تقارير

هل أوصد "إبراهيم محمود" الباب في وجه المبادرة الأمريكية

“عوض الجاز” و”إبراهيم محمود” ما بين الحزب ورئاسة الوزارة القادمة
“أمين حسن عمر” يعود مغرداً لوحده داخل الوطني بمواقف مختلف حولها
حديث (السبت)
يوسف عبد المنان
أوصد المهندس “إبراهيم محمود حامد” الباب في وجه المبادرة التي طرحها المبعوث الأمريكي “دونالد بوث” بنقل (20%) من الإغاثة عبر مطار “أصوصا” في إثيوبيا لمناطق تسيطر عليها الحركة الشعبية عبر وكالة المعونة الأمريكية.. وقال “إبراهيم محمود” في مؤتمر صحافي عقده (الخميس) الماضي لإعلان حصاد حزبه خلال العام المنصرم الذي عده الرجل الأول في حزب المؤتمر الوطني الحاكم تنفيذياً وتنظيمياً، عاماً شهد أوضاعاً صعبة على صعيد الاقتصاد وحياة المواطنين. وقال إن الحكومة تعتبر أية طائرة تعبر من الخارج مباشرة إلى أراضيها التي تحتلها الحركة الشعبية قطاع الشمال دون المرور بالأراضي الحكومية وتفتيشها وفحصها وإصدار شهادة بذلك يعتبر تنازلاً عن السيادة الوطنية. وأضاف مكذباً ما جاء على لسان “مبارك الفاضل المهدي” القيادي في حزب الأمة القومي بعد لقائه “أمبيكي” مؤخراً، أن الحكومة قد وافقت على المقترح الأمريكي.. الذي نقل على لسان “مبارك” بصورة مغايرة لما ورد في حديث المهندس “إبراهيم محمود حامد”.. وكان الرئيس الجنوب أفريقي السابق “ثابو أمبيكي” قد ذكر أن الحكومة السودانية طلبت وساطة أمريكية لحل الخلاف مع الحركة الشعبية حول مسألة نقل الإغاثة من “أصوصا”. وأضاف قائلاً إن “الخرطوم” وافقت على مقترح تقدم به المبعوث الأمريكي “دونالد بوث” بهذا الخصوص، فيما ذكرت الأخبار أن الحركة الشعبية لا تزال تدرس المقترح ولم ترد على ذلك. وجاء حديث “أمبيكي” بعد ساعات من تجديد مجلس الأمن والسلم الأفريقي مهمة الآلية الأفريقية التي تضطلع بالوساطة لمدة عام آخر.. ولكن المهندس “محمود” وضع نقاطاً عديدة في سطور الأسئلة التي تطرح نفسها حتى موعد عقد المؤتمر الصحافي، كيف وافقت الحكومة على شيء رفضته قبل شهور وقدمت الحكومة الإثيوبية مغريات وإغراءات عديدة من أجل قبول الحكومة بوصول المساعدات مباشرة من “أصوصا” إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.. ليقول المهندس “محمود” إن دخول الإغاثة عبر الحدود مسألة مبدئية لا تنازل عنها مهما تطاولت الحرب.. وللحكومة تجربة سابقة في عمليات شريان الحياة حيث استخدمت الحركة الشعبية قبل الانفصال واتفاق “نيفاشا” تلك الاتفاقية لإمداد قواتها بالعتاد العسكري.. ولكن من أين جاء “مبارك الفاضل” بالمعلومات التي تتحدث عن موافقة الحكومة وهو البعيد عن دوائر صناعة القرار الحكومي، والقريب من الحركة الشعبية ودوائر أفريقية أخرى تنشط في الملف السوداني!!
هل ما جاء على لسان “مبارك الفاضل” هي ذلة لسان أم (ضللته) جهات خارجية لإطلاق بالونة اختبار وقياس تأثيرها على الرأي العام؟؟ وأياً كان فإن ملف التفاوض بين الحكومة وقطاع الشمال تقول كل المؤشرات إنه سيبقى في ثلاجة حتى نهاية الصيف القادم في يونيو، وحينها تكون حكومة الحوار الوطني قد أحسنت جلوسها في كرسي السلطة.
