كبرت آلامنا
عندما وقفت السيارة السوزوكي الجديدة.. صغيرة الحجم أمام منزل كبير له حراس وبوابة مفتوحة على الشارع العام.. تأملت جذع شجرة المهوقني.. التي تمتد ظلالها عند ساعات النهار.. أما السيارة السوزوكي فهي من اجتهادات وزير مالية بغرب كردفان د.”آدم محمد آدم” استبدل سيارات اللاندكروزر التي تجاوز سعرها الآن مليار ونصف المليار جنيه بسيارات لا يتعدى سعرها الـ(250) جنيهاً.. وقد رفع الوزير سياسة إصلاحية في الولاية البترولية (سوزوكي لكل وزير) ليعيد للأذهان قصة قديمة بطلها وزير مالية سابق بتلك الولاية د.”عيسى بشري” الذي اشترى لكل وزير تم تعيينه عام 1994م، زيراً لشرب الماء. وحينها رفع د.”عيسى” شعار (زير لكل وزير).. والفولة في ذلك الزمان كانت قرية أو محطة قطار اختارها د.”علي الحاج” عاصمة للولاية الجديدة، بينما كانت رؤية د.”فيصل حسن إبراهيم” أن تصبح الأضية هي العاصمة.. لكن د.”علي الحاج” كان يتكئ على ذراع “الترابي” و”فيصل” يتكئ على ذراع د.”نافع علي نافع”.. ولأن الفولة في ذلك التاريخ بلا كهرباء ولا طرق مسفلتة ولا مياه من الصنابير، احتفى الوزراء بأزيارهم وقد شيد رجل الأعمال “حسن صباحي” منزلاً لكل وزير.. أما اليوم فوزراء غرب كردفان نصيبهم سيارات (سوزوكي) صغيرة الحجم وتم حرمانهم من اللاندكروزر “الأوباما”.. و”ليلى علوي”.. و(لهيب الشوق).. تلك أسماء السيارات الفخيمة. ونزولاً لسياسات التقشف التي أعلنتها الحكومة.. حرم الوالي “الأمير” وزراء حكومته من تبديد المال، أما الشجرة التي تمددت وغطت مساحات كبيرة أمام منزل الوالي فقد كان كاتب هذه الكلمات شاهداً يوم غرسها مع شجيرات أخريات جاء بها وزير الزراعة “خيري القديل أرباب” كشتول لتزرع في شوارع مدينة الوزراء وداخليات الحكومة التي شيدت.. وتم تكليف صاحب كارو لسقي الشجيرات التي زرعت في تلك الأيام، وقد وقفت هذا الأسبوع تحت ظلالها فنما الجذع وتمددت الأفرع.. وتأملت السنوات التي تسربت من عمر الحكم الإنقاذي الطويل.. وقد شهدت زراعة شجيرات النيم والمهوقني وتشييد منازل الوزراء وأنا صحافي أكتب التقرير.. والخبر.. واليوم أقف في ذات المكان كل شيء تبدل، الرجال الذين كانوا صناع أحداث.. بعضهم انتقل للدار الآخرة.. وبعضهم اختار المعارضة.. وآخرون جلسوا في الرصيف بعد الاستغناء عن خدماتهم فأصبحوا إما مشجعين أو ناقمين على كل شيء.. (الفولة الحميرة) التي يصفها أهلها المسيرية الفلايتة بشبيهتها الخرطوم.. أصبحت مدينة كبيرة، الشوارع أسفلتية والإضاءة حتى الصباح والأحياء تمددت وإستاد لكرة القدم.. ومسرح تغنى فيه “حسين الصادق” و”فهيمة عبد الله”.. والإنقاذ التي كان مدير تلفزيونها يضع حجاباً لشعر الممثلات وأرجلهن.. وإدارة الرقابة على المطبوعات تظلل شعر وصدور صور الممثلات في المجلات قبل أن تصل للقارئ، أصبحت تستقبل “ندى القلعة” وتطرب لـ”فهيمة” (وتغني للطيور الما بتعرف ليها خرطة).. تسربت سنوات العمر السياسي من الإنقاذ وأصبحت حتى الثلاثين من يونيو ذكرى منسية.. وذاتياً فقد ضعف البصر.. وهرب الشباب وأقبل الشيب والوقار وانتهت المغامرات.. وأطلت الواقعية وأصبح الأبناء يزرعون الخوف في الجوف.. ولكن الإنسان لحظات وقوفه متأملاً في نفسه وأخطائه ومسيرته قليلة ونادرة مثلما تشيح الحكومات بوجهها عن النظر لصورتها أمام مرآة الشعب لمعرفة الحقيقة بعيداً عن تجميل المجملين.