البرغماتية تهزم الشطط في الإنقاذ!
بقلم – عادل عبده
هنالك فرق كبير بين أيديولوجية الإنقاذ عام 1989م، وأيديولوجية الإنقاذ 2017م، فقد كانت الحالة الأولى مليئة بالشطط الواضح والغلو الشديد وتسيُّد الصقور على دولاب الحكم، بينما صارت الإنقاذ الآن نظاماً سياسياً تغيَّر جلده ومنهجه على رحاب الاعتدال والاعتراف بالآخر من خلال خطوات تفاؤلية لم تصل إلى الطموحات المأمولة.
حصدت الإنقاذ هذه الأيام قرار الرفع الجزئي عن العقوبات الأمريكية على البلاد بعد جهد مقدر، أبطاله النخبة البرغماتية في السلطة الذين جلسوا مع الجانب الأمريكي في اجتماعات مكثفة ومعقدة استغرقت زمناً طويلاً حتى صدر هذا القرار التاريخي الذي يفتح الطريق بعد استيفاء شروطه في دعم الموقف السياسي والاقتصادي والدبلوماسي للحكومة، وعلى ذات المنوال الذي ينضح بالانفتاح تستعد الساحة لإعلان ملامح حكومة الوفاق الوطني المنبثقة من مخرجات الحوار الوطني.
كانت هنالك معركة مكتومة بين دهاقنة الشطط ورموز البرغماتية في دهاليز الإنقاذ، حيث حاولت كل مجموعة إحراز نقاط الانتصار على المجموعة الأخرى، فقد كانت الأجندة المختلفة في الطرفين تحاول تدمير الطرف الآخر بشتى الوسائل والمبررات، فالعناصر المتطرفة تريد أن تكون الإنقاذ على قالب منقوش من الآحادية والغلظة يتوكأ على المشروع الحضاري والدولة الرسالية سلاحاً في وجه الخصوم السياسيين في الداخل وأنظمة الحكم في الخارج، بينما يحاول المعتدلون إيقاف تمدد النهج الدوغائي للسلطة ومحاولة إدخال النكهة الواقعية ومعالم المرونة على ماكينة الحكم فضلاً عن الإقبال على مناخات التطور السياسي والنهل من المراجعات العصرية التي ظهرت على أنظمة الحكم في العالم المتحضر.. الشاهد أن السلفية السياسية القديمة وشعارات المسلك الدوغمائي الكلاسيكي لم تعد تتماهى في بضاعة اللبرالية والانفتاح التي راجت على نطاق واسع في المنظومة العالمية وشعوب المنطقة، فقد لاحت تلك البضاعة العصرية باندفاع شديد، الشيء الذي جعل أهل البرغماتية يقطفون ثمارها والقيام بإدخالها على جرعات منتظمة في تركيبة الإنقاذ حتى وصلت إلى مستويات تستطيع الوقوف على ساقين، ومن هنا تحقق الفوز لجماعة البرغماتية على الطرف الآخر وبذلك دخلت الإنقاذ في تحديات النوافذ المفتوحة والسياسة الواقعية بفواتيرها المتعددة.
انقلبت الصور على خلفية انحسار منهج المتطرفين والصقور الذين جعلوا السلطة تحصد العزلة والكراهية والتردي السياسي والاقتصادي، في حين كسب هؤلاء البرغماتيين من سياستهم الجديدة بعد أن كانت أوضاعهم في الحديقة الخلفية للسلطة.
الدرس المستفاد.. إن التطرف في نهاية المطاف يقود إلى نقيضه، فقد توصلت كل أيديولوجيات الشطط والغلو في العالم إلى نتائج انهزامية، وأمامنا تجارب النازية والفاشية والديكتاتوريات في العالم الثالث في حين تنتصر البرغماتية من خلال خطها الواقعي بمزاياه الكثيرة، وأمامنا ما يحدث الآن في بلادنا من إيقاعات مفرحة في الساحة.