منتدى (كوالالمبور) الفكري ينعقد لأول مرة بالخرطوم بحضور كثيف من العلماء والمفكرين
يختتم أعماله اليوم بإعلان الفائزين بجائزة (مهاتير محمد)
رئيس ماليزيا السابق : المسلمون لن يصبحوا أخوة طالما أن الاحتراب مستمر بينهم
الخرطوم – محمد جمال قندول
افتتحت صباح أمس (الخميس) فعاليات ملتقى (كوالالمبور) الفكري بقاعة الصداقة، والذي ينعقد لأول مرة خارج العاصمة الماليزية، برئاسة وتشريف مؤسس المنتدى الرئيس الماليزي الأسبق “مهاتير محمد” وحضور أكثر من (200) عضو زائر ومشارك بهذا المحفل الكبير.
ومنذ وقت مبكر تسابقت القيادات التنفيذية والتشريعية وقادة ومفكرو العمل الدعوي والاجتماعي والإعلامي لحجز مقاعد لهم بالقاعة الرئاسية، وذلك من أجل ضمان الاستمتاع بالجلسة الافتتاحية الذي خاطبها الأمين العام للمنتدى الجزائري “عبد الرزاق مقري” ونائب رئيس المنتدى النائب الأول السابق “علي عثمان محمد طه”، واختتم بكلمة من المفكر “مهاتير محمد” وسط تصفيق حار من الحضور المحتشدين بالقاعة.
ويهدف المنتدى عبر المشاركة الواسعة من العلماء والمفكرين إلى جمع الكلمة الإسلامية على أساس فكري يعالج مختلف القضايا المستحدثة، وتختتم فعالياته في السابعة من مساء غدٍ (السبت) بجلسة بتشريف النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول ركن “بكري حسن صالح” وستقدم فيها جائزة “مهاتير” لأفضل بحث.
قيادات كانت حاضرة
بحضور رفيع وكثيف بدأت صباح أمس (الخميس) بالقاعة الرئاسية بقاعة الصداقة فعاليات الجلسة الافتتاحية لمنتدى (كوالالمبور) الفكري بتشريف الرئيس الماليزي الأسبق “مهاتير محمد” المفكر والاقتصادي رائد النهضة الماليزية المعروف على مستوى العالم وعدد كبير من رموز الفكر السوداني وقيادات سياسية وتنفيذية كبيرة تقدمهم مساعد رئيس الجمهورية “إبراهيم محمود” ونائب رئيس الجمهورية السابق ونائب رئيس منتدى (كوالالمبور) الفكري “علي عثمان محمد طه” والأمين العام للحركة الإسلامية “الزبير أحمد الحسن” ورئيس المجلس الوطني البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” والقيادي بالمؤتمر الوطني د.”نافع علي نافع” ووزيرة التربية والتعليم “سعاد الفاتح” ووزيرة الرعاية بولاية الخرطوم “أمل البيلي” بجانب قيادات الأحزاب الأخرى، ومنهم رئيس حزب الإصلاح الآن د. “غازي صلاح الدين العتباني” والأمين السياسي للمؤتمر الشعبي الشيخ “إبراهيم السنوسي” والقيادية الإسلامية د.”سعاد الفاتح”، هذا بجانب رموز العمل الدعوي والفكري بالبلاد، تقدمهم الشيخ د.”عصام أحمد البشير” الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي والشيخ د.”عبد الحي يوسف” وأكثر من (200) عضو، زائر، للمشاركة بهذه الفعالية التي ازدادت أهمية خلال السنوات الأخيرة واكتست خصوصية كبيرة كونها تعطي المساحة للاستفادة من خبرات مفجر الثورية الماليزية “مهاتير”.
القضايا المستحدثة
من جهته طالب نائب رئيس منتدى (كوالالمبور) الفكري والنائب الأول السابق “علي عثمان محمد طه” بتوسيع دائرة الشورى والحرية والمشاركة في المجتمع. وقال: إن هذا الطريق يفضي إلى بر الأمان والسلام، كاشفاً عن إجراءات استثنائية تعترضه.
وقال خلال مخاطبته للحضور: إن الاجتماع البشري ظل منذ فجر التاريخ يبحث عن (السر والشفرة)، خاصة وأن الاجتماع صاحبه منذ البدء الطغيان والعدوان، وذلك منذ قتل (قابيل أخاه هابيل)، تأكد أن الإنسان يطغى ويتجاوز الحدود.
النائب الأول السابق لم ينس تسليط الضوء على السودان. وقال: إن التجربة السودانية كانت محط النظر للعديد من الدول، وأردف بالقول : أحسب أن المداخلات والحوار ستسلط عليها أضواء كاشفة، تفيد في بسط التجربة التي نهديها إلى العالم الإسلامي، وجدد التزامهم الكامل من حيث المنهج الإسلامي في هذا المنتدى. وقال: لسنا بلا هدى، نحن نؤمن أن الهدى هو الأساس. وأردف بالقول : إن القاعدة الأم لإقامة نظام الحكم الراشد هي إيمان بالله الذي أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الظلم والطغيان.
وأشار “علي عثمان” إلى أن الاستقامة التي تنبني على تجسيد حقائق الإيمان ومقولاته هي التي تنظم العلاقة بين الإنسان وربه، فلا مجال لحكم راشد والعلاقة بين الإنسان وربه يسودها الاضطراب والتناقض والتفلت والضلال.
وثمَّن “طه” الفعالية ودورها، وأشار إلى أنها ستمثل جهداً واعياً راشداً في وقت الأمة الإسلامية أحوج إلى لم شملها وتوحيد إرادتها، لتعبر خضم التحديات التي تعيشها في مرحلة تكالب عليها أعداؤها، وساحاتها مستباحة بالاحتراب والاقتتال، مضيفاً أن الأمة مبتلاة بعدوان داخلي بين أبنائها ومكوناتها الإسلامية وغير الإسلامية، وفي أقطارها صراع وافتتان، موضحاً أن كل حزب بما لديه فرح، لا يسعى إلى إقامة الحجة ولا الدعوة بالحسنى، ولكنهم يلجأون إلى التعانف والتظالم والاقتتال.
تعاليم القرآن
وخاطب رئيس منتدى (كوالالمبور) الفكري د. “مهاتير محمد” الرئيس السابق لماليزيا الحضور وسط تصفيق حار، وقال: إن المنتدى بصدد مراجعة أمور العالم الإسلامي وبحث الأوضاع السيئة التي تسود الأمة والدول الإسلامية، معترفاً ببعد الأمة الإسلامية عن الدين، ومطالباً بضرورة العودة إلى القرآن الكريم. “مهاتير” أشار إلى وجود أخطاء في التفسير والممارسة العقائدية، مضيفاً أن المسلمين لن يصبحوا أخوة طالما أن الاحتراب مستمر بينهم.
ودعا “مهاتير” إلى إنقاذ المسلمين واستعادة عظمة الحضارة الإسلامية، وإرساء الحكم الرشيد بالمعرفة التي افتقدت، بجانب تصحيح التفسيرات والتعاليم الخاطئة في الإسلام وتعزيز المعرفة في كل المجالات.
وأوضح “مهاتير” أن الأمة الإسلامية عانت من هذه الأوضاع طيلة العقود الستة الماضية، وتسير الآن نحو الأسوأ، مشيراً إلى أن ما يجري الآن، هو نتاج لذلك، وطالب “مهاتير” بضرورة محاسبة النفس والنظر إلى الأخطاء التي ارتكبناها، والعمل على تصويبها، واعتبر “مهاتير” أن المسلمين لا يتبعون تعاليم الإسلام، وطريقة حياتهم بعيدة عن الطريقة التي أشار إليها الإسلام.
وأشار “مهاتير” إلى أن مخاطر التفسيرات الخاطئة هي التي قادت إلى اللبس والخلاف والتفرق إلى طوائف تحترب ضد بعضها البعض، وأضاف خلال حديثه: إن المسلمين ظلوا يشعرون بالدونية تجاه الأوربيين وحتى اللحظة يشعرون بالنقص، واستغرب قائلاً: هؤلاء الأوربيون هم الذين استفادوا من كتبنا وعلمنا، وأضاف: إن الأمة الإسلامية لن تتقدم لطالما أن من يدافعون عنها هم الأعداء.
من جهته عبَّر الأمين العام لمنتدى (كوالالمبور) الجزائري “عبد الرزاق مقري” عن سعادته باستضافة الخرطوم للملتقى، متقدماً بالشكر للحكومة السودانية لهذه الاستضافة المهمة للأمة العربية الإسلامية. وأشار إلى أن المنتدى سوف يناقش القضايا المحورية الذي تعاني منها الأمة.
الحكم الراشد
وفي حديث لـ(لمجهر)، قال رئيس حزب الإصلاح الآن د. “غازي صلاح الدين”: إن قضية المؤتمر مهمة للإنسانية، لأنها متعلقة بالنظام الذي يضمن استمرار الحياة عبر نظام موثوق فيه ومتفق عليه، مضيفاً خلال إفاداته أن قضية الحكم الراشد هي التي تدرأ الفتن، والمانع من الخروج وتؤدي لازدهار الحياة والإنسانية والاكتشافات الجديدة.
وأشار “غازي” إلى أنها تمثل قضية حيوية وليست ثانوية وفكرية طرفية، مضيفاً أن الأوراق التي ستقدم ستمثل إضافة لنجاح المؤتمر في خدمة الأمة الإسلامية جمعاء في الحقوق والحريات.
وأشار إلى أن المسلمين ليسوا مهيئين لاستيعاب هذه الأفكار إلا إذا كانت كرسالة وإسلام، ممكن في التمسك بقيم الإسلام وغاياته وبه تراث ومنافع كبيرة، هذا الوضع يمكن أن يصحح ولا نرتمي في أحضان اليأس والقنوط، وأن نكون معتزين بما لدينا بتقديم أنموذج للآخرين.
وأوضح “غازي” بأنه لا نهضة بلا حرية ولا حرية بلا نظام يحفظها ويحيطها، واستطرد بالقول : لا أعلم حضارة ازدهرت في ظل حكم فوضوي وفتنة. ولذلك من الشروط الضرورية بأن يعمل السلطان للعدل ويفتح مجالات الحرية والمبادرة والتطور حتى يؤدي إلى النهضة.
واعتبر “غازي” أن تجربة الإسلام السياسي مفيدة بالنسبة له ولكنه عاد، وقال: إن هنالك أخطاء كبيرة بالتجربة، ولكنها مفيدة أن استخلصت يمكن أن تجعلنا أكثر استقامة في المستقبل.
من جهته قال رئيس مكتب سلام دارفور والقيادي بالمؤتمر الوطني د. “أمين حسن عمر”: إن المنتدى يهدف إلى مناقشة الحكم الراشد وتطبيقاته في العالم الإسلامي، بالإضافة إلى أنه مختص بالحوار داخل الحضارة الواحدة، وذلك من خلال إتاحة الفرصة للمسلمين لمناقشة وتشخيص المشاكل في بلدانهم ومحاولة اقتراح حلول للإشكالات الفكرية والعلمية في العالم الإسلامي، ورفض “أمين” صبغ الملتقى بالسياسي. وقال : هو ليس منتدًى سياسياً، بل للتداول الفكري، ولكنه عاد وقال: إن القضايا السياسية في المؤتمر سينظر فيها من زاوية فكرية، ولن تحاكم فيه تجربة دولة معينة.
أصحاب الخبرات
فيما قالت “أميمة عبد الرحمن” عضو أمانة التزكية بولاية الخرطوم وعضو المنتدى لــ(المجهر): إن المنتدى هو فكرة انبثقت من آراء الرئيس الماليزي الأسبق “مهاتير محمد”، وأن الغرض الأساسي منه هو إحداث مساهمة بواسطة العلماء والمختصين وأصحاب الخبرات السابقة، في إيجاد واقع أكثر توازناً وإحداث تنمية حقيقية بالدول المسلمة.
وأضافت: إن الدافع كان بعد الذي حدث للبلدان العربية عقب ثورات الربيع العربي، وتداعياتها السالبة على الدول والشعوب. ونشأت فكرة هذا المنتدى الذي يعد جامعاً لكل أقطاب ومكونات المجتمع المسلم، بالتركيز على الباحثين والعلماء والمفكرين، وأشارت “أميمة” إلى أن الملتقى يهدف إلى خلق نوع من التلاقح ما بين التجربة السياسية في إدارة الدول والتجارب العلمية، مع العلم بأن ماليزيا هي تجربة يشار إليها بالبنان، باعتبارها زاوجت ما بين الحقل العلمي والمعرفي وإدارة الدول. وهي كانت سبباً حقيقياً في قفزتها لتتقدم دول العالم. وأضافت: إن من أهدافه إحداث نوع من الفكر الإسلامي الوسطي، وذلك لإزالة الصورة الذهنية الراسخة السلبية، وإبراز الرموز العلمية بكافة الدول المسلمة، خاصة وأن هذه الدول جميعها غنية بالعلماء الذين ساهموا في ترقية وتطوير دول العالم الأول.
وقالت “أميمة”: إن السودان واحد من الدول التي تتناول قضاياه، القضايا الجامعة، مشيرة إلى أن المنتدى الحالي هو الثالث، لكنها المرة الأولى الذي يعقد فيها خارج ماليزيا. وأضافت: لأول مرة سيتم إعلان عن جائزة “مهاتير” لأفضل بحث من خلال (45) بحثاً، مقدماً برئاسة الدكتور “عبد الرزاق مقري” وسيشهد يوم غدٍ (السبت) إعلان الفائزين بها، وهي جائزة لبحث وجائزة للنساء وأخرى للشباب بمبالغ مقدرة تشجيعاً لعملية البحوث.