أخبار

مستقبل الحوار

إذا كان مجرد اتخاذ الحكومة لتدابير اقتصادية تهدد مستقبل الحوار وتدفع بعض القوى لنفض يدها عن غزلها، فإن الحوار يصبح شيئاً لا قيمة له، والمؤتمر الوطني الذي تصدى للدفاع عن سياسات حكومته وجد نفسه أمام خيارات صعبة، إذا وقف معارضاً ومناهضاً للسياسات أو الصحيح التدابير
الاقتصادية التي أعلنت مؤخراً خسر كل شيء، وإذا نافح عنها وتصدى إلى الرفض الشعبي  الواسع لها فقد بعض قواعده المتأثرة بالغلاء شأنها كبقية المواطنين، وقد واجه المؤتمر الوطني بكل شجاعة عاصفة الرفض حتى استقرت الأوضاع، ولكن شركاء الوطني في الحوار جذعوا وبدأت الململة في صفوفهم شأنهم وشركاء الحكم والسلطة والكسب مثل الاتحادي الديمقراطي الأصل الذي يقول أحد قياداته إن الوطني لم يشاورهم في قرارات التدابير التي تم إقرارها، وقد كانت قرارات مثيلة اتخذت قبل عامين سبباً في تصدع جبهة الحكومة حينذاك بخروج السيد “محمد عثمان الميرغني” من البلاد إثر خروج تظاهرات (سبتمبر) الشهيرة، وظن السيد أن انتفاضة تلوح في الأفق وقد تطيح بالحكم ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وفي تلك الأحداث هرع “غازي صلاح” الدين قافزاً من سفينة ظن أنها غارقة فخسر الكثير من احترام الناس له، ولكن من شركاء الوطني من يقاتل معه بصدق وشجاعة مثل د.”أحمد بلال عثمان” وزير الإعلام والأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يثبت كل يوم شجاعته ومنافحته عن حكومة هو جزء منها، ولا يهاب ردة فعل الشارع ولا يحسب ربحه أو خسارته من معركة هو يخوضها بوعي وشجاعة، قد تختلف مع “بلال” أو ترفضه، ولكن لا تملك إلا احترام مبدأه وهو ينافح عن مصالح حزبه أو مبادئه.
بعد انقشاع غمامة التدابير الاقتصادية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه إلى أين تتجه سفينة الحوار الوطني في ظل تردد البعض وتشكيك آخرين وممانعة القوى التي تحمل السلاح ورهانها على الرئيس الأمريكي الجديد، وقد ظلت قوى المعارضة المسلحة ترهن خياراتها إلى المجهول طوال فترة (27) عاماً أمضاها “البشير” في الحكم والسلطة والمعارضة، كلما لاح في الأفق مهدد لحكم الإنقاذ وضعت رهانها على عنقه وهي لم تجرب يوماً الرهان على الشعب الذي تحمل كل تبعات القرارات الاقتصادية، لأنه يشعر بأن هناك أملاً وأن الحكومة الحالية مهما كانت أخطاؤها فهي أرحم من الذي يأتي من المجهول، خاصة وحاملي السلاح خطابهم مرعب ومخيف لكل السودان.
التحدي الذي يواجه الحكومة الآن في قدرتها على دفع استحقاقات الحوار الوطني من تشكيل لحكومة عريضة لاستيعاب وتوظيف القوى التي تنتظر الآن نصيبها من كعكة السلطة وهي قوى لا تملك تغير الواقع السياسي والأمني، وعلاقتها بالرافضين للحوار أكثر تأزماً من علاقة الحكومة التي تخوض حوارات معهم، بينما القوى التي دخلت ساحة الحوار غالبها على علاقة سيئة جداً بالمعارضين من حاملي السلاح، وعلى ذكر هؤلاء فإن إغلاق ملف المفاوضات في الوقت الراهن يعتبر خطوة مهمة خاصة وقد أصبح التفاوض عبثياً.
إن الخزانة العامة في قادم الأيام ستنهكها استحقاقات الحوار من توسعة لمواعين السلطة وهي أعباء ضخمة ونتائجها في رحم المجهول، إلا أن مرحلة ما قبل تشكيل الحكومة تتطلب خطاباً سياسياً جديداً وتدابير سياسية جديدة لفك الاختناق الذي تعاني منه الساحة الآن، ويبدو المؤتمر الوطني وحده الآن في الساحة من يحرك خيوط اللعبة وكل الشركاء في حالة ترقب وانتظار.
أنصبة وقسمة مهما كانت لن تحقق لهم جميعاً الرغبات في السلطة التي يسعى إليها الجميع، وذلك من حق هذه القوى التي وقفت مع الحل السلمي والتوافق السياسي ونبذت الحرب، لكن ثمن هذا بات صعباً على خزانة دولة نضبت مواردها وكسدت صادراتها بسبب الحصار، وفي ذات الوقت فإن الخزانة العامة ستنفق على مخرجات الحوار وتنفق على الحرب التي تطاولت، وكان منتظراً أن يؤدي الحوار لإسكات صوت البندقية، ولكنه حتى الآن لم يفعل ذلك، وتلك هي كبرى معضلات الأيام القادمة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية