الوطني.. تخلينا عن شعارات إراقة الدماء وأقبلنا على أخرى جديدة
شاهد على مؤتمرات الوطني التنشيطية
د.”فيصل” أمين الاتصالات التنظيمي يفض الشراكة مع الأحزاب الحليفة في الانتخابات القادمة
غرب كردفان: يوسف عبد المنان
مع المتغيرات الداخلية والخارجية وشعور المؤتمر الوطني بالراحة بعد سنوات من الضغوط الخارجية التي (خنقت) البلاد وحرمتها من التطور التقني.. وبعد أن وضعت حرب دارفور أوزارها.. ومال ميزان النصر غير الحاسم لصالح الحكومة، ووضعت تطورات الأحداث الأخيرة بتسوية الحكومة علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية، وضعت متمردي حركة قطاع الشمال في (حيز) أكثر ضيقاً من ثقب الإبرة.. أخذ المؤتمر الوطني يبدِّل من لغة مخاطبة الجماهير.. ويرمي بالشعارات القديمة وراء ظهره.. ويتحدث قادته لأول مرة جهراً أمام قواعدهم ويطالبون بتجديد لغتهم وتبديل شعاراتهم وحتى موروثهم الغنائي الحماسي الذي ظل لـ(27) عاماً، يتردد بذات النغم واللهجة والأداء في ساحات التعبئة لقتال الفرقاء الآخرين، وفي دهاليز ومنابر الحزب الذي كاد أن يرتدي الكاكي ويصبح حزباً عسكرياً بملابس مدنية، ولكن من خلال يومين في مدن وقرى وأرياف ديار المسيرية وديار حمر، متابعاً للمسؤول التنظيمي الأول عن حزب المؤتمر الوطني، د.”فيصل حسن إبراهيم” ومساعده والمسؤول الأول عن قطاع إقليمي كردفان والنيل الأبيض، المهندس “حسب الله صالح” وعدد آخر من قيادات الحزب التنظيمية تبدت في مخاطبات هؤلاء القادة التغيُّرات الكبيرة جداً في خطاب المؤتمر الوطني شكلاً ومضموناً.. وقد بعث د.”فيصل حسن إبراهيم” برسائل شديدة الوقع إلى بريد حلفاء المؤتمر الوطني من أحزاب حكومة الوحدة الوطنية، متوعداً هؤلاء بغروب شمس حقبة حمل الوطني لحلفائه على أكتافه.. وقرب فطامهم من ثدي ظل يغذيهم بلبن السلطة إلى حد تحريك هذه الأحزاب لأذنابها دليل ارتواء ومتعة الرضع مثل: (السخيل) وهو صغير الغنم.. كان ذلك هو خطاب المؤتمر الوطني في الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان، ولكن حينما توغَّل الحزب في رمال بادية حمر بالنهود.. ومن داخل نادي السلام الذي أسس 1917م، وتستعد النهود للاحتفال بمئوية نادٍ اجتماعي وثقافي ورياضي، مثلما احتفت جارة النهود من الغرب مدينة الفاشر التي احتفلت بسلطان البلاد “علي دينار” بطريقتها الخاصة، وفي نادي السلام النهود اختار المؤتمر الوطني أن ينعي لعضويته شعارات، فلترق منا دماء أو ترق منهم دماء أو ترق كل الدماء.. وحمل د.”فيصل” ومساعده الأول “حسب الله صالح” رمال النهود الناعمة ودفنوا في جوفها تلك الشعارات، بل طالب “حسب الله صالح” المطرب الذي يغني بأناشيد تسعينيات القرن الماضي بأن يكف عن ذلك ويغني للمحبة والسلام والإنتاج، وربما وجدت في تلك اللحظة تفسيراً لأسباب احتفاء المؤتمر الوطني في الفولة بانتهاء عقد مؤتمرات الأساس بالفن من خلال ليلة غنائية مهندسها ومخرجها المعتمد الصحافي “فضل الله رابح” والمغني الأول فيها “حسين الصادق” ومقدمها “سعد الدين حسن” وأكثر من عشرة آلاف من الرجال والنساء والأطفال يرقصون وينثر المطرب الشاب الفرح في ديار كانت حزينة حتى قبل سنوات، ولم يغن في تلك الليلة “قيقم” ولا “محمد بخيت” من رموز الفن الجهادي المحفوظ.
لقاوة.. أمارة وحلاوة
حشدت عشيرة المسيرية الزرق يوم (السبت) أمس، الأول كل رموزها.. واستحضرت تراثها الغنائي وموروثها في الرقص وعلاقاتها الرحمية مع النوبة والداجو.. وخصوصية اتفاق مكونات مجتمع لقاوة مع الحركة الشعبية التي تقاتل الحكومة في كل مكان باستثناء لقاوة التي وقعت اتفاقية سلام مع المتمرد في يوم اندلاع الحرب في 6/6/2011م، بكل من جنوب كردفان والنيل الأزرق.. احتفلت لقاوة المجتمع بتنصيب الناظر “الصادق الحريكة عز الدين حميدة” كناظر لعموم المسيرية الزرق، بعد أن مزقت الحكومة نفسها، قبيلة المسيرية إلى أفخاذ صغيرة و(أمارات) متعددة.. ظناً منها في بدايات عهدها بالسلطة أن تشظي النظام الأهلي من شأنه إضعاف نفوذ الأحزاب الطائفية وسط تلك المجتمعات، وإذا كان اللواء “الحسيني” حاكم كردفان مطلق الصلاحيات في بدايات عهد الإنقاذ قد جعل للمسيرية (17) أميراً، وأكثر من (160) عمدة، فإن حاكماً آخر لغرب كردفان هو الأمير “أبو القاسم الأمين بركة” جاء من أقصى غرب السودان مثلما جاء اللواء “الحسيني” من أقصى شرق السودان.. “الحسيني” مزَّق أحشاءها و”بركة” وحدها.. وقد نجحت خطة الوالي الشاب في توحيد قبيلة المسيرية في ثلاث نظارات كبيرة، وأعاد لها كينونتها من خلال نظارة عموم المسيرية ليستعيد سلطة وهيبة وتاريخ الناظر “بابو نمر”.. واحتفالية (السبت) الماضي بمدينة لقاوة، كانت ميلاداً لأول (نظارة) للمسيرية الزرق بكافة بطونهم (غزايا.. أولاد هيبان عنينات.. درع). تنازل الأمير “إسماعيل محمد يوسف” وتنازل الأمير “حمدية أبشر”.. وتنازل بقية أمراء القبيلة طوعاً واختياراً واحتراماً لسياسات الوالي “أبو القاسم بركة” وانعقدت البيعة للناظر “الصادق الحريكة” خريج الجامعة والأستاذ الذي يعد نفسه للحصول على درجة الدكتوراة.. وهو يفتح صدر بيت بدون أبواب في لقاوة لمن هو (غاشي وماشي).. في حديثه أمام احتفالية المسيرية الزرق بناظرهم. أكد “فيصل حسن إبراهيم” مبعوث ومفوض الرئيس لينوب عنه، أكد دعم الحكومة لسياسات التصالحات القبلية ونبذ الحرب وأثنى على توحيد الإدارة الأهلية للمسيرية في كيانات كبيرة.. وعدد “بركة” الذي التف حوله المسيرية والحمر في سياسات الإصلاح الهيكلي للإدارة الأهلية، عدد الملفات التي حدث فيها اختراق كبير من تفاوض مع سبع عشرة من الحركات المسلحة، وتجفيف الحكومة لمنابع التمرد.. والقضاء على الانفلات والتهديد الأمني إلى إصلاح الحكم ومحاربة الفساد وإهدار أموال النفط في شراء الذمم وإفساد الناس.. وتجسدت قيم المؤاخاة بين كيانات كردفان بحضور زعيم البديرية “الزين ميرغني حسين زاكي الدين” وزعيم الجوامعة د.”هارون الطيب هارون” وزعيم دار حامد وناظر المسيرية الفلايتة الشيخ “عبد المنعم الشوين”.. ورئيس مجلس الولايات “د.عمر سليمان آدم” ود.”سليمان الدبيلو” ونائب رئيس حزب الأمة اللواء (م) “فضل الله برمة ناصر”.. وقريباً من ساحة احتفالية النظارة عقد المؤتمر الوطني مؤتمره التنشيطي لمحلية لقاوة، الذي خاطبته قيادات الحزب المركزية. وكشف المهندس “إبراهيم نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني بغرب كردفان عن مشاركة (4) آلاف، من النساء بلقاوة في مؤتمر الوطني التنشيطي و(2) ألف، من الرجال، ولم يقدم القيادي في الحزب “الباشا محمد الباش” تبريراً لأسباب الاستجابة الكبيرة لدعوة المؤتمر الوطني وسط النساء مقارنة بالرجال سوى القول: إن الوطني حزب أكثر فاعلية من غيره من الأحزاب.
الفولة ونهاية تحالفات
في المؤتمر التنشيطي لمحلية الفولة الذي أثبت إن الحزب الحاكم بصحة جيدة ولا ينقصه سوى قدوم الانتخابات المنتظرة.. ووسط حشد كبير من قيادات المدينة ورموزها.. أعلن د.”ناصر علي عمر” أحد القيادات المرشحة لدور كبير في القريب العاجل، أعلن عن انضمام قيادات مجتمعية ورموز حزبية من أحزاب أخرى للمؤتمر الوطني واستعدادهم في غرب كردفان لدفع ثمن استحقاقات الحوار الوطني.. ولكن د.”فيصل حسن إبراهيم” تحدث لقيادات الحزب في الفولة بصدق، وكشف عن استعداد حزب المؤتمر الوطني للانتخابات القادمة من خلال فض التحالفات الانتخابية الماضية، وإقرار سياسة جديدة بعدم التنازل عن أي دائرة لحزب شريك في السلطة أو حليف في المشروع السياسي.. فاتحاً الباب لكل الأحزاب للتنافس بحرية ولأن تكسب من عرق جبينها، وليس بعرق المؤتمر الوطني وأفضاله على تلك الأحزاب. وقال د.”فيصل حسن إبراهيم” رئيس قطاع الاتصال التنظيمي، وهو القطاع الذي يعلو على بقية قطاعات الحزب، ويمثل قلبه النابض ودمه الذي يغذي أطرافه، بأن المؤتمر الوطني بعد اليوم لن يتنازل عن أي دائرة لحزب ضعيف أو صديق.. وعلى الأحزاب أن (تشد حيلها) وتمشي على رجليها.. فقد انتهى عهد حملها على أكتافنا لدخول البرلمان. وكاد أن يقول د.”فيصل” (تعبنا من حمل الآخرين)، وإن كان لنا أن نستريح، وتلك اللغة الصريحة قد تجرح كبرياء أصدقاء الوطني وحلفائه وشركائه وتدفعهم للتجمع في كيانات كبيرة حتى يستطيعوا منافسة الوطني.. وأصدقاء الوطني وشركائه (استفادوا) من كثرتهم العددية، فهل يستفيدون من المرحلة القادمة بالتخلق في أحزاب كبيرة؟.
النهود ونهاية شعارات
كان حشد الجماهير كبيراً في النهود.. و”سالم الصافي حجير” الذي تقدم باستقالته من المؤتمر الوطني قبل شهرين من الآن احتجاجاً على تعيين معتمد النهود، يصعد لمنصة الاحتفال ممسكاً بيد “محمد أحمد عبد السلام” معتمد النهود.. والوالي “أبو القاسم بركة” يصف الشيخ “سالم” (قلبك أبيض وكلك حسن نية)، بينما ذرف شيخ وقيادي في الحركة الإسلامية الدموع وجففها بطرف ثوبه عند عناق الفريق “أحمد ونسي محمد خير”، فهل تذكر شيخ النهود الراحل “ونسي محمد خير” أم تذكر الصالح “صلاح ونسي” أم تذكر أيام “أحمد ونسي” في الجبهة الإسلامية. قال “حسب الله صالح” وهو يوجه نقداً مباشراً لهتافات أمريكا روسيا قد دنا عذابها.. بقوله: نحن في مرحلة جديدة تجدد فيها خطابنا السياسي.. انتهت مرحلة المواجهة مع الغرب ، الذي سعى للتصالح معنا، وها نحن نقدم الأيادي البيضاء.. علينا أن نغني للوطن بمفاهيم جديدة.. ولغة عصرية دون إراقة دماء.. وأضاف “حسب الله صالح” الشاب الذي يقود أمانة كردفان والنيل الأبيض، ربنا يحفظ دماء أهل السودان من أن تراق.. وربنا يحفظ دماء الإنسانية من أن تراق.. لماذا يا إخوتي ننادي بإراقة الدماء.. ولا ندعو لزراعة الأمل في الحياة.. ونثر المحبة والود، وأضاف: نحن مع الجمال والفن.. والعمل والإنتاج. ومضى د.”فيصل حسن إبراهيم” على ذات المنهج الناقد وقدم رؤية عن المستقبل.. وضرورة أن تصبح مؤتمرات الحزب لمواجهة الالتزامات السابقة والوعود التي بذلت ماذا تحقق.. ولماذا لم تتحقق كل الوعود؟.. لم تنته الرحلة عند النهود، ولكن كانت الخوي هي المحطة التي نعود إليها قريباً.