رأي

بعد ومسافة

مصطفى أبو العزائم

الدولار.. والجنيه.. معركة إثبات الذات
لأن الكثيرين من تجار العملة في السودان يقومون بعملهم ذاك بعيداً عن مفاهيم العمل الاقتصادي الحقيقي، ونظرياته المرتبطة بحركة الإنتاج، فقد أصابتهم صدمة أوشكت أن تؤدي ببعضهم جراء قرار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، “باراك أوباما” بإلغاء ورفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، فقد ظن ذلك البعض أن هذا القرار سيطيح على الفور بإمبراطوريتهم التي قامت على أساس من الجشع والطمع، وإن سعر الدولار في السوق الموازي سيهبط إلى أدنى مستوى له من خلال ساعات من إعلان رفع العقوبات، لذلك قرروا أن يبيعوا ما عندهم بالسعر الأعلى الذي وقف عنده الدولار في يوم رفع العقوبات وهو (19,5) للدولار، على أن يتم الشراء بالسعر الرسمي، أو سعر الحافز المعلن عنه من قبل البنك المركزي، وهو دون الـ(16) جنيهاً، كما نعلم.. وقد أحدث هذا التصرف (ربكة) في الأسواق، خاصة بين التجار الموردين، الذين نتوقع أن يتوقفوا عن عملية الاستيراد من الخارج لأيام قليلة، حتى تشرح السياسات نفسها، لأن السوق دائماً هو الأقدر على حل مشاكله وتصحيح أوضاعه بعيداً عن تدخلات الحكومة.
من وجهة نظر كثيرين وبعضهم من أهل الاختصاص فإن أسعار الدولار الحالية ليست بالواقعية، فهي أسعار مبنية على فرضيات غير علمية وغير دقيقة، لأن سعر العملات الأجنبية الآن في السوق وفي كل الدنيا، يقوم على الإنتاج والعائد من التصدير إلى جانب الاحتياطات النقدية وغير النقدية للدول.. لذلك ومع رياح التفاؤل التي رطبت أجواء الاقتصاد السوداني نتوقع الكثير، ولكن دون أن يؤثر ذلك على القيمة الحقيقية للعملات في الأسواق، بمعنى أن سعر الدولار سيبقى كما هو عليه بعد أن تزول غشاوة الخوف من أعين تجار العملة والمضاربين، وسيعود متحدياً للجنيه السوداني إذا لم نسند عملتنا الوطنية بإنتاج حقيقي يؤثر على الميزان التجاري لبلادنا.. ومع ذلك فهناك فوائد عديدة تنتج من رفع العقوبات، وهي كثيرة، لكن أبرزها سهولة انسياب التحويلات المالية من وإلى السودان، وهذا بدوره سيؤدي إلى مرونة في الانفتاح على المصارف العالمية، ويعني تخصيص سقوفات بالعملات الأجنبية في الداخل لمقابلة فتح الاعتمادات المستندية، إلى جانب تدفق تحويلات المستثمرين والمغتربين عبر المصارف المحلية، إضافة إلى إصدار بطاقات الائتمان لرجال المال والأعمال السودانية من المصارف الأجنبية.
وهناك عائدات أخرى متطورة وغير متطورة، لكن آثارها ستكون واضحة على الأرض، لأن رفع العقوبات سيؤدي إلى دخول كثير من الشركات الأجنبية إلى السودان، وهذا يعني فتح فرص عمل جديدة مع انخفاض نسبة البطالة وانخفاض التضخم واستقرار سعر الصرف، لذلك نعود لما سبق ونقول إن سعر الصرف الحالي سيظل كما هو ولن يتأثر إلا بعد التطورات الإيجابية المرتقبة في المشهد الاقتصادي الكلي بالسودان.
من الفوائد المرتقبة خلال فترة وجيزة، عودة شركات الطيران الأجنبية للعمل في البلاد، وفتح أفرع لعدد من البنوك العالمية بالسودان، ودخول المستثمرين من الدول الشقيقة والصديقة سيعمل على  زيادة الإنتاج خاصة في مجال الزراعة، إلى جانب تراجع عمليات التهريب التي تتم الآن لكثير من السلع والمنتجات السودانية عبر دول الجوار، مما يزيد تكلفتها ويخرجها من دوائر المنافسة العالمية، لأن تصديرها سيتم مباشرة من الباب إلى الباب.
أسعار العملة الأجنبية ستظل على ما هي عليه الآن، ولن يحدث تغيير كبير ما لم يتم الدخول في تطبيق رفع الحظر عملياً، وستظهر عائدات ذلك وفوائده في فترة لن تزيد على ستة أشهر على أقل تقدير.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية