الديوان

يوميات سائق ركشة .. (2)

موقف أخافنى ،وآخر أحزنني ، وثالت خلف لي الندم !
المجهر – خالد الفاضل
في الحلقة الثانية من يوميات سائق ركشة التقينا بالشاب “معاذ صديق” وسرد علينا مواقف وطرائف صادفته خلال رحلته الطويلة في عمله كسائق ركشة، وأول ما لفت نظري في ركشته عبارة كتبت عليها تقول (الفرحان بالدنيا ندمان) ..وأضحكنا بحديثه عن اشتهار سائقي الركشة بكثرة الكلام أو (البري) -على حد قوله – وعن المقولة المشهورة التي يرددها الزبائن قبل استقلالهم للركشة (يا رب يكون ما براي)، ولكن “معاذ” يشير إلى أنها نكتة للضحك أكثر من أنها جملة متداولة وغالباً يعرفها سائقو الركشات فقط. 
شيطان
ويبدأ “معاذ” بموقف مخيف مر به في إحدى الأمسيات بالقرب من أحد الاستوبات فيقول: (بالجد هذا الموقف أثار رعبي جداً .. كانت الساعة تقترب من الحادية عشرة مساءً وكنت عائداً في طريقي إلى المنزل وفي استوب مكي بشارع الوادي أم درمان الذي تزامن وصولي إليه مع الإشارة الخضراء، لذلك لم أتوقف إلا برهة قليلة وانطلقت بعدها. وأثناء مروري بأحد الشوارع المظلمة فإذا أسمع صوتاً ينادي من المقعد الخلفي (نزلني هنا يا زول)، ولا أخفي عليك كدت أقفز من الركشة وأهرب، فقد حسبته جنياً أو شيطاناً،  لأنني متأكد حتى آخر لحظة أنني لم أقل أي راكب وطوال المسافة منذ تحركي من الاستوب وحتى دخولي هذا الشارع، لم ألاحظ أي شخص في المقعد الخلفي .. المهم التفت لأجده أحد المعتوهين ومن شكله تذكرت أنه يجلس في هذا الاستوب كثيراً لأكتشف أنه استغل وقفتي القصيرة وقفز إلى المقعد الخلفي دون أن ألحظه .
قلب الأم
ومن المواقف الحزينة آخر حزين يحكيه “معاذ” ويقول بحق الأم هي أعظم كائن في الوجود في مرة صادفتني امرأة بدا عليها الانزعاج الشديد، ورأيتها في بداية الشارع تشير علي بإلحاح للتوقف، وقبل أن تستقر داخل الركشة جيداً قالت لي بلوعة طفلي الصغير خرج من المنزل ولا أعرف إلى أين ذهب ..وطلبت مني أن أدور بالركشة داخل شوارع الحي علنا نجده هنا أو هناك. ويمضي “معاذ” في الحكي ..كلما مررنا بشارع الأم تسأل أي شخص من المارة (يا هوي ما شفته ليك ولد صغير لابس فنيلة حمرا)، وعندما يجيبها بالنفي  تبدأ في الحديث بصوت هامس تارة تدعو الله أن يحفظ ابنها وتارة تنتحب .. ويضيف “معاذ” ظللنا نبحث عن الطفل من شارع إلى شارع ومن حي إلى حي لمدة ساعة تقريباً، وحقيقة أنا بدأت أقلق بالرغم من تأثري لحال هذه الأم التي فقدت ابنها، إلا أنني بدأت أتخوف من نفاذ الوقود وأيضاً تخوفت من أن لا يكون مع المرأة مال يكفي أجرة لهذا المشوار الطويل. ولكنني تحاملت على نفسي إكراماً لهذه الأم وواصلت البحث معها لساعة أخرى، ولكن دون أن نعثر على الطفل وعدنا بعدها إلى منزلها لنجد شقيقها ينتظرها أمام الباب وأخبرها بأنه سيواصل البحث. وطلب منها أن تبقى بالمنزل وعندما هممت بالمغادرة مدت إلي المرأة سبعة جنيهات، قالت إنها كل ما تملك فقلت لها (خليهم معاك ما مشكلة .. بس ربنا يجمع ليك ولدك).
الناس ظروف
“معاذ” طوال دردشتي معه تحدث لي كثيراً عن أن الإنسان يجب أن يكون في عون أخيه والناس ظروف كما يقول، ويضيف ليس من باب التباهي لكني لم يحدث أن رفضت مشواراً لشخص (قال ما عندو)، ويعلو صوته وهو يقول لي (والله ما تساعد الناس تتقفل عليك). ويواصل قائلا:  في إحدى المرات التي ما زلت نادماً عليها حتى الآن طلب مني شيخ كبير أن أوصله إلى منطقة طرفية بأم درمان، وطلبت منه أجرة عشرين جنيهاً للمشوار، ولكنه أجابني بأنه لا يمتلك سوى خمس جنيهات فرفضت وتحركت من أمامه بسرعة وأنا أردد في نفسي (دا زول مجنون ولا شنو مشوار لي دار السلام بخمسة جنيهات). ويضيف “معاذ”  لا أخفي عليك لم يمضِ على تحركي من أمام هذا الشيخ سوى خمس دقائق حتى تعطلت الركشة (حلفت يمين ما تدور)، وظللت لأكثر من ساعة أحاول معها دون فائدة واضطررت في النهاية لإحضار ميكانيكي كلفتني إجارته أكثر من خمسين جنيهاً، ومنذ ذلك اليوم تعلمت درساً لن أنساه كان الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.

   

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية