رأي

مجرد سؤال

قلم وكراس و(حتة عيشة)
رقية أبو شوك
 
أن أكون فقيراً ومعدماً وليس لديَّ ما أسد به رمقي ليس معنى ذلك أنني سأكون لصاً أو نشالاً أو أي مسمى من مسميات السرقة.. فالأخلاق النبيلة والتربية الإسلامية والتشبع بالدين هو كفيل بأن يغرس في الدواخل العفة والرضا بالمكتوب، بل والتعفف حتى يحسبك الناس أنك غنياً من كثرة تعففك (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا).
فحتى وأن كنت صغيراً فإن ديني وعقلي يعصماني من فعل الفواحش، وأن أتجنب كل فعل نهى عنه الله سبحانه وتعالى.
أقول هذا، وفي الخاطر القصة الشهيرة التي كتب كلماتها الشاعر “حاتم حسن الدابي” تحت عنوان (قلم وكراس وحتة عيشة)…هذه القصة الحقيقية بطلتها طفلة بمرحلة الأساس بمدينة الثورة أم درمان، وقد اتهمت بسرقة (10) جنيهات، من إحدى الطالبات، وتم تفتيش كل طالبات الصف، إلا أن هذه الطالبة رفضت التفتيش واحتضنت حقيبتها الدراسية وأمسكتها بيديها الأمر الذي أدى إلى أن تحوم الشكوك حولها، وعندما تم توبيخها من قبل المعلمات وأمام الطالبات كانت صامتة ودموعها منهمرة وتحت إصرار القوة تم سحب حقيبتها من بين يديها وتم فتحها.. أتدرون ما بداخلها ؟.
كانت هذه الطفلة تجمع (فضلات) فطور الطالبات بعد أن يقمن برميها في المهملات وتضعه في حقيبتها ليكون الوجبة الوحيدة لوالدتها المريضة وأشقائها الأربعة الصغار بالمساء، بعد أن غادرهم الوالد تاركاً وصيته بأنه لا يستطيع تربيتهم وتعليمهم، وخرج لأنه مريض، وخوفاً من أن تنتشر عدوة مرضه إلى فلذات أكباده.. اندهشت المديرة لفعل الطالبة، وبكى الجميع وعندما ذهبوا لمنزل الطفلة وجدوا حالاً بائساً ووضعاً لا يحتمل.. وجدوا الأم تنام على (عنقريب) (نازل) على الأرض وأطفالها يفترشون الكرتون أمامها ليناموا عليه، وكانت (بواقي) فطور الطالبات هي الوجبة الوحيدة لهم بعد أن يتم (رشها) بالماء.
الشاعر “حاتم حسن الدابي” جسَّد هذه الصورة في هذه الكلمات، وقد قال في رده لسؤالنا عن واقع هذه القصة على المجتمع وأهل الخير، (التبرعات انهالت على هذه الأسرة والتي كانت بطلتها طفلة عفيفة نظيفة تمت تربيتها على أحسن ما يكون).
فقد اخترت من قصيدته الآتي : ـ
يا أستاذة أقري بشِيشه
فيهو براءة تعكس فِيشه
شوفي الشنطة وزن الريشة
شنو الجابرك علي فِتِيشة
تراكي لقيتي في هِبيشة
قلم وكراس وحِتّة عِيشة
دي خضعت للحياة وقانونه
تطبق فيها كل فنونه
في أيام نُحس ومجنونة
طفولته من بدت محزونة
تنوم في قِطعة من كرتونة
هي تقعد للعِصير جيعانة
تلقِط علشان تعشي أخوانها
ممرضة أمها العيانة
أدتها حِن وهي فاقدة حنانها
فِعلاً طفلة صِح إنسانة
تقري وشايلة هم العيشة
علي الهم المجسم فوقا
تشيل عشرتكم المسروقة؟
خمس سنين محطة محطة
مافي إنسان بهبش الشنطة
فتحتها تعني أكبر ورطة
ريحة العيشة تطلع شطة
هي مادام في الفصل منضبطة
ليه عايزين تجيبوا الشرطة
هددتوها ليه بالنقطة
في المكتب وقف شاويشة
يعني عشان ما ورتك موضوعة
ما قطّع حشاكي دموعها
ما حسيتي وجعته نوعها
إنها مُتعبة وموجوعة
علي مرضة وعِراها وجوعها
تاني تقع عليها نبيشة
ترا الأستاذة تهرج فيها
شايلة السوط وصارة وشيها
وديك ماسكاها من إيديها
هي قالت كِلمة صِح تعنيها
شنطتي فاضية شيْ ما فيها
طلبتك بالرسول خليها
فيها رسالة ما تقريها
يا أستاذة كوني نبيهة
إلا العشرة والله العظيم ما فيشة

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية