وزير الدولة الأسبق والخبير الاقتصادي بروفيسور "عز الدين إبراهيم" في حوار الراهن الاقتصادي
الأسعار ستستقر وستصبح متوازنة بعد هذه الزيادات لأن بعض (العسر يسر)
كان الوزير حينما يقف في البرلمان يقول صدرنا كذا سمسم وصمغ وقطن لكن سياسة “حمدي” اتجهت إلى الاستثمار
للأسف الدولار أصبح مرتبطاً بكل الحاجات والسوق يتأثر به والمواطن في خطر في ظل ارتفاع سعره
المواطنون عليهم بتقليل الاستهلاك وهنالك في سلة الاستهلاك (632) سلعة ليست بالضرورة أن يحتاجها كلها
الاكتفاء الذاتي عندنا مضحك ونستورد السبح والسجادات والجلابية والسروال من الصين
حوار ـ سيف جامع
تفاجأ المواطن السوداني بزيادة مباغتة في أسعار المحروقات والكهرباء مساء (الخميس) الماضي، مما مثلت صدمة للكثير منهم في ظل الارتفاع المطرد في أسعار السلع الاستهلاكية، ورغم أن تلك الزيادات تبعتها معالجات بزيادة الأجور إلا أن الشارع تقبلها باستياء كبير، والسؤال المهم اليوم هل سيتوقف حل مشكلة الاقتصاد بالقرارات الأخيرة، وإلى أي مدى يمكن أن يتأثر منها المواطن، كيف ينظر إليها الخبراء والمختصون وهل ستكون معالجات نهائية. في هذا الحوار الذي أجرته (المجهر) مع وزير الدولة الأسبق بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي والخبير الاقتصادي بروفيسور”عز الدين إبراهيم”، قدم فيه إجابات للأسئلة، والدكتور “عز الدين” هو الخبير الاقتصادي المعروف، تقلد مناصب هامة في وزارة المالية في فترات مختلفة، وله اهتمامات ورؤى وأفكار في حل المشكلات الاقتصادية. وهو رئيس اللجنة الاقتصادية التي وضعت البرنامج الثلاثي الإسعافي «2012-2014» كوصفة للخروج من الصدمات التي واجهت الاقتصاد بعد انفصال الجنوب فإلى مضابط الحوار.
{بداية يا دكتور كيف تنظر للإجراءات الاقتصادية التي قررتها الحكومة؟
-هي طبعاً إجراءات بالنسبة للشخص غير المختص في الاقتصاد غير مقنعة لكنها ستؤدي إلى استقرار الأسعار وتوازنها، وأنا اعتبرها اللجوء إلى (علاج الداء بالداء) مثل ما يحدث في الطب، هنا الفكرة حينما ترتفع الأسعار تمتص الحكومة هذه الزيادات الجديدة، وبالتالي إذا انخفضت النقود لدى المواطنين يقل الطلب على السلع.
{كيف يعني؟
-عموماً الأسعار ستستقر وستصبح متوازنة بعد هذه الزيادات لأن بعض العسر يسر ومهما ارتفعت فإنها ستستقر في هذا المستوى العالي.
{إلى أي مدى يمكن أن يتأثر منها المواطن ؟
-ستنعكس على المواطن وما نغش أنفسنا بأنها لا تأثير عليه وعلينا أن نقارن بيننا ومصر التي عومت الجنيه بالتزامن مع الإجراءات في السودان، هم اتخذوا خطوة التعويم بعد أن حصلوا على دعم بمبلغ (12) مليار دولار من صندوق النقد الدولي كسند لاقتصادهم، نحن نعمل التحرير للسلع دون أي سند من مؤسسات النقد الدولية، ونحرر السلع رغم أننا محاصرون من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فهي لم يتبقَّ لها سوى الهواء لتحبسه عنا والشعب تحمل من قبل الزيادات في الأسعار.
{بهذه القرارات هل انتهت المشكلة الاقتصادية؟
-الأزمة بدأت منذ أن تم الانفصال، الآن نعيش تداعياته ويتحملها المواطن بقرار سياسي، والانفصال تداعياته ستستمر معنا لعدة سنين مقبلة.
{هل تعتقد أنها معالجات نهائية؟
-لا هي فقط معالجات لأزمة انفصال الجنوب وليس علاجاً نهائياً لأننا ما زلنا نعاني من انفصال الجنوب، ونحن نعالج آثار الانفصال وكأننا نعالج أعراض الملاريا بالبندول والمسكنات، بينما يجب أن تعالج الأزمة بإيجاد بدائل تتمثل في الصادرات والإنتاج الذي يمكن أن يوجه للصادر، مثلاً عندنا إنتاج سكر كنانة من أرقى وأجود أنواع السكر لكن للأسف نستهلكه محلياً ونستخدمه في (الآبري الأحمر) وهذا فهم غير اقتصادي، فسكر كنانة ينبغي أن نوجهه كله للصادر ليوفر العملات الصعبة، ففي إثيوبيا التي تشتهر بإنتاج البن الحبشي هنالك ممنوع استهلاكه محلياً وممنوع كأنه مخدرات.
{إذن ما الحلول؟
-لابد من الدفع بالصادرات وتوفير التمويل، نحن أصبحنا بلداً مستهلكة ونستورد من السعودية حتى (الشطة) و(الألبان) لابد لنا أن نحلم لكن أيضاً يقول علماء المجتمع إن الذي لا يحلم فهو مريض، وكذلك الذي يصدق الأحلام فهو مريض، وإذا علمت الحكومة منذ الانفصال في الإنتاج من أجل التصدير خلال الخمس سنوات الماضية، ما كان واجهتنا مشكلة، فقبل 2011 كان لدينا مشروع تصدير البترول لكن الآن رجعنا إلى ما قبل مشروع الجزيرة.
{كيف تقارن بين الوضع الاقتصادي حالياً وسابقاً وأنت كنت وزيراً في المالية؟
-كان الوزير حينما يقف في البرلمان يقول صدرنا كذا سمسم وصمغ وقطن لكن سياسة وزير المالية الأسبق “عبد الرحيم حمدي” اتجهت إلى الاستثمار، نحن محتاجين لتوسيع التصدير داخل القطاع الزراعي لأننا نتحدث عن الزراعة المروية، بينما السمسم مطري والمواشي تعتمد على الرعي المطري ومقابل ذلك الزراعة إنتاجها ضعيف، فالقطاع الصناعي يحتاج كذلك للتوسع وهو يعتمد اعتماداً كبيراً على القطاع الزراعي، ومعظم إنتاجنا الصناعي سلع غذائية فعلى الدولة التوسع في الصناعات غير الزراعية كصناعة الأسمنت والأدوية والآلات الثقيلة.
{حدثنا كيف كانت تصدر مثل هذه القرارات ؟
-مثل هذه الإجراءات معروف أنها تطبق بطريقة الصدمة أو التدرج، في مصر طبقت بالتزامن مع السودان عن طريق التدرج ومهدوا لذلك بطوابير البنزين وإغلاق المحطات بسبب انعدامه، لكن هنا تمت ليلة (الخميس) بطريقة الصدمة أو الصاعقة وأنا أرى أن طريقة الصدمة أفضل في كل الأحوال.
{هل كنتم تشاورون السياسيين في مثل هذه القرارات؟
-السياسيون لا يهتمون بكل حاجة مشكلتهم حريصون بأن لا يخرج عليهم المواطنون ويتظاهرون، كنا نقرر كاقتصاديين ثم بعدها نرفع قراراتنا للسياسيين، وفي الوقت الحالي حدث العكس عملوها (الخميس) مساءً، وكاقتصادي دائماً أفضل أن أفصل الأشياء وفقاً لمقياس الاقتصادي وليس السياسي.
{توقعاتك لتأثيرها مستقبلاً على الاقتصاد العام للدولة؟
-كمعالجات أرى أنها موفقة لكنها كما ذكرت ليست حلولاً نهائية لذلك لابد أن تتبعها معالجات والمعالجات تأخرت خمس سنوات، وظللنا منذ الانفصال ندير البلاد بالمباصرة لذلك لابد من معالجات والمواطن أيضاً عليه مسؤولية بأن يبادر ويشارك وعلى الحكومة القيام بدور التوعية والحث على الإنتاج.
{نصيحتك ورسالتك للمواطنين لمواجهة الوضع الحالي؟
-المواطنون عليهم بتقليل الاستهلاك، هنالك في سلة الاستهلاك (632) سلعة، ليست بالضرورة أن يحتاجها كلها المواطن أي شخص يختار منها حاجته، الكثير منها توسع الصرف دون الحاجة إليها.
{ما هي فرص السودان في التجارة العالمية؟
-الاقتصاد العالمي تحول إلى اقتصاد الخدمات وأصبحوا يصدرون الخدمات وهي توفر طبعاً عملات حرة كبيرة في السياحة والسياحة العلاجية والسفر، لو دخل أجنبي من دول الجوار للعلاج في الخرطوم سيحتاج لإيجار شقة ويتنقل بسيارة كلها ستكون بالعملات الحرة، ماذا لو أسسنا مستشفيات لجذب طالبي العلاج من دول تشاد وإثيوبيا وجنوب السودان، نحن شعب لا نعرف التجارة، المسألة تحتاج لعقلية، أنا شاهدت إقبالاً على مستشفيات الخرطوم من الإخوة التشاديين، ماذا لو فتحنا مكاتب لخدمات العلاج بتشاد، الماليزيون والهنود لديهم مكاتب للجامعات بالخرطوم.
والفرص أمامنا بأن نقيم منطقة تجارة لتصدير السلع الصينية من السودان إلى أفريقيا، وهنا أذكر أن السلع إلى جنوب السودان كانت تعبر من السودان، والفرص أمامنا أننا بدل أن يهاجر أساتذتنا إلى الخارج لأنهم مرغوبون هنالك، لماذا لا ننشئ جامعات هنا بمواصفات عالمية ونجعل الناس يهاجرون إلى السودان للتعليم.
{هل ترى أن السودان مؤهل لذلك؟
-كله ممكن لأن أي توجه تجاري يحتاج إلى تغيير في المفاهيم، لازم الاعتماد على التجارة الخارجية عندنا مثل يقول ( اللي ما يخلي شئ ما يسوي شئ)، الزراعة مهمة لكنها ليست كل حاجة نحن لدينا عدم توازن في التجارة، حيث صدرنا قطناً بـ(39) مليون دولار، واستوردنا بناً فقط بأكثر من (40) مليون دولار وفقاً لتقارير بنك السودان المركزي، ادخل إلى موقعه في النت ستطلع على هذه التقارير للعام 2015م.
{ما تأثير الإجراءات في نظرك يا دكتور على استقرار سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأخرى خاصة الجنيه؟
-للأسف الدولار أصبح مرتبطاً بكل الحاجات والسوق يتأثر به والقمح والدقيق نستورده بالدولار وكذلك جزء من المشتقات البترولية، ولطالما ليس لدينا إنتاج متوفر سيكون المواطن في خطر في ظل ارتفاع سعر الدولار، واتجاهنا إلى التصنيع سيوفر لنا العملات الحرة، لأن مبدأ الاكتفاء الذاتي عندنا مضحك، ينبغي أن ننتج للاستهلاك وما يفيض نصدره وشغالين بنظريات قديمة، حالياً السلع مثل السبح والسجادات والجلابية والسروال نستوردها من الصين، فهم يصنعوها ليصدروها للسودان.