بعد.. ومسافة
ماذا لو تأخر الرئيس يوماً أو بعض يوم ؟
مصطفى أبو العزائم
عودة السيد رئيس الجمهورية إلى البلاد بعد مشاركته في ثلاث قممٍ خارجية، حسمت واحدةً من أخطر القضايا مثار الخلاف في السودان، بل وأكثرها تهديداً للأمن الاجتماعي والعام، وقد لا يظهر للملأ الدور الكبير الذي قام به السيد رئيس الجمهورية في أن تعود أسعار الدواء إلى ما كانت عليه قبل الزيادات (المجنونة) وغير المنطقية التي هزّت ثقة المواطن في الحكومة ودورها الذي يجب أن تقوم به تجاه مواطنيها خاصة أولئك الذين يعيشون دون خط الفقر أو فوقه بقليل وهم لعلم الذين لا يعلمون يشكلون أكثر من نصف السكان في بلد يتوفر فيه من الموارد ما لا يتوفر لكثير من الدول التي تسبقنا في طريق التقدم ونتأخر عنها بسبب سوء الإدارة وضعف الرقابة وميزانيات الحروب التي نشعلها بأيدينا لنشكو بعد ذلك من الفاقة والفقر والجوع والمسغبة.
نعم.. عودة السيد رئيس الجمهورية من الخارج حسمت الأمر، ومنعت الفوضى وأعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل الزيادات الأخيرة، بل وأطاحت بالمدير العام للمجلس القومي للأدوية والسموم، وهذا ما نراه بداية حقيقية للإصلاح في هذا القطاع الحيوي المهم المرتبط بحياة الناس، كل الناس فالمرض لا يدق أبواب الفقراء والمساكين وحدهم، بل يدق كل الأبواب ولا يستثنى أحداً مثله مثل الموت ولا يملك الإنسان أمامه إلّا أن يرفع الراية البيضاء مستسلماً وباحثاً عمّا يصدّ غائلة المرض عبر الكشف والفحص والعلاج، ولكن هل ذلك يكفي ؟ .
تدخُّل السيِّد رئيس الجمهورية كان واضحاً حتى وإن لم يكن معلناً عنه، لأن السيِّد الوزير “بحر إدريس أبو قردة” وزير الصحة الاتحادي كان موجوداً عند إعلان تلك الزيادات، ولم يتدخَّل ولم يمن الله عليه بكلمة يطمئن بها المرضى والمساكين والفقراء أن هناك مراجعات لتلك الزيادات، بل إن وزيرة الدولة بالصحة “سمية إدريس أُكُد”، سارعت بالظهور – كعادتها في الملمات – مؤيدة ومبررة لتلك الزيادات دون أن يطرف لها جفن، وخرج ملوك الباطل يؤيدون ويروِّجون ويبررون ويقررون أنه لا مناص ولا مفرّ ولا مخرج ولا حل إلا بتلك الزيادة التي جاءت وصمةً في سجل الحكومة، وسُبّةً في تاريخها تجُبُّ كل فعلٍ حميد وتعود بالناس إلى عهود التسلُطِ وفرض سياسات الأمر الواقع التي لا تتطلَّب إلا السمعَ والطاعة.
إخراج مدير المجلس القومي من دائرة الفعل الحكومي هل سيكون كافياً؟ لن يكون كافياً.. لابد من التحقيق والمحاسبة لتطال كل الذين ارتكبوا هذا الجُرم الشنيع أو شاركوا في ارتكابه، إما بالتمهيد له أو بتنفيذه أو بالترويج له، بحيثُ لا يتم استثناء أحدٍ مهما كان أو مهما علا شأنه الوظيفي أو الحزبي، فحياة الناس وأمن الوطن واستقرار الأوضاع ليست (لعبة) ولا حالة تقبل التجريب.
نعم.. كفانا استهتاراً واستخفافاً بالناس وقضاياهم، لابد من المحاسبة العاجلة، لأن الذي حدث لا يمكن أن يكون جاء (سهواً) أو خطأً غير مقصود، إذ كيف يتم (طبخ) القرارات بليل وعلى عجلٍ ويتم تطبيقها وإلزام الآخرين من شركات وصيدليات ومرضى أن يعملوا بها ووفق ما تفوقت به عقول العباقرة من المخططين للسياسات الصحية، وهم للأسف من الذين لا يضعون لصحة المواطن ولا لأمن البلاد ولا لاستقرارها أي اعتبار.
شكرًا السيد رئيس الجمهورية على عودتك وتدخلك العاجل المثمر غير المعلن، لكننا نستشعره ونحسه، فالفرق بينك وبينهم هو الإحساس بالمسؤولية وخشية الله وليس استرضاء من هم أعلى مقاماً وموقعاً، كثير من الناس يخسر نفسه في سبيل استرضاء صانعي السياسات الخاطئة وإرضائهم، سعياً وراء الاستمرار في وظيفة عامة يدفع له المواطن المسكين المغلوب على أمره كل مخصصاتها وبدلاتها، ومع ذلك لا يجد من أولئك إلا الجحود وفرض العقوبات، ومع ذلك نطلب إليك سيدي الرئيس أن تُعْمِل سيف الإصلاح تقويماً وتصويباً وتصحيحاً لأخطاء الذين يدَّعون أنَّهم قادة وساسة إنَّما جاءوا لنصرة المساكين.. وما هم كذلك.