السرقة الثورية
جمعتني الصدفة عشية (الثلاثاء) أمس الأول بمكتب المحامية الكبيرة الأستاذة “تهاني عبد الرحيم” بشباب وشابات من صغار المحامين والمتدربين. ولما كان الحديث هذه الأيام في مجالس السياسة ومقاهي السوق العربي التي هي (بنابر) ستات الشاي، وفي كل مكان، عن العصيان والاحتجاج.. سألت المحامين الشباب عن موقفهم من العصيان، وهل سيشاركون الأسبوع القادم في الدعوة التي انطلقت من الأسافير.. أجمع الشباب الستة على أنهم مع العصيان والإضراب. وسألتهم عن إسقاط النظام فرفضوا بصوت واحد فكرة إسقاط النظام، لغياب البديل القادر على سد الفراغ، وإصلاح الأوضاع.. سألتهم: هل تؤيدون “الصادق المهدي” وحزب الأمة، كانت إجابتهم صادمة لهذا الحزب : “ماذا فعل “الصادق المهدي” حتى يعود للسلطة مرة أخرى” ؟.. قالتها محامية دون الثلاثين : “نحن ضد المعارضة الخائبة التي تريد سرقت أحلامنا.. ولسنا مع المؤتمر الوطني الذي يخاطبنا بنبرة استعلائية ولا يحترم الديمقراطية.. نحن مع الرئيس “البشير” لإصلاح حكومته وتعيين وزراء نزيهين.. وإيقاف الحرب.. وتوفير فرص عمل للشباب.. وأن لا تقمع أصوات المناديب بالإصلاح ولا تحتكر السلطة لفئة دون الأخرى”.
المجموعة الصغيرة من شباب المحامين تنظر بسلبية شديدة للمعارضة.. بل قال أحدهم إنه إذا كانت المعارضة تسعى لاختطاف نضال الشباب فإننا سنواجه المعارضة.. تلك ربما مجموعة لا تعبِّر عن كل أحلام وتطلعات شباب (الفيسبوك والواتساب)، الذين رفعوا أناملهم احتجاجاً على الواقع الاقتصادي ومعالجات الحكومة للأزمة الحالية.. ولكنهم يرفضون أن تمتطي المعارضة الكسيحة ظهورهم، وتستغل حماسهم لتحصد ثمرة زرعهم.. ودخول المعارضة بكل تكويناتها من قطاع الشمال والعدل والمساواة والحركات العنصرية والجهوية.. ساحة الاحتجاج الشبابي، هي أولى مداخل فشل الاعتصام الذي أعلن عنه (الاثنين) الماضي. والمعارضة فشلت في منازلة المؤتمر الوطني جماهيرياً، عبر الانتخابات، وفشلت في دخول ساحة الحوار الوطني بعجزها عن طرح رؤيتها. والمعارضة التي لا تستطيع أحزابها عقد ندوة جماهيرية في الكلاكلة.. ركبت على ظهر الشباب.. واستغلت حماسهم للإصلاح الداخلي.. بإعلان عزمها إسقاط النظام، لتأتي هي محمولة على كيبوردات الأسفيريين.. وتلك خيبة وفشل ستحصده المعارضة يوم (الاثنين) القادم، حينما تنهض الخرطوم مبكراً وتمضي مسيرة الحياة.. فالمعارضة لا تستطيع إيقاف خدمات الكهرباء، لأن المهندسين في شركات الكهرباء يؤدون واجبهم نحو المواطنين ولن يستجيبوا لمثل هذه الدعوات.. ومسيرة الحياة ماضية، لأن المياه لن تجف من صنابير حنفيات الأحياء، وأطباء السودان استجابت الحكومة لمطالبهم العادلة، وتمايزت الصفوف ما بين طبيب وطني، توقف عن العمل احتجاجاً على فساد بيئة المستشفيات، وطبيب مرتبط بالحزب الشيوعي يستغل السماعة وميزان الضغط لإسقاط النظام.. وتمضي الحياة لأن نقابة البصات والحافلات، لن تخوض مع الخائضين في العصيان الفاشل.
من هنا فإن عصياناً لا يستجيب له العاملون في أجهزة الدولة.. ولا تتأثر به الخدمات، لن يغيِّر شيئاً في واقع الحياة.. والشباب الذين يطالبون بالإصلاح غير الشباب المنادين بإسقاط النظام، إرضاءً لآخرين يحرضون ولا يفعلون شيئاً، (يحرِّشون) ولا يقاتلون.. لكنهم يسرقون عرق الآخرين، ونضالهم.