رأي

بعد.. ومسافة

سهرة أمريكية انشغل بها العالم!
مصطفى أبو العزائم
 
إعلان فوز مرشح الرئاسة الأمريكية عن الحزب الجمهوري “دونالد ترامب” أحدث مفاجأة لكل المتابعين والمراقبين في مختلف أنحاء العالم، ليس لأنه لا يستحق الفوز، بل لأنهم كانوا يتمنون فوز المرشحة الديمقراطية المنافسة له “هيلاري كلينتون”، وهي وجه سياسي أمريكي مألوف ومعروف، لذلك كان الكثيرون يتمنون فوزها من باب (جنا تعرفوا ولا جنا ما بتعرفوا)، لأن الإنسان بطبعه عدو ما يجهل، وكان يجهل الكثير عن المرشح الديمقراطي “دونالد ترامب”، لكننا لسنا أعرف من الأمريكيين بمرشحيهم الرئاسيين، وكل حزب من الأحزاب الأمريكية أدرى بمن يدفع بهم إلى المواقع العليا والمتقدمة انطلاقاً من القدرات والإمكانات والجدارة والاستحقاق.
الحب والكره، لا مكان لهما في الاختيارات المفصلية، ولا مكان للعواطف في العملية الانتخابية التي انتظر العالم بأجمعه إعلان نتائجها، وظللنا نحن في الجانب الشرقي من العالم نتابع تفاصيلها ودقائقها لحظة بلحظة، بل أن كثيرين – وصاحبكم من بينهم – ظلوا يتنقلون – بنهم شديد للمعرفة – بين محطات التلفزة المختلفة، خاصة الأمريكية مثل الـ(CNN) و(الحرة) وبقية المحطات الإخبارية العربية وغير العربية لمتابعة الحدث الأهم في العالم. ولم يتحرك صاحبكم من مكانه إلا بعد التأكد من إعلان النتيجة بفوز المرشح “دونالد ترامب” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ليصبح الرئيس الأمريكي رقم (45). وتابعنا خطابه على الهواء مباشرة الذي جاء متوازناً ومتماسكاً ومؤثراً وقوياً، رغم أنه كان مرتجلاً، وهو ما يؤكد على أن الأحكام المسبقة كثيراً ما تظلم المحكوم عليهم.
فاز “دونالد ترامب” الذي أجهض بفوزه أحلام النساء الأمريكيات، وعلى رأسهم “هيلاري كلينتون” في أن تقود النساء الولايات المتحدة الأمريكية، وحصل – كما تابع الجميع – الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب” على (274) صوتاً مقابل (215) لمنافسته الديمقراطية “هيلاري كلينتون” في أصوات المجمع الانتخابي الذي يحتاج فيه أي من المرشحين إلى (270) صوتاً من جملة الأصوات البالغة (538) ليستحق الفوز بالمنصب الأعلى في الولايات المتحدة.
الانتخابات الأمريكية نموذج حقيقي لحرية الناخب، حتى وإن اختلف البعض حولها، وهي عملية شفافة لا مجال فيها لخداع أو غش أو تزوير، وهي تعبير حقيقي عن ميول ورغبات الشعب الأمريكي، ولا يملك الخاسر فيها إلا أن يهنئ الفائز الذي يدعو في العادة إلى التمسك بالقيم الديمقراطية والمحافظة على مكاسب الشعب الأمريكي، والإعلان عن أنه رئيس لكل الأمريكيين على السواء. وهكذا كان المشهد أمس بعدما خاطب ناخبيه ومواطني الولايات المتحدة الأمريكية والعالم بأجمعه من داخل أحد مقار حملته الانتخابية، وذلك عندما قال (آن الأوان لنتكاتف كشعب واحد)، وقد هزمت هذه العبارة مخاوف الملايين من السود والملونين الذين نجحت حملات التخويف الانتخابي في تعبئتهم سلباً تجاه “ترامب” بحسبان أنه عنصري بغيض، عظيم العداء لهم وللإسلام.
كنت أتمنى “فوز كلينتون” رغم أنني لا أشعر بكبير فرق بينها وبين منافسها “ترامب”، فالحكم هناك للمؤسسات بناءً على التقارير والدراسات التي تحدد المسار السياسي الذي يجب إتباعه عند اتخاذ القرارات، والحكم الحقيقي لمجموعات الضغط التي تستطيع إقناع الرئاسة والكونغرس بمواقفها وآرائها تجاه العديد من القضايا. وسبق أن قرأت كتاباً حمل اسم (The Veil) أو (الحجاب) قام بتأليفه أو إعداده الصحفي الأمريكي الأشهر “بوب وود ورد” الذي قام بالكشف عن فضيحة “ووترقيت” التي أطاحت بالرئيس “ريتشارد نيكسون” وأجبرته على تقديم استقالته في أغسطس عام 1974م، وتمت محاكمته بسبب تلك الفضيحة التي تعتبر أكبر فضيحة سياسية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
(The Veil) أو الحجاب كشف عن سيطرة وكالة المخابرات الأمريكية المركزية على مراكز اتخاذ القرار في الولايات المتحدة، وقدم تفصيلات كثيرة من خلال التعرف على مهام وواجبات ومسؤوليات رئيس الوكالة الأسبق “وليام كيسي”.
السياسة الأمريكية لن تتغير كثيراً، والشعوب الحرة ذات الوعي العام لا ترتكب أخطاء تاريخية فادحة، كما يحاول البعض إلصاق هذه التهمة بالأمريكيين، وهذا لا يحدث إلا في حالات الخوف من الإبادة، ونؤكد رغم مواقفنا من السياسات الأمريكية تجاه بلادنا، أن الديمقراطية وقيم الحرية والمؤسسية والسعي نحو تحقيق المصالح العامة، هي صمام الأمان للشعب الأمريكي، والرئيس الأمريكي المنتخب الجديد، ليس أسوأ ممن سبقوه.. فربما حدثت في عهده تطورات لصالح بلاده.. والعالم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية