أخبار

"ترامب" أولاً

هل غشي ضميرك إحساس بالدونية والفشل والانتماء إلى عالم آخر غير عالم الحضارة والإنسانية وأنت في ركن قصي من الدنيا، تشاهد فقط عبر شاشات التلفزة لحظة انتقال السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية من رئيس لآخر.. ومن حزب لحزب نال ثقة الشعب بالحرية والديمقراطية.. هل تأملت في الوجوه.. والملابس الأنيقة والنظام والديمقراطية وقبل كل ذلك كيف تصون الشعوب حريتها وكرامتها.. ويعيش الأفراد سنوات العمر القصيرة وهم أحرار في أنفسهم.. لا تكبل حركتهم قيود من سلاسل الحديد.. ولا يغشاهم العسس في هجعة الليل ويتم اقتيادهم ليقبعوا في غياهب السجون.. تلهب ظهورهم السياط.. ويعذبون لأنهم يرفضون ولو في أنفسهم سراً الحكام الجبابرة الذين ينثرون في الأرض العنف والموت والرعب والخوف.. وفي لحظة دخول الرئيس الأمريكي “ترامب” ساحة احتفالية استقبال عهده وأداء القسم كرئيس لأكبر دولة في العالم سبقه على كرسي السلطة (44) رئيساً آخر.. حضر منهم أربعة رؤساء حفل التنصيب وغيب الموت الأربعين الباقين.. كان في استقبال “ترامب” ليلة (السبت) الرئيس الأمريكي السابق “أوباما” وزوجته والرئيس الأسبق “جيمي كارتر” وزوجته والرئيس “جورج بوش” الابن وزوجته والرئيس “بيل كلينتون” وزوجته “هيلاري كلينتون” التي كانت تمني نفسها بأن تكون (امرأة) تلك اللحظة، لكن الشعب الأمريكي.. قال لا لكلينتون ونعم لترامب.. لا تضع الولايات المتحدة رؤساءها السابقين في السجون.. خوفاً من انقلابهم على نظام ديمقراطي ولا تصادر “واشنطون” حرية من جلس على كرسي الحكم فيها.. بل تكرم الولايات المتحدة من أكرمها وصان حقوق شعبها مهما تلطخت أياديه بدماء الشعوب في بقاع الأرض الواسعة، فإن الرؤساء الأمريكيين يحترمون شعوبهم ولا يسومونها سوء العذاب. وفي جميع بلدان العالم الثالث.. المسلمة والكافرة.. والمسيحية وذات الأنظمة الشمولية أو الملكية أو السلطانية تضيق الأرض برؤساء على كرسي الحكم ورؤساء على كرسي القماش متقاعدين.. في بلدان العالم الثالث الرئيس إما حاكم يخضع له الآخرون قهراً وخوفاً وحباً وطمعاً وتقية أو داخل الأرض ميتاً أو في غياهب الجب سجيناً بتهمة التآمر على وحدة البلاد واستقرارها والعبث بمقدراتها.. في أخريات أيام الرئيس الأسبق “جعفر نميري” بالخرطوم زرته كصحافي بمنزله في ود نوباوي وبعد حديث طويل نشرته في صحيفة (السفير) اللبنانية (الموءودة).. قلت للرئيس “جعفر نميري” حدثني عن قضية ظلت هاجسك تفكر فيها ولا تغيب عن مخيلتك طوال (16) عاماً من السلطة.. نظر “جعفر نميري” إلى جهاز التسجيل الذي أمام طاولته.. وفهمت إيماءة عينيه.. أوقفت التسجيل.. فقال اعتراف خاص لك.. منذ وصولي السلطة وحتى لحظة تعرضي للخيانة من أقرب المقربين كنت في لحظات الصفو أفكر في نهاية حكمي، هل تصعد روحي بطلقة كما قتل “السادات”؟؟ أم انقلاب عسكري.. أم بسقوط طائرة.. أم بمرض يصعب الشفاء منه..
والرئيس “أوباما” الذي غادر البيت الأبيض من خلال طائرة مروحية صغيرة.. صعد بهدوء ولوح بكفيه مودعاً عهداً وسلطة.. ومستقبلاً حياة خاصة كان على يقين بأن تلك اللحظة قادمة ولا شك فيها.. ولا يفكر الرؤساء الأمريكان مثل ما يفكر رؤساء العالم الثالث.. “أوباما”.. قضى ليلة أمس بعيداً عن فراش السلطة هانئاً.. مرتاحاً.. مرتاح الضمير.. و”ترامب” حدد خياراته وأولوياته بجعل قضية الأمريكي أولوية على الأمن في أفغانستان ونشر القوات الأمريكية في بلاد غير بلادهم، فأين نحن من تلك الشعوب والأمم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية