ملكاً للمؤتمر الشعبي، وأضاف: كان الأجدى بالذين يهاجموننا توجيه النقد إلى المؤتمر الوطني، ولكنهم لا يجرؤون على ذلك، لأنه من الواضح أن هناك جهة ما، استخدمتهم للهجوم على حزب المؤتمر الشعبي، والدليل على ذلك إجماعهم على خطب موحدة .
ليس هناك ما يسمى زوجتك (مجبرتي)!!
محدثي قطع على أن التعديلات التي دفعوا بها للولاية على الزواج تحدثت عن رعاية الأسرة وتماسكها بما في ذلك العلاقة السوية الراشدة، وحضور المرأة بنفسها لمراسم عقدها في ظل وجود وليها لتكون طرفاً أصيلاً في التعاقد مباشرة حتى تعبِّر عن رغبتها ورضاها، وهو الأمر الذي ذهبت إليه التعديلات، وهو ما اشترطته الشريعة الإسلامية، ومضى قائلاً: ليس هناك ما يسمى زوجتك (مجبرتي)، لأن الإجبار هو اغتصاب يوقع فاعله تحت طائلة القانون الجنائي، وزاد: الزواج بهذه الطريقة قابل للإبطال ولا ينفذ إلا إذا أجازته العروس بنفسها، وحال اعتراضها فإن القاضي يرفض هذا العقد، وإذا ذهبت للتزوج في غياب وليها فلوالدها الحق في الاعتراض وإثبات كفاءة زوجها، فإن فشل فلا يتم فسخ العقد، واستطرد: من هذا المنطلق نجد أن الولاية على المرأة ليست سوى للاطمئنان على حسن الاختيار، وفقاً للمذهب “المالكي” و”الشافعي” و”أحمد بن حنبل”، في الوقت الذي أسقطه الإمام “أبو حنيفة” والإمام “بن قدامة الحنبلي” المذهب، معتبراً حديث الرسول حول ولاية المرأة ضعيفاً من حيث السند. 
وتساءل “عبد الرازق”حول مباركة علماء السودان للدستور الانتقالي لعام (2005) الذي تضمن المادة نفسها قائلاً: ما الذي جعل مباركة المادة حلالاً في دستور نيفاشا وحراماً في تعديلات دستور 2017م. وزاد: هذه هجمة سياسية منظمة وراءها جيوب داخل المؤتمر الوطني هم أصلاً ضد الحوار وضد الآخرين والرئيس ليس منهم، ونحن الآن نرفع راية التحدي لكل من صلى في مسجد النور أو مسجد جبرة أو المسجد الكبير. ونقول إن هذا محض كذب وافتراء والتعديلات ليست لها علاقة بالولاية تماماً.
هيئة علماء السودان: التعديل يخالف رأي جمهور الفقهاء
 وفي السياق نفى رئيس هيئة علماء السودان بروفيسور” محمد عثمان صالح” لـ (المجهر) استغلالهم من قبل أي جهة لإثارة أي هجمات سياسية وخلافه، مشيراً إلى بعدهم عن أي مماحكات سياسية، قائلاً: نحن لسنا معنيين بهذه الخلافات إلا ما يتصل بعقيدتنا وديننا والعرف القائم بالنسبة للمسلمين، ولذلك نحن تناولنا بعض القضايا، وأضاف: لقد تم استفتاؤنا وطلب مشورة الرأي من قبل المجلس الوطني سواء أكان ذلك في هيئة العلماء أو في عضويتنا في مجمع الفقه الإسلامي، وقلنا رأينا وهو أن هذا النص الجديد مشروع لإسقاط القوامة والولاية من المرأة، وهذا ما يخالفه رأي جمهور فقهاء الأمة الذين يعتمدون على الحديث الشريف (لا نكاح إلا بولٍ وصداق وشاهدي عدل)، وهذه هي الأركان المهمة المتفق  عليها وماعدا ذلك يختلف فيه الناس.
بروف “محمد عثمان صالح” : لم نبارك تعديل دستور 2005
 وذهب بروفيسور “محمد” في حديثه لـ (المجهر) متسائلاً عن الأهمية حضور العروس لعقد زواجها بنفسها والقيمة المجتمعية التي تضيفها، قائلاً: هذا الطرح ليس لديه قيمة في مجتمعنا، لأنه مجتمع محافظ، وكون أن تكون الزوجة حاضرة فإن هذا يعد تشريعاً جديداً للمجتمع السوداني ولا أهمية له، ومضى بالقول: لم نبارك تعديل دستور 2005م،  سيما أن الظروف التي وضع فيها كانت مختلفة ومعلومة لدى الناس، فقد كانت هناك أقلية معتبرة من أهل الجنوب في السودان، ولم يكن على النص أي اعتراض، لكن النص الوارد حالياً تحدث على مسألة الولاية التي أن أسقطناها ترتب عليها ضرر بليغ وحدوث فتنة، واستطرد: (الرئيس ليس هو السلطة المخوَّل له تعديل الدستور، وقام بإيداع التعديلات هذه وتسليمها للمجلس الوطني.
رأي قانوني
وفي قراءة قانونية حول الزواج بواسطة القاضي (إذن زواج)  دون ولي الأمر وفقاً لقانون الأحوال الشخصية، فقد أكد المحامي “جلال عبد الله” أن نسبة حدوثه ضعيفة، ولا يعد ظاهرة متفشية بين الناس، لافتاً إلى حدوثها كل أربعة أعوام أو خمسة، بمقدار حالة واحدة، بحد تعبيره، وقال: الزواج بواسطة المحكمة لا يعد أمراً يسيراً، بل يتم عبر إجراءات عدة ومخاطبة اللجان الشعبية للحي للسؤال عن العريس المتقدم ومعرفة بياناته من ثم الإفتاء بزواجه أو عدمه، وزاد: مثل هذا الزواج على الرغم من تضمن نصه القانون، إلا أنه يعد دخيلاً على عاداتنا السودانية، والأحق للزوجة حضور عقد نكاحها بنفسها، لكن من ناحية العرف فإن المسألة ليست مقبولة.     
يشار إلى المادة التي أثارت هذا الجدل، حق التزاوج ورعاية الأسرة في مقترح ملحق التعديلات الدستورية نصت فقرته الأولى على أن الأسرة تعد الوحدة الطبيعية والأساسية للمجتمع، ولها الحق في حماية القانون، وعند بلوغ سن الرشد المقرر قانوناً يجوز التزاوج بين الذكر والأنثى بالتراضي وبالتعاقد مباشرة أو وكالة، وتسير الأسرة وفق دين الأطراف أو عرفها، ويرعى المتاع والوصايا والمواريث بعد الموت وفق ما يلي المعنيين من دين أو عرف أو قانون، فيما تضمن الفقرة الثانية تطلع الدولة بحماية الأمومة ووقاية المرأة من الظلم وتعزيز المساواة بين الجنسين وتأكيد دور المرأة في الأسرة وتمكينها في الحياة العامة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية