حوارات

الدكتور "عبد الله علي إبراهيم" المفكر والقيادى بالحزب الشيوعى السابق فى حوار للمجهر (1)

ما زلت ماركسياً وخرجت من الحزب الشيوعي حفاظاً على ذات الماركسية
 (مافي زول رامي فوقي حبل).. و”نقد” لم يفعل شيئاً يحسب له كاختراق
أنا ميال لتيار المصالحة الوطنية ولا يوجد خائن للوطن بالمعنى القانوني
تحجبت “فاطمة” لتفجر حركة تحرير المرأة.. و”سعاد الفاتح” لم تقل كلمة في هذه المنطقة
النقابات صارت مرهقة وتعبانة ومن يصحو باكراً هو من يتسلم و(دي لعبة)
حوار – صديق دلاى
المقدمة
ربما لو استمر الدكتور “عبد الله علي إبراهيم” شخصية قيادية بالحزب الشيوعي لما اهتمت به الصحافة كما هي اليوم، فكلما عاد الرجل من الولايات المتحدة الأمريكية هرعنا إليه نطلب منه المزيد من الصراحة والوضوح وهما قيمة أساسية في المقابلة معه.. وربما زاد إيقاع صراحته مع (المجهر السياسي) وهو يوقع على جملة خطوط تجاوز فيها المألوف، مؤكداً أن الإسلام ليس كما يقال عنه إنه الحل، وأشار بشجاعة مبدئية أنه باقٍ على الماركسية وهي لم تضره مطلقاً في حياته، بل فتحت بصيرته وعلمته مع آخرين في بدايات القرن السابق فهم الاستعمار بشكل أعمق.. وأشار إلى مؤتمر الحزب الشيوعي السادس ووصفه بأنه مجرد اجتماع كبير للأفندية، وزاد بأنه كان فضيحة سياسية، كما قلل من جهود الراحل “نقد”، مؤكداً أنه لم يقم بأي عمل للحزب فيه اختراق.. وحافظ  “عبد الله” على لياقته قائلاً إن الحركة الإسلامية حركة ديمقراطية، وأعجب بنضالاتها ضد “عبود” و”نميري”.

{ تحت أية لافتة يتحرك ويعيش الدكتور “عبد الله علي إبراهيم”؟
–    أنا أعيش وأتحرك تحت لافتة الماركسية.
{ ولكنك خرجت من الحزب الشيوعي خروجاً كبيراً ومعروفاً؟
– خرجت منه حفاظاً على ذات الماركسية.
{ ولكنهم- أي أعضاء الحزب الشيوعي –  العنوان الرسمي للماركسية؟
– (ما عندهم ليها أي توظيف) ولا أي طرح يمثل الماركسية تمثيلاً صادقاً وصحيحاً، ولو كانوا ماركسيين ما خرجت، لكنهم ليسوا ماركسيين.
{ (وضح أكتر)؟
– حصلت مفارقة عندهم للماركسية ودخلوا في عجاجات ثأرية مع الإخوان تشبه حالة من التشفي السالبة والمجردة، وهي تنتج من حالة انقطاع في عملية التفكير.
{ طبعاً أوضحت أسباب خروجك من الحزب الشيوعي في بيان مشهور؟
– نشرت بياني عن لماذا تركت الحزب، وسببي (إلحاحي) لتوطين المثقف في الحزب، بشروط أهمها إطلاق عقدة اللسان ليتخطى عادات التفكير المتواطأ عليها وأن يفكر بإستراتيجية وبحرية.
{ وأسباب إضافية؟
– كنت ميالاً لتيار المصالحة الوطنية، ووصفت الأزمة عندنا في السودان بأنها أزمة وطنية وليست مشكلة حكم ومعارضة تستبدل ذلك الحكم، رجعياً أو إسلامياً.
{ حسب رأيك.. محتاجون أن نفكر في الوطن بدل الأحزاب؟
– من الذكاء أن نفكر أكثر من مسافة هذا خطأ وذلك صحيح ولا يوجد “زول خائن للوطن” بالمعنى القانوني.
{ أنت واضح جداً؟
– أنا واقعي جداً.
{ أنت مغضوب عليك من الحزب الشيوعي؟
–  لو جاز التعبير الأنثوي (مافي زول عندو حبل فوقي).
{ لابد أن هناك اتصالات بينك والنظام الحالي بسبب تباعد خطاك من الشيوعيين؟
– عرضوا عليّ منصب سفير ولكني رفضت.
{ سفير في موسكو طبعاً؟
– لو عرضوا عليّ موسكو وكنت راضياً بالمهمة لرفضت فوراً
{ أظنك مؤمن بتلاقي السودانيين حول الحد الأدنى  من البرامج؟
– نعم، وأظهرت ذلك الخط في واقعة الرق ومذبحة الضعين في 87، وهي أول محاولة أشتبك فيها.  واستطعت التدخل، وصوبت الجفاء الحزبي في كتابة عشاري بعد أن تنازل عن الخلق الأكاديمي لصالح الحركة الشعبية، وطالبت حكومة “الصادق” بالتحقق من تلك الوقائع كما حقق “الأزهري” في أحداث الجنوب 55.
{ هل توصلتم لشيء في هاتين  القضيتين؟
– رفضوا التحقيق وضاعت القضية ومعهم الضحايا، ومثلها ماتت قضايا بسبب عدم التحقيق مثل أحداث بورتسودان وكجبار وسوبا، مثلما ضاعت أيضاً أحداث بيت الضيافة بالرغم  من أن الدولة بحوزتها التسجيلات والشهود.
{ المتهم الرئيس في مذبحة بيت الضيافة هم الشيوعيون؟
– الشيوعيون لم يرتكبوها.
{ هل لديك أدلة؟
– نعم، عندي أدلة، وظني أن قوة ثالثة غير النميريين والشيوعيين ارتكبت المذبحة.
{ لم تحدد بدقة؟
– هم مجموعة من صف الضباط يمثلون قوة ثالثة، (ودي عندي مؤكدة جداً).
{ هل تعرف “هاشم العطا” جيداً؟
– لم أعرفه عن كثب.. لم أعرف سوى أنه ضابط مميز.
{ هل يمكن أن تفسر لماذا قام بالانقلاب؟
– الحزب الشيوعي قال إنه لم يستأذن منه لعمل ذلك الانقلاب.
{ تذكرنا بزمن النقابات؟
– النقابات صارت مرهقة وتعبانة ومنعت من الإضرابات، وانتقلت السياسة إلى الثكنات حتى وقتنا الراهن، وصار من يصحو باكراً هو من يتسلم و(دي لعبة).
{ إلى من ترجح كفة الميزان نحو “الترابي” أم “عبد الخالق محجوب”؟
– الاثنان عملا (حركات) في غاية الأهمية، وكانت مطلوبة ولها دور في حياتنا.
{ بمن تُرجح كفة الميزان؟
– “عبد الخالق محجوب”، لأنه قاوم فكرة الانقلاب ورفضها ودفع حياته ثمناً لها ومن 1956 ظل الحزب يرفض الانقلابات، ويطالب بطريق السلطة من خلال البرلمان، بينما “الترابي” قام بالانقلاب.
{ وإلى من ترجح كفة أخرى وفي الميزان “فاطمة أحمد إبراهيم” وفي الكفة الأخرى “سعاد الفاتح البدوي”؟
– “فاطمة” مميزة لأنها حملت لواء تحضير المرأة السودانية ودفعت الثمن باهظاً.. تحجبت حتى تؤكد أن قضيتها لا تختلط بأي دعوة لتحررها أو لتخرج عن التقاليد المرعية.
{ هل تحجبت “فاطمة”؟
– “تبلمت”، ومن وراء ذلك الحجاب فجرت حركة تحرير المرأة، وموجاتها ما زالت هي الموجات الحقيقية لكل الحقوق المكتسبة حالياً.
{ في الميزان امرأتان.. بمن تُرجح الكفة؟
– الحركة الإسلامية لم تكن ذكية في موضوع المرأة حتى جاء “الترابي” في كتابه عن المرأة وكسر الحاجز وكان اختراقاً كبيراً.
