عابر سبيل
لابد من هزيمة نبوءة “روبرتسون”!
ابراهيم دقش
رحم الله العم “أزرق”، فرغم أنه “جزار” وله حماره الذي يمتطيه، لم يتورع عن إبداء رأيه عند المناداة باستقلال السودان في 1956م، وقال إن المسألة جاءت سريعة ومتسرعة، فيما المطلوب بقاء الاستعمار الانجليزي لفترة أطول حتى يكملوا ما بدأوه، وأن الاستقلال (ملحوق).. وكثيرون، وربما في صمت، يؤيدون رؤية العم “أزرق” بأن استقلالنا جاء في صحن من ذهب، دون تضحيات أو مقاومات أو مقاتلة وهؤلاء ينسون مؤتمر الخريجين ودور الصحافة في بدايتها لبلورة الصحوة الوطنية.. فلولاهم لما تدبر مؤتمر الخريجين أمره وحتى خروجه من العاصمة إلى الإقليم برؤية واضحة الفضل فيها للمحامي الأشهر الأستاذ “أحمد خير”.
كما أنهم يغفلون حقائق التاريخ المتمثلة في (انتفاضة) “ود حبوبة” وفي ثورة اللواء الأبيض في 1924 بقيادة المناضل “علي عبد اللطيف”.
فلم تكن تلك إلا تمهيدات أو فاتحة (شهية) وطنية قادت في نهاية المطاف إلى إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في 19 ديسمبر 1955، وكانت تلك مفاجأة سياسية لم تكن في الحسبان لدى الحاكم العام أو في حسابات حكومته في “لندن”.
وهنا أكشف لكم كيف أن الإمبراطورية البريطانية (التي لا تغيب عنها الشمس) في ذلك الزمان، أدركت عجزها عن الاستمرار في إدارة السودان كمستعمرة بريطانية، فقد حدثني آخر سكرتير إداري في السودان، “سير جيمس روبرتسون”، أن السودان مترامي الأطراف وإدارته صعبة تحتاج للموارد المالية التي لم تكن متوفرة عند الإمبراطورية البريطانية آنذاك. علاوة على خروج مظاهرات شعبية في انجلترا تطالب الحكومة بتوفير الخدمات بدلاً من الإنفاق على السودان دون جدوى ترجى منه.
وعزا قبول حكومته باستقلال السودان لتلك “الضغوط” ولعل فيما قاله “روبرتسون” مدعاة لإعادة النظر في كتابة تاريخ السودان.. وأقول بذلك دون تحفظ حتى وإن استدعى الأمر أن (أبصم) بالأربعة على روايتي التي يرجع تاريخها إلى العام 1975 وأدهشكم أكثر، أن “روبرتسون” عرض علي توصيته لأحصل على الجواز البريطاني، فترددت كثيراً لكنه فاجأني بعبارة أتمنى أن يتأملها كل الساسة والأحزاب السياسية والحركات المسلحة والمعارضة.
“بلدك لا مستقبل له” YOUR COUNTRY HAS NO FUTURE
ورغم ذلك شكرته على عرضه.. وأقسم بالله العظيم على ذلك، ولو تصدقوني.. فهل نقف جميعاً كسودانيين لنهزم تلك النبوءة!؟!