مواجهة ساخنة مع الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر بعد أطول إجتماع للقيادة
* قرار المشاركة خرج بشق الأنفس وهو حق أصيل لهيئة القيادة
* قررنا المشاركة بعد إيداع التعديلات وضمان إجازتها وإلا لن تستمر مشاركتنا
لمن نترك تنفيذ ومراقبة تنفيذ مخرجات الحوار إن لم نشارك؟!
حوار- عقيل أحمد ناعم
مقدمة:
سبع عشرة ساعة قضاها قرابة تسعون من أعضاء هيئة قيادة المؤتمر الشعبي منذ ظهر أمس الأول (الخميس)، وحتى السادسة من صباح (الجمعة)، في اجتماع ، للوصول إلى قرار حول المشاركة أو رفضها في حكومة الوفاق الوطني المترتبة على مخرجات الحوار الوطني.. الأنفاس كانت محبوسة والأعين متعلقة بشاشات الهواتف تنتظر أي معلومة أو تسريب من داخل الاجتماع ،الذي ضربت حوله أجهزة تأمين الشعبي سوراً حصيناً من التكتم.. ولكن لم يحظَ المنتظرون بمرادهم إلا عند السادسة صباح (الجمعة)، في بيان مقتضب بتوقيع الأمين العام “إبراهيم السنوسي” مفاده أن القيادة قررت المشاركة في الحكومة المقبلة في كافة مستوياتها بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة لإجازة التعديلات الدستورية المتوافق عليها وخاصة المتعلقة بالحريات.
ولمزيد من الإيضاح حول القرار الذي يشوبه بعض الغموض، جلسنا إلى الأمين السياسي للشعبي “كمال عمر” ووقفنا على كافة تفاصيل وحيثيات القرار وما يمكن أن ينتج عنه داخل الحزب.
} البيان الصادر عن اجتماع الهيئة القيادية غير واضح.. هل ستشاركون بعد إجازة التعديلات المتعلقة بالحريات أم بمجرد إيداعها؟
-القرار ربط المشاركة بضمان تنزيل الحريات.. فالبيان تحدث عن المشاركة بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة لإجازة التعديلات الدستورية المتوافق عليها وخاصة المتعلقة بالحريات، وهذا يعني الإيداع مع الضمانات ومع الحرص في إنزال الحريات ضمن التعديلات الدستورية، منطوق القرار يتحدث عن خيار الإيداع وضمان الإجازة وفق تقديرات العلاقة السياسية.
} لا زال الأمر غير واضح؟
– نحن كقرار داخلي مصرون على أن الإيداع يمضي وفق النهج الدستوري السليم عبر رئيس الجمهورية، ولدينا اتصال مع رئيس البرلمان، وقد يرتبط الإيداع بالمناقشة الآنية، أو بالدستور بعد إجازة البرلمان.
ولكن سيظل القرار ملزماً للأمانة العامة للحزب حتى بعد المشاركة، فالشعبي يستطيع بمضمون القرار أن يشارك ولكن لكي تستمر مشاركته، يجب أن يتحقق إنزال حقيقي للمخرجات في التعديلات الدستورية، بمعنى أننا ملتزمون حتى بعد المشاركة بتنفيذ وإنزال الحريات، وإلا لن تستمر المشاركة.
} هل يعني هذا أنكم قررتم المشاركة بعد إيداع المخرجات في البرلمان؟
-نعم..نعم.
} ولكن بعض عضوية الشعبي تتحدث عن أن قرار المشاركة ليس من صلاحيات هيئة القيادة، بل من حق مجلس الشورى والمؤتمر العام.. ما يعني أن القرار غير مؤسسي.
– كلامهم غير صحيح، القرار من ناحية مؤسسية صدر من هيئة القيادة القومية، وهي أعلى من الأمانة العامة ومناط بها وفق النظام الأساسي، اتخاذ مثل هذه القرارات الجوهرية والمهمة، باعتبار أن النظام الأساسي منح القيادة حق إبرام التحالفات وفضها، بالتالي فإن القرار جاء متسلسلاً بدايةً من الأمانة السياسية ثم القطاع السياسي، ثم الأمانة العامة وصولاً إلى هيئة القيادة، ما يعني أن الشعبي مارس شورى واسعة بمعناها الحقيقي تتسق مع النظام الأساسي.
} تحدثت عن الإيداع مع الضمانات.. ما هي هذه الضمانات؟
– هي الضمانات السياسية، فالحوار كله قائم على ضمانة سياسية متمثلة في التزام الرئيس بتنفيذ مخرجات الحوار، وهذا كلام واضح يردده الرئيس باستمرار، والتعديلات الدستورية مرتبطة بالالتزام السياسي لرئيس الجمهورية رئيس آلية الحوار.
} هل التزامكم بالحوار يقتضي بالضرورة المشاركة في الحكومة؟
-نحن دخلنا الحوار بدون شروط وتوصلنا لمخرجات غاية في الروعة، بعد كل هذا لمن نترك تنفيذ مخرجات الحوار التي عكفنا عليها لثلاث سنوات؟! ومشاركتنا ستتخذ من الورقة التي أعدها الشيخ “الترابي” حول الحريات، منهجاً والتزاماً دينياً وأخلاقياً ودستورياً.
} ولكن بعض عضوية الشعبي ترى أن قراركم بالمشاركة فيه تخل عن أفكار “الترابي”؟
– هؤلاء الإخوة معذورون، ولكن عليهم أن يعلموا أن الخطوة التي اتخذناها وبهذه الشورى الواسعة هي أكبر التزام بأفكار شيخ “حسن”.
} ما دامت الرؤية حول المشاركة واضحة لديكم بهذا الشكل، فهل كان يستدعي اتخاذ القرار (17) ساعة كاملة؟
– نعم كان يستدعي، فهو قرار كبير.
} ولكنكم رغم هذا متهمون عند بعض منسوبي الشعبي بالتخاذل والهرولة نحو المشاركة؟
– والله تمنيت لو أن الإخوة الذين يتحدثون عن القيادة ويقومون بتجريحها ويبخسون القرار الذي خرجت به، كانوا حاضرين معنا اجتماع هيئة القيادة، فهو والله كان يوماً لتجسيد الشورى بشكل مطلق، وقد كان الشيخ “السنوسي” عبقرياً في إدارة الاجتماع، فلم يكن يتدخل في الآراء ولم يقاطع أي عضو وأتاح الفرص للحديث دون سقف زمني، فتمكن أي عضو من طرح رأيه ورأي المنظومة الحزبية التي يمثلها سواء كانت طلاباً أو شباباً أو ولايات، أنا على قناعة أن الشعبي يعيش الآن بنهج وأفكار شيخ “حسن”، فنحن اتخذنا قرار المشاركة من أجل كفالة الحريات ووحدة البلد واستقرارها وليس من أجل السلطة، (يعني حا يدونا شنو في الحكومة؟!).
} ولكن حتى تقنعوا قواعد الحزب برؤيتكم هذه، لماذا لم ترهنوا القرار بإجازة التعديلات بدلاً عن الإيداع؟
– ببساطة لأن هناك أجلاً مضروباً لقيام الحكومة في النظام الأساسي للحوار، وهذا الأجل مضى منذ العاشر من (يناير) الجاري، وكل الساحة الآن تنتظر قرار الشعبي، لذلك تقديراً لأزمة البلد والتي هي متقلبة وتتدخل فيها متغيرات متعددة وعناصر مختلفة (مجتمع دولي، وحركات مسلحة، وقوى ممانعة)، رأينا أن نتخذ قراراً سريعاً يتعامل مع هذه المتغيرات.
} كيف تم اتخاذ القرار داخل الاجتماع.. هل حصل القرار على أغلبية كبيرة؟
– القرار كان مرضياً لجميع أعضاء القيادة، لكنه لم يجز بأغلبية ساحقة كما يحدث في كثير من الأحزاب، فقرار المشاركة خرج بشق الأنفس، ولكن الجميع ـ معارضين ومؤيدين ـ للقرار اتفقوا على أن الحريات شرط أساسي للمشاركة مع الاختلاف حول إجراءات تنزيل هذه الحريات.
} كيف كانت خارطة الخيارات قبل الوصول للقرار؟
– هناك مجموعة مع المشاركة بعد إجازة التعديلات، وأخرى ترهن المشاركة بإيداع التعديلات مع متابعة إجازتها، وهناك أصوات مقدرة ضد المشاركة جملةً وتفصيلاً.
} هل هؤلاء الرافضون كانوا مجموعة كبيرة؟
– لا كانوا قلة.
} ألا تخشون أن ينقض المؤتمر العام قرار القيادة.. وهل حددتم موعد انعقاده؟
– في (فبراير) المقبل، ولكن لم نحدد تاريخاً قاطعاً، ونحن متحسبون أن المؤتمر العام ومجلس الشورى لهما الحق في نقض قرارات القيادة، ولكن أنا مطمئن أنهما لن ينقضا القرار لأنه قرار صائب ومتسق مع مواقفنا التاريخية، فنحن من قبل دخلنا الاتحاد الاشتراكي وخرجنا من مصالحة مايو بأن الجبهة الإسلامية جاءت كقوة ثالثة في الديمقراطية، وحتى دخولنا البرلمان السابق عبر خمسة أعضاء فقط كانت تجربة مميزة ومؤثرة.
} ما الذي يجعلكم تعتقدون أن تجربتكم ستكون مختلفة عن كل من شاركوا في الحكومات السابقة؟
– تجربتنا ستكون مختلفة حتى لو دخلنا بوزير واحد، لأن لدينا برنامجاً سيكون ملزماً للمؤتمر الوطني وللمؤسسات الجديدة، فهي مؤسسات للوفاق الوطني وليست لديها إرادة ولا حقاً لتجاوز مخرجات الحوار.
} هل لديكم برنامج مفصل وخطة واضحة يحتكم إليها ممثلوكم في الحكومة المقبلة؟
– ـ بحماس شديد ـ الله أكبر، نحن لدينا مرجعية تركها لنا شيخ “حسن” وهي كالمحجة البيضاء.
} أنا أسأل عن برنامج عملي في الاقتصاد والعلاقات الخارجية والخدمات وغيرها؟
– نعم لدينا برنامج عملي، والآن الأمين العام ومجموعة من الإخوان يعملون على إستراتيجية مشاركتنا في الحكومة والأجهزة المختلفة، وسندخل بإستراتيجيات أهمها مخرجات الحوار ومجموعة من (الدستوريات والقانونيات والأخلاقيات)، فنحن حزب منظم.
} كثيرون يتساءلون عن موقف د.”علي الحاج” مما توصلتم إليه من قرارات.. هل هو على تواصل مع القيادة ومتوافق معها حول قرار المشاركة؟
– د.”علي الحاج” على تواصل مع القيادة ومطلع على كل التطورات عن طريق الأمين العام، وليس هناك أي إشكال مع د.”علي الحاج” فهو أخ مسلم ذكي ومستوعب.
} هناك من يعتقد أن “علي الحاج” ضد المشاركة وربما يغادر الحزب بسبب هذا القرار؟
– غير صحيح إطلاقاً، إن غادرنا نحن الموجودون بالداخل، الحزب، فإن “علي الحاج” لن يغادر، فهو نموذج “أردوغان”، ولو أراد الله بالحركة الإسلامية والبلد خيراً، يأتي “علي الحاج” للاستقرار في السودان.
} ألن يعود للسودان؟
– سيأتي إن شاء الله.
} لا زال شبح الشقاق داخل الحزب بسبب قرار المشاركة حاضراً وبالأمس ظهرت استقالات فردية لبعض عضوية الشعبي.. ألا تخشون من تمدد مغادرة العضوية للحزب؟
– كل من يستقيل بسبب قرار المشاركة هو عندنا شخص مؤثر ومهم ولن ندع أحداً يغادر الحزب بسبب قرار القيادة، وأنا تواصلت مع عدد منهم ونخطط للجلوس معهم، وسنقوم بشرح واسع لحيثيات القرار لكافة قطاعات الحزب باعتباره قرار مؤسسة وليس قرار أفراد.
} هل لديكم خطة فعلية لإقناع العضوية الرافضة؟
– أنا كأمين سياسي لديّ خطة سأقوم بتمريرها من داخل الأمانة السياسية للتواصل مع العضوية.
} هل سيلتزم أعضاء هيئة القيادة الذين كانوا ضد قرار المشاركة بالقرار الذي خرج به اجتماع الأمس.. خاصة أن هناك ولايات مثل البحر الأحمر ونهر النيل أمانتها ضد المشاركة؟
– جميعهم سيلتزمون بقرار القيادة، فهم قد طرحوا آراءهم داخل الاجتماع واستمعوا لحيثيات اتخاذ القرار، ونحن لدينا نظام محكم يسمح لك بقول رأيك بكل حرية ولكن بمجرد أن تتخذ المؤسسة قراراً سيلتزم به الجميع.. يا أخي الصورة كانت زاهية جداً، والجميع كانوا على قلب رجل وامرأة واحدة.
} هل ستبدأون المشاورات مع المؤتمر الوطني مباشرة حول تشكيل الحكومة المقبلة؟
– قطعاً المؤتمر الوطني كان في انتظار قرارنا، والآن ليس هناك عائق يحول دون التشاور حول تشكيل الحكومة.
} هل هناك عروض محددة لنصيبكم في الحكومة؟
– لا.. لا.. ليست هناك أي عروض.
} كثيرون يرون أن الشعبي لم يفعل شيئاً سوى أنه عاد إلى مربع العام 1999م قبل المفاصلة بقراره دخول الحكومة؟
– أحترم كل الآراء، لكن كيف عدنا إلى ما قبل المفاصلة؟.. نحن رفضنا الانتخابات الماضية لأننا طالبنا بالحريات وتمسكنا بقضايا الحكم والعلاقات الخارجية ووحدة البلد، والآن كل هذه المطلوبات أنزلناها إلى أرض الواقع عبر الحوار، فالآن المشاركة ستكون بنفس برنامج المفاصلة، فقط استبدلنا خيار إسقاط النظام بخيار الحوار، بخلاف أن الأحزاب كلها شاركت مع المؤتمر الوطني، فالتجمع الوطني مثلاً شارك في برلمان نيفاشا، والآن نحن نشارك بأجندة الحريات ووحدة البلد وقضايا أشمل مما جاءت به نيفاشا وأبوجا واتفاق التراضي الوطني التي كلها جاءت في أطر ثنائية.
} هل تلقيتم أي ردود أفعال من المؤتمر الوطني أو أحزاب الحوار بعد قرار المشاركة؟
– قبل اجتماع القيادة سمعنا آراء من قوى اتحادية والاتحادي الأصل والمؤتمر الوطني وبعض أحزاب الحوار تتحدث عن أنه إن لم يشارك الشعبي فما فائدة الحكومة، ومن الذي سيتابع ويحرس تنفيذ المخرجات؟.. باعتبار أن الشعبي هو اللاعب المحوري في الحوار، بجانب أنه مكون من كل أنحاء وولايات السودان، ما يجعله قادراً على حفظ البلد وصيانة وحدتها.
} ما هو موقف التعديلات حتى الآن.. هل هي فعلاً في طريقها إلى البرلمان؟
– أنا اتصلت أمس (أمس الأول)، بمساعد الرئيس “إبراهيم محمود” وأكد أن التعديلات الآن تخضع لإجراءات إيداعها البرلمان، وأنها الآن في مكتب رئيس الجمهورية تمهيداً لإرسالها إلى البرلمان.