{ تلوح بدور “سعاد”؟
– كل الحركة الإسلامية انتكست في هذه المنطقة (تحرير المرأة)، وهي انتكاسة كبيرة ولم نسمع من “سعاد الفاتح” كلمة واحدة عن تحرير المرأة حتى في الحدود المعقولة وفي خياراتها في إطار الإسلام (ولم نسمع بجامعة فيها بابان).
{ بمن تُرجح الكفة؟
– بـ”فاطمة” لأنها كسرت الحاجز، وفي 1964 كسبت حق تصويت المرأة والدخول للبرلمان، ونتيجة لكسر ذلك الحاجز.. ومن ذلك الوقت لم تعد المرأة كما كانت.
{ ذكرت لي في حوار سابق أنك كنت ماشي في الشارع (64) في عطبرة ومن خلفك كان صوت امرأة تناديك ففهمت أن (أكتوبر) نجحت؟
– نعم.. ولم أكن أتوقع في صوت نسائي بعطبرة يناديني في الشارع العام وباسمي وفعلاً عطبرة في الخمسينيات كانت كدا، لكن في يوم 21 أكتوبر 64 كان صوت فتاة شابة تناديني، “عبد الله.. عبد الله.. عبد الله”، تجاهلتها لكنها لحقتني.. فتاة شابة في العشرينيات تسأل عن أين يقام اجتماع اتحاد الشباب.
{ الثورة عندك اكتملت؟
– خلاص لن ننحاش، فكان ميلاد النقابة وكانت (أكتوبر) لجيلنا هي حجر الأساس.
{ ما الدرس المستفاد منها بالنسبة لكم؟
– تعلمنا منها أن التغيير سيقع.
{ تغيير النظام السياسي؟
– التغيير بشكله الواسع السياسي والاجتماعي والثقافي، ومع ذلك فإننا لم نكن مستعدين لـ(أكتوبر) خاصة في الحزب الشيوعي.
{ كنت في المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي منتشياً وأنت تتابعه (كنت أراقبك وأنا قريب منك)؟
– لهم الحق أن يهنئوا أنفسهم به وكان يشبه النداء (قالوا للناس انتهينا).. وفعلاً كان المؤتمر يرد على تلك المقولة بأنهم موجودون وما ماتوا، وحافظ “نقد” على الحزب كما حافظ علماء الدين على بقية الإسلام.
{ مقاربة خطرة؟
– غير ذلك “نقد” لم يفعل أي شيء يحسب له كاختراق ، وبعد ضربة 19 يوليو كان مفروض أن يعود الحزب الشيوعي للساحة بسرعة.
{ كيف تابعت مؤتمر الحزب الشيوعي السادس؟
– في المؤتمر السادس للحزب الشيوعي (مافي حاجة).
{ صفر؟
– كان اجتماعاً كبيراً لأفندية، اجتمعوا بمشاكلهم وكيدهم، وكان المؤتمر فضيحة سياسية بامتياز، بل كان خزياً خاصة تجاه ما قاموا به، وحقو يرعووا لأن للحزب ميراثاً عظيماً.
{ كيف تقدر المسافة النفسية بين “عبد الخالق” و”الخطيب”؟
– كان “عبد الخالق” قائداً عظيماً لحزب عمالي عظيم، و”الخطيب” الحالي قائد لحزب برجوازي صغير.
{ المسافة كبيرة؟
– لا توجد مقارنة.
{ رجلان وزمن وحزب واحد؟
– ليس هو ذات الحزب، وفي أثناء فترة المحافظة على بقية الحزب كان ثمة فرصة لاقتحام القواعد الجديدة في المجتمع، وكانت هناك حالة علاقات عالمية وكانت أفريقيا تمتلئ بحركات التحرر في تلك المجتمعات المحافظة مقرونة ببداية خلخلة اقتصادية، وحتى خطة البنك الدولي بدأت تتغير، وهنا كان رفع الدعم يهيئ مناخاً لتداعيات دولة الرفاه، والحزب الشيوعي رفض أن يتنسم هذا السلم الذي فيها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية