بعد ومسافة
الولايات المتحدة الأمريكية.. لمن تكون الغلبة؟
مصطفى العزائم
يبدو أن قرارات الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب” الأخيرة التي تضمنها الأمر التنفيذي الخاص بالهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والقاضي بتقييد مواطني سبع دول إسلامية منها ست عربية – من بينها السودان – وواحدة غير عربية هي إيران، يبدو أن هذا الأمر التنفيذي وما ترتب عليه من ردود أفعال سيظل حديث الساعة في كل صالونات السياسة العالمية لعدة أيام.
نحن في السودان نعجب لإدراج بلادنا ضمن الدول التي منع القرار – الأمر التنفيذي – دخول رعاياها إلى الأراضي الأمريكية، نعجب لسببين، الأول هو أن قراراً صدر مؤخراً من الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” بتخفيض العقوبات عن السودان أو برفع جزئي لتلك العقوبات، مع إبقائه في قائمة الدول الراعية للإرهاب وإخضاعه للرقابة لمدة ستة أشهر، وكان ذلك القرار مؤشراً إيجابياً لتحسين صورة السودان في الولايات المتحدة، وفي كثير من دول العالم.
أما السبب الثاني الذي جعلنا نعجب لإدراج بلادنا ضمن تلك الدول المغضوب عليها من قبل السيد “ترامب” فهو أن السودان لم يعرف عنه أعمال العنف والتفجيرات، وأن الشعب السوداني ظل على مدى العقود السابقة من أكثر الشعوب تميزاً في نبذ التطرف وأعمال العنف، إلى جانب أن الكثيرين من السودانيين الذين عاشوا في الولايات المتحدة الأمريكية كانوا نموذجاً للتعايش السلمي، ولم تنقل وسائل الإعلام خبراً عن مواطن سوداني أو أمريكي من أصل سوداني قام بعملية تفجير أو إطلاق نار على غيره في الأراضي الأمريكية، ونستدل على بعض ما ذهبنا إليه بوجود الشيخ “إمام ماجد” الذي رتل القرآن الكريم في مبنى الكابيتول يوم تنصيب الرئيس “دونالد ترامب” وأدائه اليمين الدستورية رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.
ربما تعود أسباب (الحظر الهجري) لما ظل كثيرون منا يتداولونه في وسائط التواصل الاجتماعي، وما ينشره بعضنا في الخارج من تساهل الحكومة السودانية في منح الجواز السوداني، ثم تداول أخبار عن حقيقية عن منح الجواز السوداني لرعايا بعض الدول التي تشهد اضطرابات أمنية وحروباً أهلية، بمقابل مادي، وكل ذلك يجيء من باب المكايدة للحكومة، لكن ضرره لن يقع على رأس الحكومة السودانية، بل يقع على رأس الشعب السوداني الذي عانى من أفعال بعض أبنائه أكثر من معاناته من أفعال أعدائه.. وهذا يجعل الإدارة الأمريكية الجديدة تتحسب لذلك بأنها إذا منعت رعايا تلك الدول من دخول الولايات المتحدة الأمريكية، فإن معظمهم سيتجهون نحو الخرطوم لاستخراج جوازات سفر سودانية، ونحن نعلم أن معظم السودانيين لا تعنيهم الهجرة أو السفر إلى أمريكا، أكثر من أن تعنيهم الهجرة إلى أوروبا أو بلدان الخليج العربي.. لكن إدراج السودانيين في قائمة المغضوب عليهم من قبل الإدارة الأمريكية وحظرهم من دخول الأراضي الأمريكية، سيصبح المواطن السوداني – تلقائياً – عرضة للشكوك وسيتم رفض طلبات حصوله على تأشيرات الدخول لكثير من دول العالم وسيصبح عرضة للمعاملة القاسية والتفتيش التعسفي في كثير من مطارات العالم.
الأمر التنفيذي للرئيس “ترامب” مواجه الآن داخل الولايات المتحدة الأمريكية بحرب امتدت من الشوارع إلى داخل المؤسسات الاتحادية، ولذلك بأن رفضت وزيرة العدل الأمريكية المكلفة تقديم أي دفوعات أمام المحاكم للدفاع عن قانونية ذلك الأمر التنفيذي، لذلك تمت الإطاحة بها واستبدلت بنائب عام من ولاية فيرجينيا.. وكانت الوزيرة المقالة قد بعثت بمذكرة للمحامين في وزارتها تأمرهم فيها بعدم الدفاع عن الأمر التنفيذي الخاص بالهجرة.
الآن تشهد الولايات المتحدة الأمريكية صراعاً على الهواء الطلق، ومعركة قانونية نموذجية، نرى أنها ستضيف الكثير للإرث الدستوري والقانوني في العالم الحر، وربما – نقول ربما – قطعت الطريق أمام تخبط رئيس هاو لا علاقة له بالعمل السياسي، لكنه يعبر عن عقلية أمريكية قديمة أخذت تبرز من جديد تعيد أمريكا إلى قبضة السيد الأبيض، وربما تكون النتائج لصالح الأقليات الدينية أو العرقية من خلال ظهور زعيم جديد ينادي بشعارات الحرية والمساواة والعدالة.. وحتى الآن لن يستطيع أحد أن يتكهن بنتيجة الصراع الذي يحدث الآن، لأنه صراع واضح حول مصالح بعض مكونات المجتمع، وهذا هو أحد أسرار تجدد المجتمع الأمريكي الذي يمثل تطور الإنسان وتقدم البشرية القائم على أعلى درجات الحرية الفردية، لكنه في ذات الوقت يظل هو صاحب الحق في محاسبة الخارجين عن تلك القيم التي شادت هذا المجتمع الإنساني الحر.