رأي

بعد ومسافة

ولماذا يتحمل شعبنا هذا العناء؟
مصطفى أبو العزائم
 
القرارات الاقتصادية الأخيرة، ورفع الدعم عن المحروقات وزيادة الضرائب مع الزيادات المتدرجة لاستهلاك الكهرباء، وما يتبع ذلك من ارتفاع في الأسعار، وهو قد بدأ بالفعل، لا نتوقع أن تنتهي معاناة هذا الشعب المسكين ولا أن ينتهي هم المسؤولية لدى من بيدهم الحكم.
نتوقع أن تكون هناك قرارات أخرى قاسية لم يحن بعد موعد الإفصاح عنها قد يكون من بينها أن ترفع الحكومة يدها تماماً عن القمح، وعن بعض الخدمات الأساسية المدعومة ليتم تقديمها بسعر تكلفتها الحقيقي، وهنا ستكون الكارثة الكبرى، إن تراجعت نسبة العلاج والدواء في مشروع التأمين الصحي، ولا نتوقع أن تكون أسعار المحروقات الحالية (المحررة) نهائية، لأن أسعارها ارتبطت بالمنتج العالمي، والأسعار متذبذبة، صعوداً ونزولاً كل يوم، فإذا كان سعر جالون البنزين (27) جنيهاً، ربما تشتريه بأعلى من ذلك أو أقل، مثلما يحدث في كثير من بلدان العالم التي تجد لوحة بيانات الأسعار الإلكترونية في حالة حراك دائم ومستمر، لأن السعر العالمي غير ثابت ولا مستقر.
لجوء الحكومة إلى هذه القرارات القاسية له دوافعه وأسبابه، حتى وإن لم تفصح أو تعلن عنها، لأن الإنفاق على مجمل العملية الأمنية في طول البلاد وعرضها يستهلك جزءاً كبيراً من عائدات الدولة ومواردها، وهذا قطعاً لن يجد من يحتج عليه إذا ما أعملنا المنطق والموضوعية، فانفلات الأمن رأيناه في دول عزيزة وشقيقة، أصبحنا وأهلها أيضاً نتحسر ونتساءل علناً وسراً (كيف كانت وكيف أصبحت؟).
كتبنا من قبل عن أن مدارس الاقتصاد متعددة، وأننا لسنا من أنصار المدارس المغلقة التي تعطي الحكومة حق التدخل في كل الشأن الاقتصادي، وأشرنا إلى أنه ليس أفضل من اتباع سياسة التحرير كاملة، مع قيام الدولة بواجباتها تجاه الشرائح الضعيفة، وهذه لا نقصد بها موظفي الخدمة العامة وحدهم، بل هناك الملايين الذين ينتشرون في كل أنحاء بلادنا، ويحتاجون لأبسط الخدمات التي هي من صميم واجبات ومسؤوليات وعمل الحكومة، لذلك تتنافس كل أحزاب الدنيا في الدول الديمقراطية من خلال تقديم وطرح برامجها الاجتماعية المرتبطة بالسياسات الاقتصادية، وينحاز جمهور الناخبين – عادة – لبرنامج الحزب الذي ينحاز لهم. قابلت السيد وزير المالية “بدر الدين محمود عباس” قبل وخلال وبعد صدور هذه القرارات أكثر من مرة، وامتد أحد اللقاءات لأكثر من أربع ساعات قدم خلالها الرجل دفوعاته المنطقية وتبريراته الموضوعية لهذه القرارات القاسية التي اضطرت الحكومة اضطراراً للدفع بها إلى موضع التنفيذ دون تمهيد، رغم أننا كنا نتوقع ذلك منذ بداية حزمة الإصلاحات الاقتصادية الأولى، وقد بنينا على ذلك تنبؤاتنا أو توقعاتنا بأن الأمر لن يقف عند هذا الحد، بل سيتعداه إلى ما هو أكثر أهمية مثل أسعار الدقيق والخدمات العامة.
الوزير مغلوب على أمره وسيكون مظلوماً إذا ما حملناه وحده مسؤولية ما حدث، فالمسؤولية هي مسؤولية الحكومة بكامل مكوناتها، وهي مسؤولية البرلمان الذي صفق نواب الشعب فيه لحزمة الإصلاحات دون أن يقفوا عندها كثيراً.. ثم إنها مسؤولية الحزب الحاكم الذي قدم برنامجه الاقتصادي وسياساته لتجاز من داخل أمانته الاقتصادية رغم اختلاف الآراء وتعدد وجهات النظر الاقتصادية، القائمة على اختلاف المدارس.
طبعاً لم يتم تقديم مشروع الإصلاح الاقتصادي للملأ حتى تتم مناقشته، وإن حدث ذلك لطالبنا بأن يتم تسريح جيش السياسيين الجرار الذين أصبح هم الكثيرين منهم أن يجدوا لهم مكاناً في سفينة الحكم، وهؤلاء نعلم مثلما يعلم غيرنا أنهم أول من سيقفز من هذه السفينة إن هددها الغرق، أو واجهتها عاصفة شعبية عنيفة، ولا يتم الإبقاء إلا على الذين يشغلون المواقع التنفيذية والإدارية المهمة، وأن يتم تقليص الإنفاق الحكومي إلى أدنى الحدود، حتى تكون الحكومة هي القدوة التي تكسب مساندة الشعب لها ومناصرته لبرنامجها الاقتصادي.
ثم هناك نقطة مهمة ترتبط بأمننا القومي، وهي قضية حساسة لأنها ذات صلة بعدد من دول الجوار، وهي قضية الأجانب الذين وصلت أعدادهم إلى حوالي الأربعة ملايين من عدد من دول الجوار الأفريقي يقاسمون شعبنا لقمة العيش، ويهددون موارده من العملات الأجنبية بالتحويلات المالية المنتظمة يحسنون من أوضاع بلادهم الاقتصادية مقابل تدنٍ في أوضاع بلادنا نتيجة غض الطرف عن هذه الممارسات الضارة، ونتيجة تهريب السلع والأدوية وغيرها دون (عائد صادر)، بل دون عائد أصلاً، لينطبق علينا قول الشاعر:
نبني وتهدمها الرياح.
هناك أيضاً آثار الحصار والمقاطعة الاقتصادية الأمريكية وهي التي أضرت بنا كثيراً، وهناك ضعف التشجيع للمستثمرين بالقوانين الفضفاضة وتداخل الاختصاصات ما بين المركز والولايات.. وهناك الكثير.. كنا نتمنى أن يبدأ الإصلاح من هنا وهناك.. لا من جهد المواطن وجيبه.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية