المؤتمر العام للشعبي.. لغم ينذر بالانفجار في طريق الحزب
من وما يؤخر قيامه؟
الخرطوم – عقيل أحمد ناعم
منذ اللحظات الأولى لرحيل الشيخ “الترابي” الأمين العام السابق للمؤتمر الشعبي، سارعت الأمانة العامة للحزب لتلافي الفراغ الكبير الذي خلفه
رحيل الزعيم التاريخي للحركة الإسلامية، فالتأمت في اجتماع طارئ قبل مراسم الدفن وكلفت “إبراهيم السنوسي” بمهام الأمين العام إلى حين انعقاد المؤتمر العام واختيار أمين عام جديد.. لتشكل نقطة المؤتمر العام بذرة أول خلاف بعد رحيل “الترابي” يخشى كثيرون أن يتحول إلى صراع خاصة في ظل توتر كبير وانقسام خلفه قرار هيئة القيادة بالمشاركة في الحكومة المقبلة، بجانب حساسية اختيار قيادة جديدة تستطيع سد الفراغ الهائل للقائد الكاريزمي للحزب، الأمر الذي يهدد الشعبي بهزات قوية قد تذهب بريحه ما لم تتدارك قيادة الحزب هذه البذرة قبل أن تتحول إلى نبتة شقاق يصعب عليها اقتلاعها إن رسخت جذورها في تربة الحزب المصدوم في غياب ملهمه ومؤسسه.
*مواقيت مسبقة
قبل رحيل “الترابي” في (مارس) من العام الماضي، كان مقرراً قيام شورى موسعة في (أبريل) من ذات العام، وشاع حينها أن “الترابي” كان ينوي وضع ترتيبات انتقال الشعبي إلى المنظومة الخالفة التي سخر لها “الترابي” أيامه الأخيرة، ولكن لم تنعقد الشورى ولم يأتِ الحزب على ذكرها بعد ذلك، ولكن بالمقابل انخرط الحزب خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي في حملة بناء تنظيمي موسعة انتهت بعقد المؤتمرات العامة لكل الولايات ولم يتبقَ إلا التئام السلطة الأعلى ورأس الهرم التنظيمي الممثل في المؤتمر العام، والذي حددت له الأمانة العامة (فبراير) الحالي دون تسمية يومٍ بعينه.
*المال أم (السنوسي)
قيادة الحزب تؤكد باستمرار أن المال وترتيبات الإعداد الروتينية العادية هي وحدها لا سواها، ما يؤخر عقد المؤتمر العام، نافية كل ما يروج عن خلافات أو أسباب خفية تحول دون الوصول للمؤتمر، وهو ما أمّن عليه نائب الأمين السياسي للحزب “يوسف لبس” بقوله لـ(المجهر) “التوقيت المقترح في فبراير ولكن لم يُحدد يوم بعينه، وما يمنع قيامه هو الإمكانات المالية والبشرية “، وأضاف “الآن فعلياً تمضي كل إجراءات المؤتمر”.
ولكن بالمقابل هناك أصوات من داخل الشعبي تعلو أصواتها في وسائل التواصل المختلفة تحمل “إبراهيم السنوسي” مسؤولية تأخُر انعقاد المؤتمر العام. ومضى أحد الكوادر القيادية الشابة بالمؤتمر الشعبي الذي فضّل حجب اسمه، لأبعد من هذا في تصريحه لـ(المجهر) بعد أن استوقفني ابتداءً وأنا أسبغ على “السنوسي” صفة (الأمين العام المكلف) ليقول “شيخ إبراهيم ليس أميناً عاماً ولا أميناً مكلفاً، بل هو قائم بأعمال الأمين العام عقب وفاته وفق نصوص النظام الأساسي”، مشيراً إلى أن صفة (التكليف) يتم منحها عبر هيئة الشورى ولا يصبح أميناً عاماً إلا باختياره في المؤتمر العام. وذهب القيادي الشاب إلى تحميل “السنوسي” المسؤولية الكاملة لعدم انعقاد المؤتمر وقال “السنوسي لا يرغب إطلاقاً في عقد المؤتمر العام”، ورمى “السنوسي” بتهمة (الرغبة في السلطة) والاستمرار في قيادة الحزب، وتحول محدثي إلى درجة أعلى من الوضوح والصراحة بقوله “السنوسي لا يؤمن بالحريات التي هي المشروع الأساسي للشعبي، وفي ذات الوقت يخشى من اختيار المؤتمر العام علي الحاج أميناً عاماً لمقدراته السياسية العالية التي تفوق الترابي نفسه، ولأنه قادر على تحقيق وتنزيل رؤية الشعبي في الحوار، بجانب إيمانه العالي بالحريات”، وأضاف “قد يكون هذا سبباً في تأخير المؤتمر العام”،
ولفت إلى قيام مؤتمرات جميع الولايات، ونفى بشدة وجود أزمة مالية تمنع قيام المؤتمر، وقال “القدرة المالية متوفرة وحدثت تبرعات للمؤتمر”.
إلا أن “يوسف لبس” بالمقابل له رأي مخالف تماماً وقال “كل هذه ظنون وأي شخص يقول ما يشاء”، وأضاف “الشعبي حزب مؤسسات ولا يمكن لفرد مهما كان وضعه أن يفرض رأيه على الحزب”، وأوضح أن المسؤول داخل الحزب يكون مطلعاً على تفاصيل ومعلومات لا تكون متاحة لمن هم بعيدون عن موقع المسؤولية، ونفى “لبس” حرص “السنوسي” على البقاء على سدة قيادة الحزب، مؤكداً أن الأمانة في عُرف الحركة الإسلامية تمثل مسؤولية تسيل الدموع خوفاً من توليها.
*جعل المشاركة أمراً واقعاً
كثير من المطالبين بعقد المؤتمر العام يُرجعون ما يرونه تلكؤاً من قيادة الحزب تجاه عقد المؤتمر، إلى كون القيادة تسعى إلى تغييب المؤتمر العام إلى ما بعد الدخول الفعلي للحكومة، حتى تصبح المشاركة أمراً واقعاً عندما ينعقد المؤتمر، فلا يستطيع المؤتمرون تغيير الواقع. ومرد خوف القيادة إلى أن قرار المشاركة قابلته كثير من قواعد الشعبي برفض واسع، ما يجعل المؤتمر مهدداً حقيقياً للقرار، وكل هذه التحليلات من ما يعده نائب الأمين السياسي “يوسف لبس” من الظنون التي لا يصدقها الواقع، ولكن الكادر القيادي الشاب يراها حقائق ويمضي لتأكيدها باتهام قيادة الحزب بعد “الترابي” بالفشل في تنزيل كل رؤى “الترابي” والأهداف التي كان يسعى لتحقيقها عبر الحوار الوطني، متمثلة في (حريات عامة لكل البلد، انتقال حقيقي عبر وجود رئيس بسلطات محدودة، ورئيس وزراء بصلاحيات تنفيذية حقيقية، وجهاز أمن لا يمثل قوة ضاربة) وقال “وبعد تحقق كل هذه الاشتراطات كان يرى الترابي أن لا يدخل الحزب الحكومة، وانتقل القيادي الشاب إلى مبررات أخرى يرى أنها تجعل مشاركة الشعبي لا تخدم رؤية الشعبي وأهدافه من الحوار”، وقال “الوضع الدولي والإقليمي الحالي غير داعم لإنجاح الحوار وفق رؤية الشعبي”.
*المخرج
قيام المؤتمر العام يبدو أنه المخرج الوحيد للشعبي لتجاوز سُحُب الخلاف التي تلبد سماءه، فهو الذي سيحسم أمر القيادة والأمين العام بما يمنع أي خلاف باعتباره أعلى سلطة حزبية، وذات الوضعية تعطي المؤتمر العام ميزة حسم ملف المشاركة في السلطة، ولكن هل بالإمكان الوصول قريباً للمؤتمر؟.. الكادر القيادي الشاب يرى أن هناك تيارات قوية وشخصيات من المغتربين تضغط لقيام المؤتمر بصورة عاجلة، وتوقع أن تفلح الضغوط في عقد المؤتمر.