اتفاق إطاري بين الحكومة وقطاع الشمال .. هل ينزع فتيل الحرب ..؟؟
لتحقيق إرادة الدولة السياسية الماضية في طريق التفاوض، ذهب الوفد الحكومي للتفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، وهو إذ يفعل ذلك يكون قد سار في عكس رغبة البعض في الشارع العام في الشمال الذي يرفض مبدأ التفاوض مع كيان قطاع الشمال، لأجل ذلك عمل الوفد على إيضاح هذه النقاط إلى الوساطة الأفريقية رفيعة المستوى التي تسعى للتوفيق بين الطرفين، كما أوضح لها الوفد الحكومي أهمية التأكد من جدية الطرف الآخر وهو قطاع الشمال، والتزامه ولن يتأتى ذلك إلاّ بفك الطرف الداخلي – الحركة الشعبية – بالأطراف الخارجية، كما عليها أن تتخلى عن العبارات التي تدلل على أن المنهج السياسي سيعتمد على السودان الجديد مثل مفردات (قطاع الشمال، تحرير السودان) حيث سجلت الحكومة ذلك بقولها ( شمال ماذا ؟) و (تحرير السودان ممن ؟)….
وحتى يؤكد من اختارتهم الخرطوم لتمثيلها في المفاوضات مع الحركة الشعبية على أن التفاوض يتم عبر الوسيط الأفريقي، أكد رئيس الوفد الحكومي لمفاوضات منطقتي جنوب كردفان النيل الأزرق، الدكتور كمال عبيد، خلال تنوير صحافي أمس (الأحد) على أنهم لم يلتقوا منذ أن وطأت أقدامهم أديس أبابا الأثيوبية أياً من أفراد قطاع الشمال لا داخل قاعات التفاوض ولا خارجها وإنما تجري المفاوضات بطريقة غير مباشرة عبر الوساطة الأفريقية عن طريق الخطابات والأوراق، وشرح عبيد أن الوفد الحكومي نقل للوساطة الأفريقية شكوك الحكومة القوية في عدم رغبة الطرف الآخر وهم قيادات القطاع في التوصل إلى تسوية سلمية تنهي النزاع في المنطقتين وتنزع فتيل الحرب، وما عظّم من تلك الشكوك لدى الحكومة بحسب رئيس وفد الحكومة كمال عبيد، الورقة التي طرحها وفد قطاع الشمال وسلمها للوساطة التي بدورها سلمتها للوفد الحكومي والتي تحدثت عن منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق في سطرين ونصف السطر من بين خمسة أسطر أفردتها الحركة الشعبية للحديث عن قضايا مناطق جديدة في السودان كـ( دارفور، السدود، شرق السودان ، مشروع الجزيرة ، شمال كردفان )، وفقاً لكمال عبيد.
وبدا واضحاً أن الوفد الحكومي كان من الدقة بمكان لدرجة أنه حسب عدد الأسطر التي تحدث فيها قطاع الشمال عن العلاقة مع دولة الجنوب وكان ذلك بمثابة الدليل القوي لدى أعضاء الوفد بعدم قدرة قطاع الشمال على فك الارتباط مع جوبا، فضلاً عن الشكوك حول عدم جدية الطرف الآخر في إجراء أي حوار جاد يفضى إلى تسوية سلمية للقضايا الخلافية بين السودان وقطاع الشمال، وأن كل ما يتمناه قطاع الشمال هو اعتماده على ما يتمناه من ضغط أجنبي يمارس على الخرطوم بشأن المنطقتين، وحسب رئيس الوفد فأنه تأكد لهم أن تلك الورقة لم تعرض حتى على بعض أفراد فريق قطاع الشمال التفاوضي. لكن وعلى الرغم من تباعد المواقف بين ما طرحة وفد قطاع الشمال من رؤية شاملة للحل في المنطقتين ومشاكل السودان بصورة عامة، إلاّ أن الوفد الحكومي صاغ ورقة خاصة به لتقوم بعد ذلك الوساطة الإفريقية بإعداد ورقة توفيقية ، وافق عليها الجانبان رغم إبداء الوفد الحكومي بعض التحفظات عليها لاسيما فيما يتعلق بأهمية الفصل بين الشق الإنساني والسياسي في المفاوضات الخاصة بالمنطقتين.
وأعلن رئيس وفد الحكومة لمفاوضات المنطقتين الدكتور كمال عبيد توصل وفد السودان المفاوض في أديس أبابا، إلي اتفاق إطاري مبدئي مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، سيتم التوقيع عليه خلال الأسبوع المقبل في الخرطوم بحضور الوساطة الأفريقية، على أن يعاود الطرفان التفاوض في المسائل السياسية والأمنية عقب عطلة العيد، وأعلن الوفد الحكومي استعداد حكومة السودان بوقف إطلاق النار ووقف العدائيات في المنطقتين والتوصل إلى مذكرة تفاهم لمعالجة القضايا الإنسانية، بغرض إيصال المساعدات الإنسانية للمتأثرين من اندلاع الحرب.
ويتهم رئيس وفد الحكومة لمفاوضات جنوب كردفان والنيل الأزرق، الدكتور كمال عبيد الحركة الشعبية قطاع الشمال بانتهاج منهج جديد في التاريخ السياسي السوداني وهو تنفيذ الاغتيالات السياسية التي لم تكن معروفة في السودان من قبل، واختطاف قضية المعتقلين، قائلا إن وفده أحاط الوساطة الأفريقية المشتركة باغتيال رئيس المجلس التشريعي لولاية جنوب كردفان إبراهيم بلندية وعدد من رفاقه، فضلاً عن اختطاف ومواصلة اعتقال القيادي تلفون كوكو القابع في سجون الجنوب منذ فترات طويلة، الأمر الذي أنكرته الحركة لا سيما نكرانها بشدة قضية مقتل بلندية بجانب ادعائها الإفراج عن تلفون كوكو والتحاق كوكو بأسرته في منطقة (يأي) الجنوبية بينما تعيش أسرته في الخرطوم، فضلاً عن تعرض فريق منظمة الأغذية والزراعة في المنطقة لإطلاق نار كثيف من قبل المتمردين.
ويمضي كمال عبيد في حديثه بالقول (نحن في الحكومة عندما ذهبنا للتفاوض مع قطاع الشمال، موقفنا مبدئي لم نذهب لأديس لنكافئ من يعمل مع الأجنبي لتحقيق مصلحة الأجنبي ويحمل السلاح ضد الوطن)، وينفي بشدة أن يكون الوفد السوداني خلال الفترة الماضية يكون قد التقي بوفد وقيادات قطاع الشمال الموجودين داخل مقر المفاوضات سواء داخل قاعة المفاوضات أو خارجها، ويقول مع ذلك مستعدين للوصول للتعاقد والاتفاق مع أبناء المنطقة قبل أن يرجع ويتهم قطاع الشمال بأنه (مسلوب الإرادة) ويعاني من بعض الإشكالات من بينها الدخول في الحرب.
لكن يعود ويعلن عبيد أن المرحلة المقبلة هي مرحلة إيصال الإغاثة والمؤن للمحتاجين والمتأثرين خاصة في مناطق الحركات، وأن الحكومة ستختار أفراد مأمونين يقومون بإيصال المساعدات سواء سودانيين أو أجانب، ويشدد على عدم دخول الاغاثات عبر الحدود وأن الوفد أكد للوساطة السيادة على الأراضي السودانية، شريطة أن تتم المساعدات عبر المنافذ الحكومية لا أن تأتي عبر الحدود، ويقول إن من حق الحكومة تفتيش كل المؤن وضمان توزيعها على المدنيين بعد فصلهم من العسكريين.
ويسخر رئيس الوفد الحكومي لمفاوضات النيل الأزرق وجنوب كردفان، من ورقة مقتضبة أخيرة دفعت بها الحركة الشعبية قطاع الشمال يطالب فيها القطاع بمزايا قومية ومطالب في نظر الحكومة ليست لها علاقة بالمنطقتين لا عن قريب أو بعيد، فضلاً عن المطالبة بفترة انتقالية، وتشكيل حكومة انتقالية بجانب العمل على قيام انتخابات خلال الفترة القليلة المقبلة وأن السودان بحاجة إلى دستور دائم، ويكشف عبيد عن زيارة مرتقبة خلال الأيام المقبلة لوفد من الوساطة الأفريقية المشتركة للخرطوم لتوقيع على الاتفاق الإطاري ومذكرة التفاهم حول المعالجات الإنسانية خلال الأيام المقبلة، ولم يمانع كمال عبيد من الترحيب بالحركة الشعبية قطاع الشمال في الخرطوم إذا وضعت السلاح جانباً وانخرطت في تسجيل نفسها كحزب سياسي.
وكان وفد الحكومة المفاوض يضم القيادي في المؤتمر الوطني كمال عبيد، محمد مركزو والي سابق لجنوب كردفان، عبد الرحمن أبو مدين رئيس المؤتمر الوطني بالنيل الأزرق، حسين حادي، عادل حسن الطيب، جرهام عمر من هيئة أركان الجيش.