تقارير

بعد التطورات الدولية والداخلية العودة للتفاوض تلوح في الأفق

الخرطوم- عقيل أحمد ناعم
منذ انهيار المفاوضات بين الحكومة والحركات المسلحة في دارفور والمنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق)، أغسطس الماضي، ظلت قضايا السلام تراوح مكانها، إلا من بعض المبادرات هنا وهناك التي ما يلبث كل طرف أن يقدم لها تفسيرات مختلفة عن الطرف الآخر، أو حتى يعمل على إنكار التعاطي معها أو القبول بها، خاصة فيما يلي ملف المساعدات الإنسانية وملف وقف العدائيات.
ولكن يبدو أن الأشهر الخمسة الماضية على قلة الخطوات التي شهدها ملف السلام، أظهرت فاعلية أكبر لكثير من اللاعبين القدامى في الملف السوداني، هذه الفاعلية بالإضافة لبعض المتغيرات الدولية والمحلية قد تدفع الأطراف المختلفة للعودة إلى طاولة الحوار.
{ عقبة المساعدات الإنسانية والمبادرة الأمريكية
مفاوضات سبتمبر الماضية انفضت دون إحراز تقدم ملموس في الملفات المطروحة رغم تأكيدات رئيس الوفد الحكومي لمفاوضات المنطقتين حينها “إبراهيم محمود” بأن الطرفين توصلا لاتفاق في (90%) من القضايا محط الحوار. لكن كان ملف المساعدات الإنسانية هو العقبة الكؤود التي أطاحت بتلك الجولة بعد تمسك الحركة الشعبية قطاع الشمال بوصول (20%) من المساعدات عبر (أصوصا) الإثيوبية والرفض الحكومي القاطع لوصول أية مساعدات عبر دولة أخرى. ولكن بالمقابل تدخلت أمريكا بقوة وطرحت مبادرة اقترحت فيها تولي (المعونة الأمريكية) للملف الإنساني على أن تقوم بإيصال الأدوية والمعينات الطبية بما يعادل(20%) من المساعدات عبر (أصوصا) . وحينها فاجأ القيادي بحزب الأمة والمقرب من الدوائر الأمريكية المعنية بالملفات السودانية “مبارك الفاضل” الجميع بإعلان أن الحكومة قبلت بالمبادرة الأمريكية، الأمر الذي سارعت الحكومة السودانية إلى نفيه، بل وحتى الحركة الشعبية نفت القبول بالمبادرة قبل أن ينفي أمينها العام (النفي) السابق، بعد أن عدّت أمريكا موقف الحركة تضييعاً لفرصة من شأنها التسريع بحسم ملف النزاع في المنطقتين.
ولم تكن الآلية الأفريقية رفيعة المستوى التي يرأسها “ثامبو أمبيكي” بعيدة عن الملف الإنساني وهو ما أكده “أمبيكي” في حوار مع محطة تلفزة محلية في جنوب أفريقيا، حيث قال إن الآلية في انتظار مقترح من الحركة الشعبية حول المساعدات الإنسانية ووقف العدائيات في المنطقتين تمهيداً للوصول لاتفاق عقب رفضها المقترحات السابقة.
ولكن كثيراً من المراقبين لملف التفاوض بين الحكومة والحركات المسلحة يرجحون أن الطرفين سيقبلان بالمقترح الأمريكي باعتبار أنه (ليس كل ما يُعلن هو الموقف النهائي). وهو ذات ما أشار إليه المحلل السياسي والمعني بشؤون الحركات المسلحة “عبد الله آدم خاطر” لافتاً إلى أن المعلن عنه دائماً من رفض لا يعني أن التفاوض حوله توقف، وقال لـ(المجهر): (التفاوض حول العملية الإنسانية مستمر، وهناك توافق عالٍ على أن المساعدات يجب أن تصل المحتاجين في مناطقهم).
{ وقف العدائيات
هو الملف الذي يلي المساعدات الإنسانية من حيث درجة التعقيد، ولكن من الراجح أن تقدماً كبيراً يقترب من الاتفاق حوله بين الحكومة والحركات، وهو ما أكده من قبل “مبارك الفاضل” نقلاً عن الوسطاء الأمريكيين أن أطراف التفاوض توصلت لاتفاق حول وقف العدائيات، وأنهم توافقوا على تأخير إعلانه إلى حين التوصل لاتفاق حول  القضايا الإنسانية.
{ التطورات الدولية
لا يمكن لأي مراقب للشأن السوداني إغفال المتغيرات النوعية التي حثت في علاقات السودان ببعض الدول المهمة دولياً  وإقليمياً، بدءاً من علاقاته بدول الخليج التي انعكست بذورها على ملف العلاقات السودانية الأمريكية، التي تم تتويجها مؤخراً بقرار الرفع الجزئي للعقوبات الأمريكية عن السودان، بخلاف التطور الكبير في علاقات السودان ودول (الترويكا) والاتحاد الأوروبي، التي في مجملها تؤكد نأي المجتمع الدولي بنفسه عن مواصلة دعم الحركات المسلحة وجهود إسقاط الحكومة التي كانت تتبناها كثير من القوى الدولية، بالإضافة إلى وضع الحركات المسلحة على الأرض خاصة في دارفور وفقدانها معظم أو كل الأراضي التي كانت تسيطر عليها، بخلاف فقدان الحركة الشعبية لمعظم العون الذي كانت تتمتع به بعد تدهور الأوضاع في جنوب السودان الحاضن والداعم الرئيسي لقطاع الشمال،  وهي المتغيرات التي ستجعل خيار التفاوض بالنسبة للحركات المسلحة هو الخيار الوحيد المتاح والآمن، وبالمقابل ليس أمام الحكومة خيار سوى تقديم ما يمكن من تنازلات تؤمّن وتدعم عودة الحركات لطاولة التفاوض خاصة خلال فترة الستة أشهر التي حددتها أمريكا لمراقبة مدى التزام الحكومة باشتراطات الرفع الكلي للعقوبات. “عبد الله آدم خاطر” اتفق مع هذا التحليل قائلاً: (في ظل التطورات الدولية الراهنة والرفع الجزئي للعقوبات الأمريكية ستعمل كل الأطراف الدولية والإقليمية على ضرورة دفع العملية السلمية والانخراط في التفاوض)، وأكد أن المرجح هو عودة جميع الأطراف للتفاوض، نافياً إمكانية رفض أي طرف لأول دعوة للتفاوض يطرحها الوسطاء الدوليون والإقليميون.  

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية