بكل الوضوح
الشوق يجمع بينهم
عامر باشاب
{ الشوق إحساس يتولَّد دائماً بدواخل وأعماق النفس في حالات الغربة والبعاد، ولذلك نجد أن كثيراً من الأشعار والأغاني كتبت تحت تأثير وانفعالات الشوق، وإذا ما بحثنا في دفاتر الأغنية السودانية في مختلف العهود والأزمان نجدها مليئة بأروع وأرقى الأغنيات التي أبدعت بإحساس الشوق، ومن بينها على سبيل المثال نجد “دمعة الشوق كبي”( حقيبة) و”مراكب الشوق” للموسيقار “محمد الأمين” و”قصر الشوق” لزيدان إبراهيم و”أنا والأشواق في بعدك” و”اشتقنا ليك” لـ”محمد ميرغني” و”صباحات شوقنا” لـ”حنان النيل” و”مراسي الشوق” لـ”مصطفى سيد أحمد” ولهيب الشوق للأسطورة “محمود عبد العزيز” وغيرها الكثير والمثير من الأغاني “الشوقية” السودانية. ومن محاسن الصدف نجد أن الشوق هذا الإحساس العجيب جمع إبداعياً بين كبار المبدعين، حيث ولدت على أيديهم أروع وأجمل أغنيات الشوق والحنين.
فكانت “مرسال الشوق” التي كتب كلماتها الفنان العملاق “عبد الكريم الكابلي”، بل واستطاع أن يرسم بألوان مفرداته الأنيقة أجمل لوحة غنائية عكس من خلالها طبيعة منطقة جبل مرة ومناظرها الخلابة.. فكانت بالحق “لوحة فنان تمحى الأحزان.” لتكتمل اللوحة بأداء الفنان المبدع “أبو عركي البخيت” ليضيف لها من إحساسه بعداً خاص جعل المناظر، والمشاهد التي صوَّرها “كابلي” بعدسة مفرداته تتراءى للعيان كلما تغنى بها “عركي”.. ليعيش كل من يستمع إليها لحظات حب ومسرة ويشاهد عبر مثلث الكلمة واللحن والأداء “غيمة تغازل ضل زهرة.. وخيال رمانة على المجرى”. وغيرها من المشاهد المدهشة. وبهذه الروعة تكتمل اللوحة بريشة “كابلي” وصوت “عركي”..
“مرسال الشوق يا الكلك ذوق
أغشى الحبان في كل مكان
وقول ليهم زرنا جبل مرة..
وعشنا اللحظات حب ومسرة
بين غيمة تغازل ضل زهرة
وخيال رمانة على المجرى
وعلى ذات الطريق الإبداعي سار المبدعان “الطيب عبد الله” و”عبد العزيز المبارك” ليلتقيا عند واحدة من الروائع الغنائية التي ولدت أيضاً تحت تأثير إحساس الشوق، فكانت (طريق الشوق) التي كتب كلماتها مطرب العاشقين وملك الأغاني الرومانسية الفنان “الطيب عبد الله” وأبدع في أدائها صاحب الحس المرهف “عبد العزيز المبارك”.
“طريق الشوق مشيناه.. وبحر الريد عبرناه ..
وقلنا مصيرنا يوم نوصل خيالك ما وصلناه
طول ياليل وفيك تطول ماسينا
نسكب فيك دموع الشوق وما نلقي البواسينا
حبيبنا هناك بعيد وسعيد وناسينا
{ وضوح أخير
ليت جيل اليوم من المطربين والشعراء يتعلمون من تجارب الكبار.. ويسيرون على دربهم حتى يقدموا لجمهورهم أغاني ذات قيمة مضافة.. أغانٍ تعيش بكل وهجها في كل العصور..
{ تعلموا من “كابلي” و”عركي” و”الطيب عبد الله” و”عبد العزيز المبارك”.. كيف تصنع الأغاني بدقة شديدة وإحساس صادق لتعيش في القلوب وتتحكر في الوجدان على مدى الأزمان.
{ انظروا إلى التجارب الغنائية لعمالقة الأغنية السودانية أمثال “وردي” و”إبراهيم عوض”، وتمعنوا كيف كانوا يقدمون حتى الأغنيات الخفيفة بمنتهى الإبداع والاحترافية.