بعد.. ومسافة
يوم طويل تلفه الواجبات والأحزان
مصطفى أبو العزائم
رغم أننا نقول بأن نهار الشتاء قصير، إلا أن هذا الأمر نسبي وفق مجريات أحداث اليوم نفسه، فكيف – مثلاً – لسجين أن يقول ذلك حتى وإن كان يعمل أعمالاً شاقة أو لا يعمل شيئاً؟ وكيف لمريض أن يقيس قصر أو طول اليوم، فإحساس الألم والعجز لا يتركان مساحة للتفكير في غيرهما.
ليل الشتاء طويل بالفعل، وقد يستيقظ كثير من الناس أكثر من مرة خلال الليل، وهذا يحدث لصاحبكم كثيراً وبعد منتصف ليل (الأحد)، نهضت بانتباه كامل، وأخذت أراجع بعض ما يصل إليّ من رسائل إلكترونية وهاتفية لأفجع بنبأ رحيل زميلنا الصحفي الأستاذ “عادل البلالي” – رحمه الله – وأعرف أن موعد مواراة جثمانه الطاهر قد أزف وهو في ذات ذلك الوقت الذي اكتملت فيه يقظتي، واستعرضت تاريخاً طويلاً من العلاقة في هذا المجال – الصحافة – وتذكرت مداخلة هاتفية من خلال أحد برامج الإذاعة الرياضية (إف إم 104) كنت ضيفاً على ذلك البرنامج، فتداخل الأخ الكريم “عادل البلالي” مقدماً مداخلة أخجلت تواضعي، ولا زلت أعتز بما قال.
رحل “عادل البلالي” الذي يكاد يكون هو الصحفي السوداني الوحيد الذي بقي يعمل في مؤسسة واحدة بعد أن تم السماح بإصدار الصحف الخاصة في عهد الإنقاذ، إذ ظل وفياً لمؤسسة اليوم للطباعة والنشر، ووفياً لصحفها (الدار) و(أخبار اليوم) ولرئيسها الأخ الكريم الأستاذ “أحمد البلال الطيّب” ولشقيقيه الأستاذين “عاصم” و”مبارك” ولكل أسرة المؤسسة الصحفية الناجحة.. ظل الأستاذ “عادل البلالي” وفياً لمكان عمله إلى أن رحل عن دنيانا، في ليل شتوي حالك السواد.. ما أطول الليل.. وما أقصر الحياة.
صباح اليوم التالي – أمس الاثنين – كان على صاحبكم الإيفاء بالتزامات سابقة، أولها مشاركته في الفقرة التحليلية الخاصة ببرنامج (مانشيتات) الذي يستعرض ما تنشره الصحف في قناة سودانية (24) ويستضيف محللاً للأحداث ومعلقاً عليها، إضافة إلى التزام آخر تسجيل إفادة لتلفزيون السودان في مركز “راشد دياب” للفنون بالجريف، عن الأستاذ الفنان الدكتور راشد دياب، ضمن مجموعة إفادات يتم تسجيلها مع عدد من أصدقائه المقربين، وقد انتويت في دواخلي أن أخصص زاوية هذا اليوم (الثلاثاء)، للفنان السوداني العالمي الكبير الدكتور “راشد دياب” من عدة زوايا، بعد أن أعود إلى مكتبي بعد تسجيل تلك الإفادة.
ولكن وكما يقولون (تأتي الرياح بما لا تشتهي السَّفِنُ)، إذ تلقيت محادثة هاتفية من أحد أبناء عمومتي ينبئني خلالها أن ابن عمتنا الأستاذ “طارق محمد توفيق خفاجة” قد انتقل الآن بعد صدمة سكري مفاجئة.
“إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ” لم أملك أن أقول أكثر من ذلك، ولكن سرعان ما مر شريط الحياة سريعاً في ذاكرتي منذ أن كنا أطفالاً إلى أن أدخلنا المدرسة في يوم واحد ثم رحلتنا في مراحل الصبا والشباب إلى أن بلغنا منتصف العمر.. كنا أصدقاء أكثر من كوننا أقارب.. وقد باعدت بيننا الأيام والأعمال ومشاغل الحياة، لكن التواصل رغم ذلك كان مستمراً، لكنه انقطع كتواصل مادي يوم أمس (الاثنين)، بعد رحلة حافلة بالعمل والعطاء والثبات على المبدأ حيث كان يعمل – رحمه الله – في جامعة أم درمان الإسلامية، ولم يختر غيرها إلى أن توفاه الله.. وما أقصر الحياة.
اللهم ارحم عبدك “عادل” و”طارق” وارحم موتانا وموتى المسلمين واغفر لهم واعف عنهم وأدخلهم فسيح جناتك مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
اللهم ارحمنا أجمعين.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. و.. (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).