من القضايا المثيرة التي تحدث عنها المهندس “إبراهيم محمود” بشجاعة وواقعية هي قضية الحريات الصحافية التي اتخذت منحىً صراعياً بين الحكومة والمعارضة من جهة وبين الحكومة والصحافيين من جهة أخرى.. حيث تجمع قبل عقد المؤتمر الوطني عشرات الصحافيين أمام مبنى مجلس الصحافة مطالبين الأستاذ “فضل الله محمد” رئيس المجلس بالتدخل وإطلاق سراح أقلام الصحافيين “عثمان شبونة” ود.”زهير السراج”.. وأثار “عبد الماجد عبد الحميد” القريب جداً من “ياسر يوسف” أمين الإعلام في الحزب والذي يعد لانطلاق صحيفة جديدة باسم (المصادر)، أثار تلك القضية باعتبارها من قضايا الساحة التي تنتظر إجابة من المهندس “إبراهيم محمود” الذي تحدث كرجل دولة اتسم حديثه بالشجاعة والجسارة والوضوح حتى لو اختلفت معه من جهة لا تملك إلا احترامه. فالمهندس “إبراهيم محمود” قال إن واحدة من مقعدات تطور الحريات الصحافية في البلاد الحرب التي تدور رحاها.. حيث تستخدم المعارضة المسلحة الصحافة كواحدة من أسلحتها القاتلة، لذلك في ظل الحرب تتراجع حرية الصحافة.. وإذا توقفت الحرب تزدهر حرية التعبير، لذلك كان الرجل الذي يميل إلى الحديث باقتضاب صادقاً في ذلك.. باعتبار أن وقف الحرب من شأنه بث الطمأنينة في النفوس وجعل البلاد مستقرة.. وبالتالي يصبح أمر الحرية غير مهدد لبقاء السلطة وذهابها. وأكد “محمود” أن الاعتقالات التي طالت بعض الأشخاص وقيادات الأحزاب هي اعتقالات مشروعة وضرورية حتى لا تسود الفوضى مكان الطمأنينة، وألمح إلى إمكانية استمرار الاعتقالات في حال تهديد أمن البلاد.. وقال بوضوح كاملين إن الولايات المتحدة الأمريكية اعتقلت مئات وذهبت بهم في السجون ولم يسألها أحد، فلماذا إذا اعتقلت الحكومة أشخاصاً لمدة قصيرة تثار قضية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بهذه الجلبة والضوضاء.
وبغض النظر عن الاتفاق مع المهندس “إبراهيم محمود” أو الاختلاف حول ما قاله تبقى قضية الحرية مسألة هامة جداً من أجل إرساء ديمقراطية مستدامة في البلاد.. لكن المهندس “إبراهيم محمود” يقول إن الحوار الوطني يتطلب الصبر والانتظار وأن لا يتعجل الناس النتائج ويصدرون الأحكام الجائرة ويصدون المواطنين عنه بدعوى الفشل، وقد استغرق الحوار في دولة جنوب أفريقيا ست سنوات كاملة، لأن القضايا هناك أكثر تعقيداً من قضايا السودان.. وأن الحوار حتى في المملكة المتحدة (بريطانيا) التي لديها مشكلات مشابهة لمشكلات السودان فيما سبق أيضاً استغرق وقتاً طويلاً.
ووضع المهندس “إبراهيم محمود” قيداً زمنياً مدته عشرة أيام من الآن لتشكيل الحكومة الجديدة ومباشرة رئيس الوزراء لمهامه.. ولكن “محمود” سكت عما إذا كان رئيس الوزراء من حزب المؤتمر الوطني أم من خارجه، وتشير بعض التكهنات إلى أن المهندس “إبراهيم محمود” قد يغادر منصبه الحالي ويسند إليه منصب رئيس الوزراء باعتباره الأقرب لقيادات قوى الحوار الوطني، ومن الذين يثق فيهم الرئيس بشدة ويعتبرهم من رهانات المستقبل القريب.. وإذا ما غادر المؤتمر الوطني فإن الترشيحات تشير أيضاً إلى عودة د.”عوض أحمد الجاز” الرجل الصارم والإداري الفذ لتولي شؤون الحزب في المرحلة القادمة، وبذلك يحتفظ الفريق أول “بكري حسن صالح” بموقفه في منصب النائب الأول و”حسبو محمد عبد الرحمن” بمنصب نائب الرئيس وتتراجع فرص  د.”التجاني سيسي” الذي رشح لمنصب رئيس الوزراء ، إذا كان المنصب سيذهب لغير حزب الأغلبية.. و”السيسي” هو الشخص المناسب لتولي منصب وزير التعاون الدولي والإشراف على مشروعات الإعمار والتنمية بولايات دارفور.. وعلاقات د.”التجاني سيسي” الواسعة لم تستفد منها الحكومة شيئاً.. وكذلك قدراته في التخطيط والإدارة.
 وفي حديث النائب “حسبو محمد عبد الرحمن” لصحيفة (الرأي العام) (الأربعاء) الماضي، كشف بوضوح عن احتفاظ المؤتمر الوطني في الوقت الراهن بمنصب رئيس مجلس الوزراء، حتى لا يجد الشخص الذي يتم اختياره لهذا المنصب نفسه دون سند في البرلمان ، مؤازراً له ومشجعاً، وتكوين البرلمان في المرحلة القادمة قد تختلف فيه معادلات المعارضة والحكومة.. ومن هنا فإن الأسبوع الأول من يناير الذي يبدأ غداً (الأحد) سيشهد حركة سياسية كثيفة من جهة تكوين الحكومة والمشاورات مع القوى السياسية في الداخل، وحتى جهود عودة شخصيات مثل “الصادق المهدي” ، الذي انتقده بشدة “إبراهيم محمود” بسبب دعوته لتأجيل تشكيل الحكومة باعتبارها دعوة لتثبيط الهمم.
مبدئية د.”أمين حسن عمر”
يقول المفكر العروبي العلماني “صادق جلال العظم” ، رحمة الله عليه،  فقد غيبه الموت قبل أن تموت بلاده سوريا ، إن المثقفين فئات.. مثقف ينتصر في أقواله وأفعاله وسلوكه لأخلاقه والقيم الفاضلة، ومثقف ينتصر لمصالحه الذاتية ويؤثر التصفيق في جوقة العامة كطبل عالي الصوت.. وفي بلادنا التي رزئت بفئة من المثقفين غير المستنيرين وضعوا خبراتهم ومعارفهم في خدمة السلطان.. وآخرون كانت لهم مواقف عبر التاريخ من اليمين واليسار معاً، فالأخلاق والقيم لا وطن سياسي لها.. ولا مستودع فكري.. خاص بها.. كان “صلاح أحمد إبراهيم” السفير بالخارجية مبدئياً في مواقفه وهو يركل بحذائه سيارة السفارة وحشمها وخدمها.. ومخصصات ممثل بلاده في الدولة الفرنسية ، ويختار معارضة النظام المايوي، و”صلاح” خرج أيضاً من الحزب الشيوعي بمبدئية، وهو يرثي “عبد الخالق محجوب” حياً ويرثي الحزب الشيوعي قبل أن ينتحر تحت قبعة رائد في الجيش اسمه “هاشم العطا”. وكتب “صلاح أحمد إبراهيم” قصيدة (أنا ناسي) التي قال “عبد الباسط سبدرات” إنه حزين لتوثيق تلك الخلافات العابرة من خلال قصائد شعرية خالدة.. أمس خرج د.”أمين حسن عمر” المثقف والشاعر والأديب القارئ لأمهات كتب الفلسفة والتاريخ والأدب عن المألوف ،وقال كلمته للتاريخ، في زمان عزت فيه الكلمة وحدد موقفه الأخلاقي من تعيين الولاة وانتخابهم من داخل قبة البرلمان ،جهراً لا همساً.. في الفضاء لا في دهاليز الصمت الحزبية ومعاً نقراً ما قاله د.”أمين حسن عمر” نهار (الأربعاء) الماضي. أعلن عضو البرلمان والقيادي في حزب المؤتمر الوطني د.”أمين حسن عمر” رفضه التام تعيين ولاة الولايات من قبل رئيس الجمهورية ،بدلاً من انتخابهم . وشرح الأسباب التي جعلته يجهر برأي يختلف عن رؤية قيادة الحزب بقوله.. إنه لن يوافق على أي أمر يطرحه المؤتمر الوطني لأن الديمقراطية ليست أن يبصم الشخص على أي أمر. موقف د.”أمين حسن عمر” ينسجم مع مواقف العديد من القيادات التي كانت تدفع باتجاه ديمقراطية الحكم اللا مركزي ،باعتبارها شرط وجوب لهذا النظام ،الذي تم إقراره من كل القوى السياسية، لكنه واجه عثرات ومصاعب وتفشت ممارسات خاطئة داخل المؤتمر الوطني الذي خاض الانتخابات الأخيرة لوحده.. وفاز على نفسه ، ومنح الأحزاب الحليفة مقاعد مجانية لتمثل نفسها ديكورياً في البرلمان، ولكن الأحزاب الحليفة للمؤتمر الوطني هي أول من هزم ديمقراطية اختيار الولاة بتنازلها عن تلك الساحة للمؤتمر الوطني، بما في ذلك الحزب الاتحادي الديمقراطي الكبير الذي قزم نفسه بقبوله للدوائر  الهدية .وكان يستطيع الاتحادي الديمقراطي المنافسة على منصب الوالي في عدد كبير من الولايات، لو تحلى بالثقة في النفس وخاض منافسة شريفة مع شريكه المؤتمر الوطني دون أن يفقد عطفه وحنانه.
 ود.”أمين حسن عمر” أصبح يغرد وحده في ساحات الوطني يقول لا.. حينما يلوذ بالصمت آخرون ويؤثرون السلامة ودرء الرياح التي تتربص بالمثقفين بالصمت.. وقد خسر المؤتمر الوطني أصوات إصلاحية عديدة بالابتعاد عن ساحته مثل “أمين بناني نيو” المحامي، وخسر المؤتمر الوطني (الواقعيين) من طبقة المثقفين مثل “سيد الخطيب” الذي لا يعرف أين هو الآن ، وخسر رؤى “الطيب زين العابدين” و”حسن مكي” الذين يبصرون بعيون زرقاء اليمامة وخسر “مكي علي بلايل” الذي غيبه الموت في حادثة سقوط طائرة “تلودي”.. وخسر آخرين أنهكهم طول المسير ووعورة الدرب (شبعوا سلطة وقنعوا منها).  ولكن د.”أمين حسن عمر” حينما كان التنافس على أشده بين “علي عثمان محمد طه” ود.”نافع علي نافع” من الأقرب والأكثر إخلاصاً لـ”البشير” في الدورة التي تقرر فيها إعادة انتخاب الرئيس ، ونشط د.”عيسى بشري” و”السميح الصديق” في استقطاب قيادات الحزب من الولايات لصالح تيار (ضاغط) على الرئيس للقبول بالترشيح للانتخابات والعدول عن فكرة التنحي ،أولاً قبل “علي عثمان” و”نافع” ،وجهر “أمين حسن عمر” من داخل مجلس الشورى، وقال كلمته وعارض مبدأ إعادة انتخاب “البشير” لدورة جديدة.. وبدا “أمين” غريب الوجه وغريب اللسان يغرد بطريقته الخاصة.. وظن الكثيرون أن الرجل الأشعث البسيط المتواضع سيدفع ثمن موقفه إبعاداً من السلطة عن تشكيل الحكومة، ولكن الرئيس “البشير” الذي خبر أهل المؤتمر الوطني ويعلم أجندة البعض الخفية والمعلنة كان على يقين وقناعة أن “أمين حسن عمر” صادق فيما يقول ويعلن، وقد عرفه عن قرب طوال (27) سنة ، وبعد الانتخابات جدد فيه الثقة و(إئتمنه) على ملف المفاوضات مع متمردي دارفور، والرئيس على يقين بأن الرجل الذي يبغضه الذين لا يعرفونه، “أصدق القيادات وأطهرها”.. والرئيس على قناعة بأن القيادات التي تجوب بين القصر وشارع المطار بسياراتها الفاخرة وثيابها المعطرة، إذا قال “البشير” غداً بديمقراطية وحق الشعب في اختيار ولاة أمره، قالوا من خلفه نعم هو القول السديد والرأي الرشيد.. وإذا تمسك الرئيس بمبدأ التعيين قالوا الأصل في الحكم اللا مركزي ،أن يعين الرئيس الولاة ولا ينتخبهم الشعب، الذي لا يزال قاصراً في رؤيته غير قادر على التميز بين الصالح والطالح.. إن موقف د.”أمين” يعبر عنه.. وهو قد زهد في السلطة وأصبح لا يبالي إن غادر موقعه غداً، رغم أن البلاد تخسر كثيراً حينما يجلس أمثال “أمين حسن عمر” في رصيف المراقبين ،وتقفز على كراسي الحكم والسلطة قيادات لا مبدأ لها.. ولا يقين.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية