رأي

لا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيكم إن لم تسمعوها

 أصدرت الحركة الشعبية بيانان حول اعتداءاتها الأخيرة على قبائل الحوازمة الرعوية بولاية جنوب كردفان، حيث صدر البيان الأول يوم 11/1/2017، أي بعد يوم من حادثة “الحجيرات”، بينما صدر البيان الثاني يوم 16\2\2017 بعد أن حاصرتها المعلومات والحقائق التي تؤكد تورطها في هذه الأحداث المؤسفة، والفرق بين البيانين هو أن الأول إنكاري واعتذاري، بينما اعترف البيان الأخير ضمنياً بتورط الحركة في هذه الأحداث ليمهد الطريق لبيان ثالث لتقول فيه إن الذين ارتكبوا هذه الفظاعات هم متفلتون وقمنا بمحاسبتهم، هذا فضلاً عن محاولة صرف الأنظار عن قضية الحوازمة العادلة بالإساءة إلى شخصي وآخرين من خلال تحوير الأمر إلى موضوع سياسي عسى ولعلها قد تجد من خلاله بعض الحجج التي تواري بها سواءاتها التي انكشفت لكل أهل السودان، وعليه أود أن أوضح الآتي:-
أولاً:- إن موقفي في هذه القضية ينطلق من مسؤوليتي كرئيس لهيئة شورى الحوازمة، وبالتالي من واجبي الدفاع عن حقوق القبيلة وحماية أفرادها، ليس انطلاقاً من جهوية أو عصبية قبلية ولكن الواجب الديني والأخلاقي والإنساني يفرض علينا أن نقف ضد قتل الأطفال واستهداف الأبرياء ونهب ممتلكات الناس، وبهذا الفهم فإن هذه القضية ليست هي قضية الحوازمة فحسب، بل هي قضية كل أهل السودان والعالم أجمع باعتبار أن هذه القيم والمعاني أصبحت تشكل القاسم المشترك للإنسانية جمعاء، وهذا هو السر الذي جعل هذه القضية تجد المناصرة والتأييد على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
ثانياً:- لقد ذكر البيان أن علاقة الحركة الشعبية مع القبائل العربية والحوازمة، علاقة مصير مشترك، بينما الآخرون يسعون إلى زرع الفتنة، فالسؤال هو: من الذي يزرع الفتنة.. الذي يقتل الأطفال وينهب الأموال أم الذي يدعو لرد الحقوق إلى أهلها؟
هذا الكلام عبارة عن ضحك على الدقون وذر رماد على العيون، إن كنتم صادقين حقاً في علاقة المصير المشترك التي تحدثتم عنها، عليكم رد المواشي لأصحابها وتقديم الجناة للعدالة والاعتذار لقبيلة الحوازمة والكف عن هذه الممارسات بدلاً من الهروب من القضية بالإساءة للآخرين، فلا تفترضوا في الحوازمة السذاجة والغباء لدرجة أنهم لا يعرفون العدو من الصديق، لن يستطيع أحد أن يستغلهم في تنفيذ أجندته السياسية، لا أنتم ولا المؤتمر الوطني.
ثالثاً:- البيان تحدث عن لجنة تحقيق، ولعمري لم أرَ يوماً أن مذنباً نصب من نفسه محققاً لينصف ضحيته، فيا أيها القائد “جقود مكوار” والقيادة هي قدرة التأثير على الآخرين، إنك لا تحتاج إلى لجنة  تحقيق، فإذا أردت معرفة الحقيقة ما عليك إلا الاتصال بالعميد “نميرى مراد” والعقيد “الباقر” اللذين أشرفا على توزيع الأبقار على المعسكرات، وسوف تعرف كم كان نصيب “الجغيبه” مقر قيادتك من هذه الأبقار، وكذلك نصيب “تبانيا”؟.. هذا من جانب، ومن جانب آخر على حزب الأمة القومي أن لا يجعل من قواعده كبش فداء لعلاقة مجهولة الهوية، فحسناً فعل السيد الإمام حينما رفض رئاسة نداء السودان، لأنه يضم حركات مسلحة غير خاضعة للمساءلة، ولذلك لن يتحمل تصرفاتها، وعليه نرجو من حزب الأمة القومي الابتعاد عن مسرحية التحقيق السيئة الإخراج، فهي ليست سوى محاولة من الحركة لتغطية آثار الجريمة، فزملائي الذين عرفتهم عبر السنين لا يمكن أن تجعل الحركة منهم مغفلاً نافعاً، فإذا كان هنالك تحقيق ستقوم به جهة محايدة وغالباً ما  يكون المجتمع الدولي، وهو يملك من المعلومات في هذه القضية ما يؤهله للقيام بهذا الدور.
رابعاً:- لقد ذكر البيان أنني من المتلهفين وراء مخرجات الحوار الوطني، وإذا كان المقصود بهذه العبارة هو السعي نحو السلطة، فلتعلم الحركة الشعبية أنني تركت السلطة بمحض إرادتي عندما قدمت استقالتي في 2004، على خلفية اختلافنا مع المؤتمر الوطني حول البرنامج آنذاك، ورفعنا راية النضال فدخلنا السجون والمحاكم في وقت كانت فيه الحركة هي الشريك الأول للمؤتمر الوطني في السلطة، ولذلك لن يستطيع كاتبو البيان أو الذين يزودونهم بالمعلومات من خلف الستار، أن يزاودوا علينا في هذا الأمر،  ولست من الذين يجعلون من القبائل سلماً للوصول للسلطة، لأنني أؤمن بنظرية (من أبطأ به عمله لن يسرع به نسبه).
 وأما الحديث عن الحوار فإنني على قناعة بأنه الوسيلة الأفضل والأمثل في التعاطي مع القضايا المختلفة في ظل معطيات الواقع السوداني الراهن، وليست لديّ غضاضة أو حرج في محاورة أي سوداني في القضية الوطنية طالما نحن نعترف بالآخرين وحقهم في أن يكونوا آخرين.
لقد ذكرت هذا الحديث لأرد على ما ذكرتموه في بيانكم حول شخصي بالرغم من أنكم لا تعرفونني، ولكن أعلموا بأنني خلعت جلباب السياسة والآن أتعامل في هذه القضية كابن قبيلة  تعرضت لأبشع أنواع الظلم من الحركة الشعبية باستهداف ممنهج يستهدف بقاءها كعنصر في المنطقة.
خامساً:- ورد في البيان بأن الحركة سجلها نظيف خلال الـ(30) عاماً الماضية، يبدو أن كاتب هذا البيان مصاب بالزهايمر، كيف نسى أو تناسى مجازر “القردود” و”الأزرق” و”التيس” و”الحمرة”  و”أم سفيفة “، ولكن دعني أكتفي بحادثة واحدة؛ قبل عامين تم نهب أبقاري وأبقار شقيقي “سومي الباشا” بواسطة الحركة الشعبية التي ذهبت بها إلى منطقة “جلد”، وعندما وصلتني المعلومة قمت بالاتصال بقائد الحركة بمنطقة “جلد”، فبعد أن عرفته بنفسي أكد لي بأن الأبقار وصلت وموجودة بحوزته، فما كان مني إلا أن أعطيت الاسم والتليفون للسيد “نصر الدين الهادي” والذي قام بدوره بالاتصال بالأخ “عبد العزيز الحلو” الذي تأكد بنفسه من وجود الأبقار بمنطقة جلد، وعلى ضوء ذلك قام الحبيب “نصر الدين” بتكليف الحبيب “عادل المفتي” الذي اتصل بي من جوبا، والذي أبلغني بأن الأخ “عبد العزيز” يقول إن أبقاركم موجودة وسوف ترجع، ولكن حتى اليوم لم ترجع بقرة واحدة، ومن أراد أن يتأكد من صحة هذه الواقعة فليتصل بأي من الأسماء الواردة في هذه الحادثة، ولم أتحدث عن هذا الموضوع لأنه يخصني شخصياً، ولكن اليوم الموضوع متعلق بآخرين، ولذلك لا تراجع عن هذا الموضوع حتى ترد الحقوق لأصحابها، ونحن على استعداد للتضحية بأرواحنا من أجل إحقاق الحق.
سادساً:- إن هذا الموضوع متعلق بقبيلة تم الاعتداء عليها، وليست سياسة، فكلما تحدثنا عن هذه القضة تتهرب الحركة بالحديث عن المؤتمر الوطني، فنحن لا يمكن أن نتهم جهة دون أدلة وبراهين، فلدينا معلومات دقيقة عن تورط الحركة في هذه الأحداث، ولا تنسَ الحركة أن مجتمع جنوب كردفان تربطه صداقات وعلاقات تاريخية وهو على تواصل يومي سواء أن كان في مناطق سيطرة الحركة أو الحكومة، وبالتالي إنني متأكد من أن الذين يكتبون هذه البيانات سوف يرفعون حاجب الدهشة لو كشفنا لهم ما بحوزتنا من معلومات في هذا الأمر، ولذلك أرجو من الحركة أن تدير معاركها مع المؤتمر الوطني بعيداً عن شؤون القبيلة، فنحن نطالبها باسترداد الحقوق المنهوبة لأهلها والكف عن الاعتداءات المتكررة.
سابعاً:- إنني أتوجه بأسمى آيات الشكر والعرفان لأعضاء الحركة الشعبية الذين انحازوا لكلمة الحق وكانوا وما زالوا يقفون مع القبيلة في استرداد حقوقها، فهؤلاء هم أهل المصير المشترك الذين نعوِّل عليهم في تحقيق الاستقرار والسلام على مستوى الولاية والسودان أجمع.
ختاماً نؤكد بأننا دعاة سلام وتعايش بين كل مكونات الولاية وفقاً لمبدأ القبول المشترك والاحترام المتبادل، وسوف نسعى جاهدين نحو تحقيق التماسك الاجتماعي، وتعزيز التعايش السلمي الذي خطه الرعيل الأول من الآباء والأجداد الذين ضربوا أروع الأمثال في صناعة وبناء السلام.

عبد الجليل الباشا محمد أحمد
رئيس هيئة شورى الحوازمة

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية