رأي

بعد.. ومسافة

ومثلما قال “مبارك الفاضل”: العقوبات لن تسقط النظام
مصطفى أبو العزائم
 
لا أعرف سبباً يستدعي هذه الهجمة الشرسة من قبل القوى المعارضة، على السيد “مبارك الفاضل المهدي” بسبب بيانه الذي أصدره يوم أمس الأول، وقد تلقيت نسخة منه حال صدوره، مثلما تلقى آخرون من أهل الصحافة والسياسة وأهل الحكم والمعارضة معاً.
خلاصة مقال السيد “مبارك الفاضل المهدي” أنه قدَّم نصحاً للمعارضين بعدم الرهان على قرار تجديد العقوبات الأمريكية المعلنة على السودان، وحثهم على السعي إلى التسوية السياسية، ودعوة لهم للوقوف والتقاط أنفاسهم ومراجعة مواقفهم بدلاً من الركض خلف السراب.
السيد “مبارك الفاضل المهدي” رجل سياسي بعيد النظر يعرف كيف يطوِّع المواقف الصلبة لصالحه، مثلما يعرف فرد أشرعة مركبه السياسي ليمتلئ بهواء البحر بحيث يتمكن من توجيه تلك الأشرعة إلى حيث يريد، وهو يعلم أن تجديد العقوبات هو أمر فني روتيني، وقد لا يؤثر على قدرة الرئيس الأمريكي في رفع العقوبات قبل نهاية ولايته، كما هو موعود ومتوقع، وهكذا حمل بيان السيد “مبارك الفاضل” تلك الآراء الجريئة مع تحذيرات ونصح للحكومة بالإسراع في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني حتى لا تفوت هذه الفرصة التاريخية على السودان، وأظن يقصد فرصة السودان في المصالحة والعدالة.
لا نشك في مقدرات السيد “مبارك الفاضل المهدي” ووعيه وذكائه ونظرته السياسة الثاقبة، حتى وأن اختلفنا معه في المواقف، فهذا حقنا.. وذاك حقه، وكنت قبل أيام قليلة التقيت بواحد من قيادات حزب الأمة القومي، في عزاء بالخرطوم بحري، وتحدثنا عن مجمل القضايا التي تشغل الساحة، وجاء في معرض حديثنا ذاك توقيع السيد “مبارك الفاضل المهدي” على الوثيقة الوطنية، واحتج محدثي قائلاً: إن “مبارك” لا يمثل الحزب، بل يمثل نفسه، وقلت له عن وزن الرجل وثقله وضح لنا عندما خرج عن الحزب وأنشأ حزبه الجديد، وقد اعتبره التقليديون داخل حزب الأمة، حزباً ضراراً لأنه أخذ معه قيادات كبيرة ومؤثرة.
صمت الرجل وقال بلهجة صادقة : إن خروج السيد “مبارك” كان ضربة قوية للحزب، خاصة وأنه نجح في استقطاب قيادات مؤثرة واستمال معه غالبية الشباب.
نعود لبيان السيد “مبارك الفاضل المهدي” حول أثر العقوبات الأمريكية المجددة على السودان، وإنها لن تسقط النظام، ونحن نعرف إن سقوط الأنظمة لن يكون بالأمنيات، ولن يكون بـ(أخوي وأخوك)، بل يكون بالعمل الجاد داخل المجتمع وتماسك البناء الحزبي، ومن خلال تقديم البرامج البديلة لما هو مطروح الآن، مع الاستبعاد عن المواجهة المسلحة، ونقول ذلك وقد واجه النظام ما هو أفظع من العقوبات الأمريكية، وقد استخدمت الإدارة الأمريكية في أكثر من عهد كل السبل الكفيلة بإسقاط النظام، مثل الحرب عن طريق دول الجوار، وما عرف بعملية الأمطار الغزيرة، ومثل استخدام مجلس الأمن لفرض عزلة على السودان، ثم دعم متمردي جنوب السودان قبل الانفصال، إضافة إلى اتفاقية نيفاشا التي كانت واشنطن وحلفاؤها يعتبرونها فخاً ذكياً لإسقاط نظام الخرطوم عن طريق الانتخابات، مع الدعم الكامل للحركات المتمردة في دارفور، ولكن كانت تلك المحاولات إما تفشل أو تضعف الواحدة تلو الأخرى، بينما نظام الحكم في الخرطوم يعاند من أجل البقاء، وهو ما اضطر الإدارة الأمريكية إلى التسليم بضرورة التعامل مع هذا النظام خاصة بعد التحولات السياسية في المنطقة والتي قادت إلى انهيارات أمنية في بعض دول الإقليم والمنطقة.
سفير عربي قال أمام عدد من الدبلوماسيين ورجالات الصحافة والإعلام وبعض السياسيين: إن نظام الحكم الحالي في الخرطوم نظام ذكي استطاع تجاوز كل الشراك والفخاخ المنصوبة له، ولم تؤثر المقاطعة الأمريكية عليه، لأنه تمكَّن من القفز على أسوارها، وتعامل مع العالم كله، وحافظ على استقراره واستقرار البلاد ما وسعه، بل ظل يحقق طفرات في كثير من الجوانب.
تلك كانت شهادة سفير لدولة عربية كبيرة ذات علاقات متميزة مع العالم العربي، لكننا نربط رأيه ذاك مع بيان السيد “مبارك الفاضل المهدي” ونقول للذين يعوِّلون على تجديد المقاطعة الأمريكية في إسقاط النظام: إن المعارضة الذكية هي التي ستسقط نظام لا يتعامل بـ(فرد العضلات) فقط.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية