بعد ومسافة
رسالة إلى اليمين الأوروبي: الشعب يريد إسقاط النظام!!
مصطفى أبو العزائم
صديقي (ص) يعلم مدى ما يربطني بالأخ الكريم (أ.م.آ) وهو عضو فاعل في إحدى حركات دارفور، ويقيم بالعاصمة البريطانية (لندن)، وقد قويت أواصر العلاقة بيننا أول تسعينيات القرن الماضي في العاصمة الليبية (طرابلس) أيام حكم العقيد الراحل “معمر القذافي” الذي اصطنع له جيشاً مسلحاً من أبناء دارفور، بدأ تجنيد أفراده من خلال النادي السوداني، الواقع خلف عمارة (طاطاناكي) في شارع الشهيد “محمد المقريف”، ولم يكن مكتبي في مؤسسة القدس الإعلامية يبعد عن مقر النادي السوداني إلا بمقدار ما يبعد النهر عن مجراه.
طلب إليّ صديقي (ص) أن اتصل على الأخ (أ.م.آ) في لندن لأنه قال له إن الوصول إلى هاتفي أمر عسير، وما دري أن العسر ليس في الوصول إلى هاتفي بقدر ما هو اضطراب غير محسوب في شبكة الاتصال عموماً.
أجريت اتصالاتي بالأخ (أ.م.آ)، وقد أبدى تذمره من تصرفات بعض منسوبي الحركات المسلحة، وسعيهم لأن يتعاونوا مع قيادة الحزب الشيوعي فرعية بريطانيا سعياً وراء إسقاط النظام في الخرطوم، مبدياً تخوفه من أن يستغل الحزب الشيوعي هذه الحركات في خدمة أجندته السياسة، دون أن يدفع مقابل ذلك “بنساً” واحداً، ودون أن يطلق رصاصة واحدة، مثلما فعل عندما استغل الحركة الشعبية لتحرير السودان لتحمله على ظهرها، مثلما يفعل الآن مع قطاع الشمال.
سألت صديقي (أ.م.آ) عن أسباب ضيقه وتبرمه، خاصة وأن الكثيرين من أعضاء حركات دارفور محصنون ضد الاستغلال السياسي، إذ حاولت أحزاب ذلك من قبل وفشلت، لكن الرجل أجابني بأن الحزب الشيوعي فرعية بريطانيا وأيرلندا الشمالية دعا بعض أعضاء هذه الحركات التي يقودها “جبريل إبراهيم” و”مني أركو مناوي” و”عبد الواحد محمد أحمد النور” إلى اجتماع، تم بالفعل في أحد فنادق العاصمة البريطانية مساء الثالث والعشرين من يناير الماضي، ضم من الحزب الشيوعي “علي كنين”، و”عبد الملك العبيد” و”صلاح حسن”، و”محمد عثمان عبد الحميد”، بينما ضم من حركة العدل والمساواة “جبريل آدم بلال” ومن حركة تحرير السودان (جناح عبد الواحد) كلاً من “مروان إسماعيل” و”فيصل عبد الله”، ومن حركة تحرير السودان (جناح مناوي) كلاً من “محمد بشير أبو نمة” و”تية”.
قال صديقي الغاضب (أ.م.آ) إن أجندة الاجتماع كانت جنداً واحداً رئيسياً هو (تنسيق وتوحيد عمل المعارضة السودانية)، وقد تحدث ممثل الحزب الشيوعي فرعية لندن “علي كنين” وأعلن عن عزمه القيام بجولة أوروبية يلتقي خلالها بعدد من قيادات حركات دارفور، خاصة القيادات الوسيطة، لبحث تنسيق الجهود في العمل المعارض، وقد أشار إلى أنه التقى بمسؤولين في وزارتي الخارجية الهولندية والفرنسية، لكنه أحبط تماماً لأنه اكتشف تعاطفهم وتعاطف حكوماتهم مع الحكومة السودانية التي أنجزت ما كان الأوروبيون يسعون لإنجازه، وحققت أهدافهم المتمثلة في مكافحة الهجرة غير الشرعية، وتعاونت مخابراتياً مع الدول الأوروبية بخصوص تحركات وأنشطة المتطرفين والإسلاميين.
ما سبق لم يكن هو السبب الوحيد في إحباط مبتدر الحديث في ذلك الاجتماع، بل كان هناك سبب آخر تمثل في صعود الأحزاب والتيارات اليمينية، وفوزها المتوقع في بعض الدول الأوروبية الكبرى، مثل فرنسا وألمانيا، لأن هذا في تقديره لن يكون لصالح المعارضة السودانية، لأن تلك الأحزاب متصالحة مع سياسات حكومة الخرطوم.
قال لي صديقي (أ.م.آ) في المحادثة الهاتفية الطويلة التي جرت بيني وبينه إن ممثل الحزب الشيوعي فرعية بريطانيا، قال في الاجتماع إن الضرورة تحتم على المعارضين أن يتحدوا وأن ينسقوا الجهود حتى تسمع أوروبا والعالم أصواتهم، وذكر أنه عندما سأله مسؤول هولندي عما سوف تفعله حكومة السودان إذا تمت مساعدتها بمبلغ مائة مليون يورو؟ أجاب على الفور بأن هذه الأموال سيتم توظيفها لشراء أسلحة ودعم قوات الدعم السريع، وتحويل ما تبقى منها إلى حسابات المسؤولين بدولة ماليزيا!
الاجتماع حسب إفادات محدثي لم يخرج عن هذه الأطر التي تحيط باتهامات مفترضة مع المطالبة بوقف الدعم الإماراتي الأخير للسودان البالغ (500) مليون دولار- الوديعة – من خلال التظاهر ومخاطبة السفارات ومنظمات حقوق الإنسان لأن هذا الدعم سيتم توظيفه لشراء المزيد من السلاح لقتل المدنيين والأبرياء على أيدي قوات الدعم السريع.
كنت أستمع مندهشاً لما يقول به صديقي (أ.م.آ) عن ذلك الاجتماع والذي يبدو لي– والله أعلم– أنه من المشاركين فيه لدقة وجلاء نقل الأحاديث والتفاصيل، خاصة في تنسيق العمل المعارض للأحزاب السودانية بما يتطلب عقد ندوات وورش عمل وسمنارات عبر آلية موحدة لإطلاق الدعوة لعصيان مدني جديد، والعمل على إخراج التظاهرات المناوئة للنظام، وهذا يتطلب مثلما قال المشاركون في الاجتماع أن تساند حركات دارفور الحزب الشيوعي الثابت دائماً على المواقف الرافضة للتسلط والقهر.
محادثة صديقي (أ.م.آ) حالت بيني وبين ما وددت الكتابة عنه، وهو ضبط (مصنع متفجرات) في أركويت بالخرطوم يديره أجانب، وتساءلت إن كان للأمر صلة!